26-يونيو-2018

إيلاهي راهرونيا

إيلاهي راهرونيا كاتبة وفنانة بصرية ومخرجة سينمائية من إيران. من أعمالها رواية بعنوان: "ملك الزهرة الصَّفراء"، ومجموعة شعرية بعنوان: "الإعلان عن بيع الحصان التركماني". أعمالها البصرية تندرج في مجال الفن المفاهيمي. تقيم حاليًا في النروج.


إلى فتيات شارع الثَّورة

لا أعرف فيما إذا كان شارعًا أم مفترق طرق. كان شديد الازدحام لدرجة أنه كان من الصَّعب رؤية ما هو حولك. أتت موجات اللون من الجهات كثيفةً ورحيبة، حتى أنه كان ينبغي عليك دفعها جانبًا بكلتا يديك كي تتمكن من التقدم. تذكرت العبور بأسراب الأسماك الملونة في المياه الدافئة. جاءت الفراشات من كل صوب بالعشرات. عشرات بألوان الأصفر والزهري والبرتقالي والأرجواني من فراشات كانت معلَّقة في الفضاء بدلًا من الهواء، كما لو أنه كان حفلًا لطهو الفراشات. كما لو أنه كان يوجد عدد هائل من القدور الكبيرة ملأى بالفراشات على سطح كل منزل، طهيت وأطلقت في الهواء مرارًا وتكرارًا.

لم يكن السَّير يسيرًا، لذا فكرت أنه من الأفضل أن أطير. أطبقت ساقي وفتحت جناحي ولحقت بالفراشات. كنتَ أنت تقف في الجهة الأخرى من السَّاحة واضعًا يدك في جيبك. طويل القامة، بجسارة تزهو بصدرك الثخين، وبإيماءة من رأسك تطلب مني موافاتك. جئتُ إليك، جلست على كتفك مثلما اتَّخذ ببغاء جارتي من كتفها مجلسًا له.

سألتَ: "جائعة؟"

أجبتُ: "جائعة وعطشى على حد سواء".

سألت: "نبيذ أم رحيق؟"

أجبت: "كلاهما، إن لم يكن من إزعاج".

ابتسمتَ تعرض شفتيك كما لو في تقدمة، وشربت كلًا من النبيذ والرحيق حدَّ الارتواء. عندما حلَّ الليل وضعتني في جيب صدرك، تسلقتَ شجرة هائلة ونمنا على غصن رحيب تحت ضوء القمر. في الصَّباح عندما استيقظنا، لم يكن هناك شيء، لا مدينة، ولا فراشة، لا شيء. كنت أنتَ فقط، شجرة وصحراء مترامية الأطراف وأنا. شعرنا بالخوف، أنا وأنت على حدٍّ سواء، نظرنا إلى الشَّجرة، على الأقل كانت تفوقك وتفوقني عمرًا وعرفت الأسرار غير المكتوبة خيرًا من كلٍّ منا. لكن صمت الشَّجرة وعنقًا ملويًا أخبرنا أن السير في درب لا نهاية لها مقدر لنا.

بدأنا السَّير، قدمك على الأرض وقدمي في الهواء، مضينا وواصلنا المضي وزاد عطشنا عطشًا. كانت شفتاك متيبستين من العطش ولم يكن هناك من نبيذ أو رحيق. ووجدنا أن في مواصلة السير أملًا أكبر مما هو في الإقامة، لذا تابعنا مع أن جسدينا المتعبين كانا يفتقران إلى الحياة. إلى أن انهرتَ ورفرفتُ فوق جسدك المنهك والثِّقيل، في حين كان ذلك السُّؤال الشاسع والمتكرر يتنقَّل بين يدي ويديك مثل ليل ونهار.

"أين ذهبت الفراشات؟ ولماذا؟" وكنت أصفق بجسدي عند كتفيك لأمنعك من أن تتردى نحو موت هاجع.

أربعة عشر قرنًا مرت ولا أزال أرفرف فوق كتفيك راجية أن تستيقظ مجددًا، أزيل الغبار الثقيل عن ملابسك رويدًا رويدًا بجناحي الصَّغيرين... إلى أن سقطت ذات يوم فراشة على الأرض من غيمة، ثم أخرى وأخرى... وبدأ ينهمر وابل الفراشات كالمطر. واكتسى جسدك بالفراشات. ذهبنا جميعًا إلى مخبأها الخفي تحت الأرض، ووجد كل واحد منا بتلة أو ورقة ليحمل قطرات الندى ويصبها قطرة قطرة في فمك الجاف ليوقظك. عبرنا أربعين سنة واحدة تغدو وأخرى تروح، أربعين مرة فارقنا الحياة ثم بعثنا من جديد باحثين عن النَّدى، في أربعين بحر وأربعين جبل وأربعين حقل إلى أن في نهاية السنة الأربعين انفجرت بالضَّحك وانبثق نبع فوَّار من النبيذ والرحيق من أسنانك البيضاء. تجمَّعت الفراشات تحت ذلك الغدق العذب وأنا التي كنت منهكة بشدة، أخرجت وسادتي من جيب صدرك، فرشتها على كتفك بهدوء وخلدت إلى النَّوم.

 

اقرأ/ي أيضًا:

أغنية أفريقية

أوكتافيو باث: جسدكِ أثر على جسدك