17-أغسطس-2016

هند المنصور/ السعودية

اجتمع مرةً في بيت صديقي العديد من الوجهاء والأشخاص الذين تشهد لهم الحارة والحي بالوجاهة وحسن السيرة والحديث، وبعد تبادل السير وتناقل الأخبار أزف موعد صلاة العشاء، فقام أكبر القوم ليصلي بالجماعة الحاضرين، غير أن شابًا يافعًا كان يدرس في الجامعة العلوم الشرعية وقف مع من وقفوا فاقترح الجميع عليه أن يؤم الناس، فتقدمهم محرجًا، وبعد أن قرأ الفاتحة وأمّن، اختار سورة "الفتح" ليتلوها جهرًا، فقال: "إذا جاء.. إذا جاء.. إذا جاء.." ونسي بقية السورة، وكان من المعهود في مثل هذه الحالة أن يذكره أحد المصلين بتتمة الآية ليكمل، غير أن أحدهم وبدلًا أن يذكره قال: "إي وإذا ما جاء؟ شو منوقف للصبح؟". وضحك كل المصلين وأعادوا صلاتهم.

أليس الضحك يشفي الروح؟ هل يشك أحد بأن الله العظيم يريد لعباده السعادة؟! 

تحضرني هذه القصة الطريفة، حين أقرأ الكثير من التعليقات الجائرة التي تحرم علينا الضحك، وشم العطور، وسماع الموسيقى، والسلام على أجنبي وتهنئته بعيد، وتحرم علينا أيضًا أن نفكر بأن الإسلام دين يسر لا دين عسر كما سمعنا وعرفنا ودرسنا، وتكلف نفوسنا بما لاطاقة لنا به، كل ذلك لاعتبارات لا تمت للأخلاق النبيلة بصلة، الأخلاق التي بعث نبي الإسلام ليتممها.

اقرأ/ي أيضًا: خاثينتو بينافينتي.. البرجوازي القِلق

قوطعت الصلاة بضحكات من القلب، أليس الضحك يشفي الروح؟ هل يشك أحد بأن الله العظيم يريد لعباده السعادة؟! هذا ما كانت عليه الحال غالبًا، حين كان ينبذ المتشدد ويستثقل ظله، حين كان الجميع يدركون علمًا وفطرة بأن التدين لا يعني جلد الذات ولا تحريم الحلال ولا تكفير الغير أو تذنيبهم، حين كان المتدين يقرأ ما تيسر له من الذكر لنستهل أعمالنا وأشغالنا، لنبارك أوقاتنا، لا لكي يمتحن إيمان غيره ويعلن وصايته الشرعية على أسلوب حياته وطريقة تفكيره.

تسألني صديقة تكتب الشعر، متفاجئة، ماذا جرى يا صديقي؟ لقد هاجموني بشدة لأن قصيدة لي ترجمت إلى لغة أجنبية في الدولة التي لجأت لها؟ فأي حرام وأية جريمة ارتكبت، قصيدتي تتحدث عن الجمال وعن الحب، فهل حرّموا الحب والجمال، أليس الله جميل يحب الجمال؟ هل حرموا علي أيضًا الكلام لأنني فتاة، أم أن الشعر كله محرم؟ هل الخنساء إلا شاعرة؟ من أفتى بذلك؟ أليس حسان بن ثابت شاعر الرسول؟ وهل يقبل النبي التجاوزات؟ هل سأجلد أو أعاقب بالنفي داخل المنفى لأنني أسأل؟

أنا إنسان الخوف العربي، الذي يخاف من الحاكم ومن المحكومين، من المثقف ومن الجاهلين

اقرأ/ي أيضًا: لينة عطفة.. لهب في جوف شجرة البطم

وأحار يا صديقتي في الأجوبة، فليس لدي من الجلد ما يكفي كي أناقش ما سئمت من مناقشته، لأنني محب للحياة والضحك وعاشق للحرية والانفتاح على الآخر المختلف، مؤمن بضرورة التجريب وضرورة التدريب وضرورة ترويض البشاعة لصالح الجمال، أحب ذلك المدعو أبا ذر الغفاري الذي يعجب كيف لا يخرج جائع محتجًا ولو بالسيف! ذلك الذي يموت وحيدًا كما تنبأ له الرسول، ذلك الثائر الذي رفض السلطة والتحكم برقاب الناس، فهل كان معاصروه إلا صحابة وتابعين؟ فمن سيزيدهم إذًا قربًا للرسول وفهمًا لتعاليم دينه، أحار يا صديقتي بم أجيبك وأنا إنسان الخوف العربي، الذي يخاف من الحاكم ومن المحكومين، من المثقف ومن الجاهلين، من العدو وممن يجب أن يتقي شرهم لأنه قد أحسن لهم، إنسان الخوف الذي يلقح مقالاته بعبارات نيتشه كي يتجنب الانتقاد، ويستهل رواياته بالاعتراف بقلة الموهبة خشية الحاسدين، يا صديقتي أنا مثلك يطالبونني بحجاب على قلبي وعلى عقلي وعلى روحي، هم أنفسهم ممن يكرهون الألوان ويعتبرونها تساهلًا وميوعة وتخريبًا لوظيفة العبد الذي خلق ليجلد نفسه ويرهقها كي يستحق المغفرة، أحار يا صديقتي بم أجيبك، ولكنني أعدك بأن أقرأ ما تكتبين. 

قصيدة الصديقة

أحب الخشب وأكره الصليب
أحب الحطب وأكره النار 
أحب منفاي لأنني فيه ولكنني أشتاق للدار 
أحب ذلك المركب الذي يطفو 
وأحب السفينة الغارقة
وأحب وشم القلب مزرقًا على ساعد البحار.

اقرأ/ي أيضًا:

بسمة شيخو... مبادئ تصميم رياض الأطفال

نجم الدين سيدي عثمان.. كتاب لأفريقيا المغيّبة