19-نوفمبر-2021

(Getty Images)

منذ بداية العام الجاري ولبنان يواجه لبنان نقصًا حادًا في الأدوية، سببه التردي المتواصل في الوضع الاقتصادي للبلاد، وتنامي سيطرة أسواق الاحتكار والتجار الذين عمدوا إلى تخزين الأدوية المدعومة وحرمان المواطنين منها، وذلك بغية بيعها فيما بعد بأسعار مرتفعة بعد رفع الدعم الحكومي عنها.

يترك الوضع الاقتصادي المتردي نساء لبنان أمام خيارات صعبة للحفاظ على الصحة الإنجابية أو تنظيم الحمل ومنعه

وفي حين أن رفع الدعم كليًا عن الأدوية سيعني أن الأدوية أصبحت متاحة مرة أخرى، فإن ما كان في السابق عملية شراء ميسورة التكلفة، أصبح يبتلع الآن دخل المواطن ومدخراته إذا ما أراد تأمين الأدوية الأساسية. فالحد الأدنى للأجور لا يتعدى 50 دولارًا أمريكي شهريًا مما يعني أن لائحة الأولويات لا بد أن تتبد لدى اللبنانيين، لتتصدر سلم أولوياتهم إلى تأمين السلة الغذائية الأساسية والمواصلات والتعليم، وهي مجالات حيوية باتت تشكل عبئًا كبيرًا على معظم اللبنانيين، لا سيما مع ارتفاع معدلات البطالة والفقر بشكل غير مسبوق.

أمام هذا الواقع، تأثرت النساء اللبنانيات بشكل كبير بالأزمات المستمرة في لبنان. فبالنسبة لمنتجات تحديد النسل ومنتجات الدورة الشهرية كالفوط الصحية، فإنها منتجات لم تعد مدعومة من قبل الحكومة اللبنانية الآن، وقد شهدت ارتفاعًا في أسعارها في الأشهر الأخيرة، مما يترك كثيرًا من النساء أمام احتمالات أعلى للحمل غير المرغوب، بمستويات أعلى من السابق، وذلك بفعل عدم القدرة على شراء وسائل منع الحمل، وهو ما أثر ليس فقط على تنظيم الأسرة، ولكن على الصحة النفسية والذهنية للمرأة.

تواجه النساء الحوامل أيضًا الكثير من المشكلات. ففي حين اعتدن سابقًا على شراء الفيتامينات المتعددة التي تكلف 30 ألف ليرة لبنانية قبل شهرين أو ثلاثة أشهر، فإنهن مضطرات الآن إلى دفع أكثر من 300 ألف ليرة لبنانية إلى 400 ألف ليرة لبنانية مقابل المنتجات ذاتها.

أما بالنسبة إلى الرجال، فهنالك صعوبة مماثلة في تأمين الواقيات الذكرية، لأن العلبة الصغيرة ذات النوعية الجيدة والتي تتضمّن ثلاثة واقيات ذكرية أصبح يتخطى سعرها ألف ليرة لبنانية. كما تم سحب نوع دوريكس من الأسواق بسبب غلاء سعره وشح الطلب على هذه الماركة بسبب عدم قدرة معظم الناس على شرائها حاليًا. ويتجه الكثير من اللبنانيين إلى البحث عن بدائل جديدة، رغم تدني جودتها، وهو ما يعني بالمحصّلة أن زيادة العبء المادي والنفسي على الشريكين، اللذين سيتحمّلان عبء أي حمل غير مرغوب به، ولاسيما على المرأة التي غالبًا ما تتحمّل العبء الأكبر. 

الإنجاب ليس خيارًا في لبنان

في اتصال مع الصيدلي هيثم جابر، مالك صيدلية جابر في منطقة عنقون في جنوب لبنان، أشار إلى أن "الطلب على منتجات منع الحمل والواقي الذكري تراجع كثيرًا"، وصرح في حديثه لألتراصوت بتسعيرة المنتجات وفق مؤشر الدولار الحالي حيث يعادل كل دولار واحد ما يقرب من 23 ألأف ليرة لبنانية. ووفق هذا المؤشر فإن "حبوب منع الحمل المخصص لما قبل العملية الجنسية سعره يتراوح ما بين 90 إلى 140 ألف ليرة لبنانية"، وأضاف "أما حبوب منع الحمل المخصص لما بعد العملية الجنسية فيتراوح سعر الحبة بحوالي 400 ألف ليرة".

