09-ديسمبر-2015

محمد سعد الكتاتني في المحكمة

نُشرت صور من محاكمة بعض رجال النظام السابق، وبعض النشطاء في القضية المعروفة إعلاميًا "بإهانة السلطة القضائية"، من ضمن هؤلاء الذين نُشرت صورهم محمد سعد الكتاتني، رئيس مجلس الشعب السابق والمحامي عصام سلطان وصبحي صالح والناشط علاء عبدالفتاح وغيرهم.

التعاطف مع المظلوم والوقوف في صفه ضد الظالمين لا يعني أبدًا موافقتنا على ماضيه المُظلم

أول ما لفت نظري ونظر الكثيرين غيري هو تغير الشكل والمظهر الخارجي للمحبوسين، ولا أتحدث عن مظاهر البؤس والحزن التي تشع من الوجوه نتيجة الحبس الظالم المُظلم الكئيب، ولكني أتحدث عن مظاهر بدنية جلية متمثلة في فقدان الوزن، وظهور التجاعيد على وجوههم بكثرة، والشعر الأبيض يشتعل في رؤوسهم معلنًا عن المشيب، هؤلاء المساجين لو نظرت في عيونهم لشعرت بمرور عشرين عامًا على حبسهم، وستحتاج إلى بضع ثوانِ حتى تتعرف عليهم ولن تصدق ما آلوا إليه.

تنص المادة 5 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على "ألا يعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة". لا أعلم تحديدًا ما حدث لهؤلاء، فلم أكن معهم في حبسهم وليس لدي مخبر سري أو عفريت يأتي لي بالأخبار من الداخل، كما أنني لست جيدًا في التكهنات، ولكن يكفيني النظر في عيونهم لأتأكد من بشاعة ما عانوه، فكل تجعيدة في وجوههم تخبر عن انتهاك للجسد أو الفكر أو الرأي أو الكرامة، كل نظرة توسل ورجاء تخبرنا عن كافة الانتهاكات للمادة رقم 5 من الإعلان. 

لي صديق غير مؤمن بالأديان، حُكم عليه بالسجن في محاكمة عسكرية اتهم فيها بالانتماء لجماعة إرهابية وغيرها من التهم المحفوظة، هذا الصديق يخبرني بوضعه في زنزانة واحدة مع الجهاديين حيث يجبرونه على الصوم والصلاة والذكر وقراءة القرآن، ويوقظونه ليلًا لقيام الليل، هذا الصديق رضي بالحبس وأقصى ما تمناه عندما كان يحادثني أن يُنقل إلى زنزانة أخرى مع سجناء آخرين، لا يجبرونه على فعل ما لا يؤمن به ولا يضربونه إذا رفض.

التعاطف مع المظلوم والوقوف في صفه ضد الظالمين لا يعني أبدًا موافقتنا على ماضيه المُظلم أو مواقفه المخزية، الخلافات السياسية شيء والمواقف الإنسانية شيء آخر، لن أقتلك بسبب اختلافك معي أو بسبب إدارتك للبلاد بشكل سيئ، أو حتى لأنك قمت بتخويني أو تكفيري يومًا ما.

في المعتقلات، يتفننون في قتل النفس البشرية وإبقائها على قيد الحياة في الوقت ذاته

القتلة لا يفهمون ذلك أبدًا، هم لا يفهمون لغة الحوار، لغتهم الوحيدة التي يفهمونها هي لغة القتل والجريمة، تقع تحت قبضتهم فيحلفون ألا يتركوك إلا وأنت جثة هامدة: ليس شرطًا أن تخرج جثة هامدة بالمعنى الحرفي، ولكن التجربة ذاتها كفيلة بقتل الإنسان في داخلك. من يدخل السجن أو المعتقل مرة لن يخرج مثلما كان، إنهم يقتلونهم أحياء، فحتى وإن خرجوا، فقد انتهوا بالكامل، لقد كسروهم واستنفذوا كل الطاقة بداخلهم، أخذوا من عمرهم أكثر مما حُكم عليهم بأضعاف مضاعفة، اليوم في الداخل يساوي سنة خارجه، إنهم يتفننون في قتل النفس البشرية وإبقائها على قيد الحياة في الوقت ذاته، الموت البطيء المقنن هو أسلوبهم في الحياة. أولًا يكسرونك ثم يقضون تمامًا على كرامتك، ثم يأخذون من عمرك شيئًا فشيئًا، وإن كُتب لك الخروج إلى النور في يوم من الأيام، فصدقني لن تكون أنت.

عُهر السلطة وفجرها المنفرد أجبرنا أن نتعاطف مع من تشاجرنا معهم كثيرًا ووقفنا ضدهم في الماضي، سنظل ندافع عن القيم الإنسانية الثابتة أيًا كان الواقع تحت وطأتها، لن ننظر إلى الأسماء ونصنف المظلومين إلى فئات تستحق التعاطف والدفاع وفئات تستحق الشماتة، سنظل ضد انتهاكات السلطة الحاكمة بأشكالها وأسمائها المختلفة، سنظل مع الحق ما دامت السلطة مع الباطل. 

هؤلاء العسكر يحاسبون الإخوان على فاتورة ستين عامًا وأكثر من الفساد والظلم والسرقة، ستون عامًا حكم خلالها العسكر يدفع حسابها الإخوان نتيجة حكمهم عامًا واحدًا، ولمن يدفعون الحساب؟ للعسكر ذاتهم! هل يتساوى عام من الفساد مع ستين عامًا؟ مالكم كيف تحكمون؟

اقرأ/ي أيضًا:

معتقلو مصر.. بركان على وشك الانفجار

عند أسوار الاتحادية