11-نوفمبر-2020

لوحة لـ بيت موندريان/ أمريكا

هناك نوع من البط يُسمى طائر التم لكنهُ معروف أيضًا بالبط العراقي. يُعرف عن هذا البط بأنّه، وقبل أن يموت، يطير عاليًا في السماء، وبينما هو يصعدُ في طيرانه يصدر صوتًا غايةً في العذوبة، كما لو كانت تلك أغنيته الأخيرة والمهمة، ثم يسقط ميتًا من شاهق! هل تلك خرافة أم حقيقة؟ لكنها ممكنة.

كتب أنطون تشيخوف قصة بعنوان "طائر التم".

في ليلية صيفية تصلُ الكآبة أوجها في نفس الرسام فنسنت فان كوخ ثم تستمر في اليوم التالي، عندها يرسم لوحته "ليلة النجوم"، يرسمها في النهار على غير عادته مستحضرًا تفاصيل كثيرة من ذاكرته، تاركًا لخيالة أن ينطلق حرًا في الأعالي. صارت اللوحة واحدةٌ من أروع وأهم أعماله.

يصدر  طائر التم صوتًا غايةً في العذوبة كما لو كانت تلك أغنيته الأخيرة والمهمة، ثم يسقط ميتًا من شاهق

في 27 تموز/يوليو من 1890، يطلق النار على نفسه، بعد ثلاثة أيام وقبل أن يموت، يمسك بيد شقيقه ثيو ويقول له: "الحزن يدوم إلى الأبد".

اقرأ/ي أيضًا: العنف في الأدب الإنساني

في قصة "الورقة الأخيرة" للكاتب الأمريكي أو هنري، ثمة فتاتان رسامتان تعيشان في نزل من ثلاثة طوابق، مرضت جونسي مرضًا شديدًا، وهو المرض الذي يخطف الأرواح في تلك البقاع التي يكون شتاؤها ثلجيًّا، إنه مرض "ذات الرئة"، وكانت صديقتها سُو قلقة عليها، سيّما بعد أن سمعت وبشكل مباشر من الطبيب أنّ جونسي إذا لم تساعد نفسها وتكون قوية في مواجهة المرض فإنها ستموت.

كانت سو يائسة، ولاحظت وهي تدخل الغرفة أن جونسي بمعنويات متدنية، وسمعتها تقول: اثنتا عشرة، إحدى عشرة، عشر.. كانت تعدّ أوراق ما تبقى من غصن شجرة اللباب معلّقة على الجدار المقابل للنافذة، وتعتقد بيقين ثابت أنها ستموت حالما تسقط الورقة الأخيرة.

وفي لحظة يأس، تقابل سو العجوز الرسام بيرمان، وتخبره بوضع جونسي. بيرمان يسكن الطابق الأرضي، وهو فنان فاشل، منذ أربعين عامًا يقول إنه لم يرسم بعد رائعته المنتظرة، ومنذ خمسة وعشرين عامًا لا يزال حامل اللوحات في غرفته يحمل قماشة بيضاء لم تمسسها ريشة.

يدخل هو وسو غرفة المريضة، يعتقد بيرمان أنه مسؤول عن حياة الفتاتين، قبل ذلك، ومن فرط خوفها على صديقتها، أغلقت سو النافذة وأسدلت الستارة، كانت جونسي تعتقد أنها ستموت في الصباح لأن السماء كانت ممطرةً وعاصفة ولا بد أن الورقة الاخيرة لشجرة اللباب قد سقطت.

في الصباح استيقظت جونسي وطلبت بشكل آمر وحازم أن تفتح سو النافذة، امتثلت سو لأمر صديقتها المريضة، ولدهشتهما وجدتا أن الورقة لم تسقط، وأنها كانت ثابتة على الرغم من الرياح العاصفة والأمطار الثلجية، لكن جونسي رأت أن تنتظر إلى المساء.

تحكي قصة "الورقة الأخيرة" للكاتب الأمريكي أو هنري قصة الموت والإبداع من زاوية شديدة الحساسية

وجاء المساء والورقة الأخيرة باقية بقوة ومعلّقة بثبات، في صباح اليوم الثاني استيقظت جونسي لترى إن كانت الورقة ما زالت معلّقة في غصنها، وبفرح غامر رأت الورقة باقية، عندها طلبت من صديقتها أن تعدّ لها حساء، لقد عادت لها الحياة

اقرأ/ي أيضًا: رواية "روساريو".. هل أنا فعلًا أنا أم ما صنعه الآخرون؟

لكن الطبيب يخبرهما أن شخصًا في الطابق الأرضي مات بسبب التهاب الرئة، الغريب أنهم وجدوه بثياب مبتلة وكان معه سلّم ومصباح بقي مضاءً ولا أحد يعلم أين قضّى ليلته تلك التي جاء فيها مبتلًا ومريضًا.

كان بيرمان وببطولة وإيثار كبيرين قد رسم لوحته التي انتظرها أربعين عامًا والتي مات على إثرها وأحيا نفسًا أخرى. أليس بيرمان شبيهًا في غنائه بالبط العراقي؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

أمبرتو إيكو: الحروب المقدسة.. بين الانفعال والعقل

فرانك أوهارا: لمَ لستُ رسّامًا؟