23-أغسطس-2015

غرافيتي في شارع الفن في هاواوي (الترا صوت)

لا توجد لغة عالمية الآن أكثر انتشاراً من لغة الأوجه الصفراء (emojis\smiley faces). عالم جديد من المشاعر والتعابير البصرية المفهومة من قبل الجميع التي بإمكانها اختزال كل عوالمك النفسية بعدة أوجه صفراء، هذه اللغة الجديدة التي كانت في مجرد أسلوب بسيط للتواصل عبر وسائط التواصل الاجتماعي أصبحت منتشرة بشدة، ويمكن القول أن البعض يستخدمها بقدرة تفوق قدرته على استخدام اللغة التقليديّة، حتى أن البعض يشعرني بالدونية لأني لا أجيد التعبير بصورة دقيقة عبر نظام العلامات الجديد هذا.

لا يوجد لغة عالمية الآن أكثر انتشارًا من لغة الأوجه الصفراء

يكمن التساؤل عن هذه التقنية الجديدة للتعبير حول مدى قدرتها على تفعيل نفسها كوسيط اتصال، حيث أصبحت لها أعراض يخشى أن تتحول إلى مؤسسة تتفوق على مؤسسة اللغة، ويصبح لها علومها السيميائية والتأويلية والألسنية، هذه الأوجه الصفراء أضحت انعكاساً للمشاعر، تحاكي قدرة اللغة على التعبير، والموضوع قد يكون تهكما بالنسبة للبعض، منهم أنا، لكنه حقيقي بالنسبة للبعض الآخر.

"الأوجه الصفراء"، المشاعر المنقولة رقمياً، تحوّلت إلى نموذج للمحاكاة يختزن المعنى من جهة، واللغة من جهة أخرى، اللغة الجديدة التي تولدها التكنولوجيا والشيفرات الرقمية أصبحت أيضًا حاملًا للّذة ضمن ما يعرف بمفهوم الأوديبية السايبريّة، فهذا المنتج التكنولوجي أصبح متغلغلًا في بنية الإحساس الآن، وقادرًا على التسبب بالانتصاب للبعض، وهذا ما نراه منتشرًا في مواقع التواصل أحيانًا وبعض المواقع الإباحية، إذ نحن أمام تقنية/ لغة جديدة عالميةّ، الكلّ قادر على فهمها، وهذا ما يجعل الّلذة/ المشاعر وأي من النماذج العاطفية البشرية تكتسب قيمتها من تبادلها، فالفرد لا يستطيع استخدام الوجه الأصفر وحيدًا، بل لا بد من إرساله أو اتباع تقنية التعبير عنه، وهذا ما يجعل المشاعر تكتسب حضورها من تحويلها لثنائيات رقمية، من الوسيط الذي يحملها لا من طبيعتها وارتباطها بالفرد.

أصبحت التكنولوجيا قادرة على توليد نوع جديد من المتع الحسية قد تتجاوز ما يمكن للجسد البشري أن يؤمنه

التركيز على موضوع اللذة المرتبطة بهذا النوع من الأوجه ينسحب على كافة الممارسات السايبريّة، إذ أن ما نشهده من تطور علمي وتقنيات جديدة لإشباع الرغبات خلق مفاهيم جديدة عن الجسد وأغلمته وعلاقته مع الآخر، كما أصبحت التكنولوجيا قادرة على توليد نوع جديد من المتع الحسية قد تتجاوز ما يمكن للجسد البشري أن يؤمنه، وهذا يستدعي نظرة جنسانيّة جديدة مرتبطة بـ"الآن" وبنماذج الّلذة التي من المفترض، نظرياً، أن يكون مصدرها التجربة العملية إلا أنها "الآن" انتهت إلى نماذج من نتاج التكنولوجيا، تتمثل بآلية جديدة لا تقوم على اللمس الجسدي أو غيره من تماس اللحم باللحم، بل تقوم على تكوين الحروف والأشكال التي تدخل في بنية النموذج العاطفي و الجنسي في سبيل الوصول إلى المتعة.

لا يمكن أن يكون الحديث عن هذا الموضوع سوى من وجهة يتورط فيها الشخص، مهما حاول أن يجرد الأفكار المرتبطة به لأنه قائم على إدراك كل شخص لأساليب نيل اللذة، أما السمايلي فيس فهو الوحيد المجرد والمحايد، هو الوحيد الذي ينتشر في علاقتنا على كافة المستويات، يتنقل بين الأفراد ويفضح بشكله البسيط كأنه تأوّه أو قهقهة، هذا الكائن نتاج الأندرويد يجعلني خائف فعلاً من أن يفوقني ذكاءً يوما ما، هذا التخوف من التكنولوجيا هو انتصار لآخر مفاهيم الطبيعة البشرية، التي تُنتج عبر منظومات قمعية وفكرية مختلفة لتشكلنا "نحن البشر" أما اليوم فنحن أمام منظومة جديدة تغلغلت إلى أدق عوالمنا السريّة والفتشية متجاوزة الدين والسياسية، وتتحكم بآليات الانتصاب والتأغلم، دون أن تتأثر بل تبقى محايدة، صفراء، مبتسمة، لا تتعرّق ولا تصدر رائحة كالجسد.

لا يقتصر موضوع الوجه الأصفر على الجنس، نوعًا ما، بل يتجاوزه لنماذج عاطفية ترتبط بالحزن والشفقة وهذا ما نشهده بصورة دائمة، أوجه صفراء للحزن، أوجه صفراء للتعاطف، آلاف الدموع الافتراضية تسكب على أجساد حقيقية تموت أو قاربت الموت، نحن أمام تعاطف من نوع جديد، التربيت على الكتف أصبح يُستبدل بوجه أصفر، اختصار المسافات الذي من المفترض أن تقدمه التكنولوجيا أًصبح اختصاراً للعواطف، هذا الوجه الأًصفر أصبح ذو قيمة معنوية وعاطفيّة لا يمكن تجاهلها.

أوجه صفراء مبتسمة لكل السعداء، أوجه صفراء باكية للمحزونين، أوجه صفراء مشدوهة لضحايا المجازر والحوادث، أوجه صفراء قد تختزل خطبة عسكرية يوماً ما. هذا الأندرويد قد يفوق دون جوان فحولة، وقد يفوق تشارلز بوكوفسكي شعريّة، هذا الأندرويد قد يتفوق بحضوره على مظاهرة ضد طاغية.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

شاشة لمس مكان لوحة المفاتيح؟ لينوفو تفعلها بلابتوب جديد

كيندل "بيبروايت" الجديد من أمازون.. مقاوم للماء وبسعر معقول!