08-ديسمبر-2015

لم يكن المعماري البلجيكي إرنست جاسبار يعلم أن فندق جراند أوتيل الذي قام بتصميمه سيتحول في التاريخ المصري الحديث إلى قصر الاتحادية الرئاسي

لم يكن المعماري البلجيكي إرنست جاسبار يعلم أن فندق جراند أوتيل الذي قام بتصميمه سيتحول في التاريخ المصري الحديث إلى قصر الاتحادية الرئاسي، ويتم محاصرته بواسطة الجماهير مرتين، أثناء ثورة "25 يناير" للتخلص من حكم مبارك "المخلوع"، وضد الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس "المعزول" محمد مرسي، لتحاصر الجماهير القصر في الرابع من كانون الأول/ديسمبر 2012، ثم تندلع أحداث الاتحادية الشهيرة في اليوم الثاني.

أحداث الاتحادية مرحلة حاسمة شهدت تطورات سلبية في مسيرة الحراك الثوري المصري

مع مرور الذكرى الثالثة لتلك الأحداث البشعة، توجد تفاصيل وذكريات عديدة لم تكتب على الرغم من أهمية توثيقها كجزء من مرحلة حاسمة شهدت تطورات سلبية في مسيرة الحراك الثوري المصري. كان من نتائج الإعلان الدستوري انقسام المشهد السياسي إلى خندقين، خندق "التمكين" الذي يضم جماعة الإخوان وحلفاءها، وخندق "التسخين" الذي يتكون من جبهة الإنقاذ وعدد من النخب السياسية والإعلامية (منهم من كان محسوبًا على العهد المباركي)، خندق التمكين كان يعتقد أنه أمام فرصة تاريخية للاستيلاء المطلق على السلطة، وخندق التسخين الذي يجيد التحدث بالشعارات الرنانة والمزايدة على الجميع من أجل المزيد من التربح السياسي حتى لو كان هذا التربح عن طريق التلاعب بمستقبل الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة.

يقول ليون تروتسكي: "ضرورة حفاظ الثوريين على هويتهم السياسية المستقلة داخل الجبهة المتحدة، والتأكيد على حقهم في انتقاد شركائهم في هذا التحالف بكل حرية". في الثامن والعشرين من شباط/فبراير 2012، يبدأ الاعتصام في ميدان التحرير لإسقاط الإعلان الدستوري، وتحدث مناوشات بين شباب "القوى الثورية" وشخصيات تابعة لأحزاب محسوبة على العهد المباركي بسبب مشاركتهم في الاعتصام، ويحاول الشباب تكسير خيامهم ومنعهم من التواجد في الاعتصام، لكن تنتهي المناوشات دون انتصار لطرف على آخر. 

عدد من المعتصمين لم يكن لهم أدنى علاقة بثورة "25 يناير" والأحداث الثورية التي تلتها. معتصمو أحد الأحزاب التي أسسها ملياردير شهير عند التعامل معهم تشعر أنهم مجرد شخصيات دُفع لها المال من أجل أن يشاركوا في الاعتصام ويرفعوا لافتات الحزب. 

داخل الاعتصام الشائعات كانت مستمرة عن تخطيط الإخوان لفض الاعتصام، لتكون تلك الشائعات ذريعة لتواجد المال السياسي وإدخال السلاح الأبيض والصواعق الكهربائية والخرطوش، مع بداية شهر كانون الأول/ديسمبر أحد أعضاء "حركة شباب ماسبيرو" قال لي إن عددًا من عناصر الحركة سيغادرون الاعتصام بسبب أزمة مالية لديهم، فتحدثت إلى أحد قيادات الأحزاب اليسارية وطلبت منه التبرع بمبلغ مالي لكي ندعمهم، وطلبت من عضو الحركة ألَّا يغادر الميدان هو وزملاؤه بسبب عائق مالي!

 خلف كل تحرك جماهيري ضخم توجد مؤامرة تحاول الانقضاض على مكتسبات هذا التحرك

التصعيد الإعلامي يستمر بين خندق التمكين والتسخين، ومن كانوا يحسبون حتى تاريخ قريب ضمن طليعة المدافعين عن قيم الحوار والتعددية والحرية من أجل مجتمع عادل ومزدهر خذلوا كل هذه المبادئ.

الثلاثاء الرابع من كانون الأول/ديسمبر 2012، مسيرات تضم الآلاف بمحيط قصر الاتحادية. يمر اليوم دون وقوع أي أحداث عنف في حالة تمسك تام بالسلمية، في نفس اليوم يروي شاهد أن حمدين صباحي سأل: "هو موقف المجلس العسكري إيه؟". رغم وجود حالة تعبئة جماهيرية في الشوارع إلا أن جبهة الإنقاذ كانت غير قادرة على التعامل معها وقياداتها، وكأن الهدف الأساسي لقيادات جبهة الإنقاذ كان الوصول إلى صفقة ما.

الأربعاء كانون الأول/ديسمبر، تنتشر الأخبار منذ الصباح عن تحرك عناصر الإخوان لفض الاعتصام الذي تم عند قصر الاتحادية، أقوم بصياغة بيان "اتحاد الشباب الاشتراكي المصري" لنستنكر حشد جماعة الإخوان عناصرها للتظاهر أمام الاتحادية على الرغم من علمها باعتصام عدد من المتظاهرين منذ الأمس، ووصفنا ذلك بأنه تكرار لسيناريو موقعة "الجمل"، وتضمن البيان رفض أي أعمال عنف أو اعتداءات على منشآت الدولة أو محاولات اقتحام القصر الجمهوري، وأن السلمية قوة لا ضعف.

يحدث ما كان متوقعًا، فالسلطة وداعموها لن يتركوا حركة الجماهير دون التعرض لها، ولا يمكن تخيل الجماهير ستفعل ما تريد دون أن تدفع الثمن. جماعة الإخوان تنكل وتعذب وتقتل مناهضيها، والطرف الآخر يتواجد بين صفوفه عناصر تحمل السلاح والخرطوش وعناصر لها بعد طائفي، ودعم من بعض رجال الأعمال وشركائهم من أعضاء الحزب الوطني المنحل، في مشهد لا يعرف وجود لدولة القانون وفي غياب تام لكل المؤسسات الأمنية في موقف يثير الاستغراب والريبة، ليختتم مشهد الأحداث الدموية البشعة بسقوط عدد من الشهداء وكثير من المصابين.

في النهاية، خلف كل تحرك جماهيري ضخم توجد مؤامرة تحاول الانقضاض على مكتسبات هذا التحرك، لتصل إلى أهدافها الخاصة، خصوصًا أن الثورة المضادة خلقت أشكالًا وأنماطًا جديدة تستخدمها في تحقيق مصلحتها الرئيسية. يشرح أنطونيو غرامشي أن إهمال الحركات المسماة بالعفوية، أي الفشل في إعطاء تلك الحركات قيادة واعية وإدماجها في السياسة عادة ما يكون له عواقب وخيمة جدًا، وهذا ما حدث بالفعل في تلك الفترة وما بعدها.

اقرأ/ي أيضًا:

أحزاب وتكاتك

مصر.. صراع الداخل والخارج