وأفاد جابر بأن أسعار الفوط الصحية المخصصة للدورة الشهرية عند النساء باتت تكلف كثيرًا، وإذ يتراوح سعر العلبة التي تضم 12 فوطة بما مقداره 48 إلى 70 ألف ليرة لبنانية للعلبة الواحدة. وتحتاج المرأة أيضًا إلى مسكن للأوجاع يبلغ سعره كحد أدنى 46 ألف ليرة لبنانية إذا كان منتج محلي الصنع.

وأما بخصوص الواقي الذكري فإن أسعاره تتراوح ما بين 40 إلى 100 ألف ليرة لبنانية وتضم العلبة الواحدة 12 واقي ذكري. ويشير جابر إلى أن النوعية تختلف بحسب السعر، ويعتبر بأن هذه المسائل حساسة جدًا، للمرأة والرجل على حد سواء، لأن النوعية الرديئة ربما تؤدي إلى حساسية أو أمراض جلدية أخرى أو تتمزق أثناء العملية الجنسية مما يرفع من نسبة المخاطرة للحمل عند المرأة. وعلى ذات المنوال ارتفعت أسعار حبوب تأخير القذف وحبوب تعديل الرغبة الجنسية، وباتت الكثير من "المنتجات المحلية مطلوبة أكثر من المنتجات المستوردة ذات الجود العالية" بحسب ما أفاد لألتراصوت.

وأما الطلب على حليب الأطفال العادي فلم يتراجع الطلب عليه بالرغم من ارتفاع سعره بنسبة كبيرة. يشير جابر إلى أن سعر علبة الحليب التي تزن 400 غرام يبلغ حوالي 90 ألف ليرة لبنانية. وترتفع الأسعار كلما أصبح الحليب ذات خصائص محددة، فيما تجدر الإشارة إلى أن الطفل الرضيع بحاجة إلى علبة حليب كل يومين أو ثلاثة أيام. وأما عن الحفاضات المخصصة للأطفال فإن أسعارها بلغت مستويات كبيرة جدًا.

أمام هذا الواقع، ومع تدني في الرواتب والمداخيل للمواطنين في لبنان بات من الجلي تراجع التفكير لدى الشركاء في الإقدام على الإنجاب. وباتت العملية الجنسية ذات كلفة مرتفعة في حال أراد الشريكين تحصين أنفسهما وصارت الخيارات جد ضيقة.

وفي هذا السياق، قال طبيب أمراض النساء في مستشفى رزق، الدكتور زكي سليمان "كنا نعطي وصفات طبية للمرضى ولكن عندما وصلوا إلى الصيدليات لم يجدوا شيئًا"، وأضاف "حبوب منع الحمل الجديدة التي لم نسمع عنها من قبل تسمى Diva كانت الشيء الوحيد المتاح في السوق، لذلك بدأ الجميع في تناولها"، بحسب ما أورد موقع النسخة الإنجليزية من صحيفة العربي الجديد.

وتابع حديثه بالقول "عندما رفعوا الدعم زادت الأسعار، وما هو متوفر الآن يبلغ 10 أضعاف سعره من قبل، فكل شيء في البلاد أصبح مسعرًا بالدولار الأمريكي". لذا فإن المنتج الذي كان سعره 10 دولارات منذ عامين، أي ما يعادل 15 ألف ليرة لبنانية، أصبح سعره اليوم حوالي 225 ألف ليرة، بعد انهيار قيمة العملة الوطنية أمام الدولار بمستويات كارثية.

الواقي الذكري يعتبر من أغلى أصناف موانع الحمل في لبنان، وسعره مرتفع للغاية رغم تدني جودة الأصناف المتوفرة في السوق

ويشير سليمان إلى أن الواقي الذكري يعتبر من أغلى أصناف موانع الحمل، وسعره مرتفع للغاية. وكما لاحظ أن العديد من مرضاه يتحولون إلى جهاز اللولب الذي يوضع داخل الرحم لمنع الحمل. ويعزو سليمان السبب في هذا التحول إلى أن اللولب "سعره أرخص ويستخدم على مدى فترة زمنية أطول من استخدام حبوب منع الحمل أو الواقي الذكري، حيث أنه حل مستدام يستخدم لمرة واحدة لمدة خمس سنوات أو أكثر". ويذكر أن كلفة اللولب تبلغ ما بين 200 دولار أمريكي و 400 دولار أمريكي، مما يضع الشركاء الجنسيين أمام التفكير في البدائل الأنسب والأقل تكلفة على المدى الطويل من أجل ضمان الحماية لصحتهم الإنجابية.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

تقدير موقف: أزمة العلاقات اللبنانية-السعودية.. خلفياتها وآفاق حلّها

حكم فرنسي بالسجن 15 عامًا على الأب اللبناني منصور لبكي بتهم الاعتداء الجنسي