08-أبريل-2018

بيت دمشقي

سأقبس من حب الحياة نارًا لأضيء على نصٍ أبطاله صنّاع حياة وصنيعة حب، حكاية من رغد الكلام جاءت رغبة في حديث سمعه القلب من داخل الرواية من دمشق إلى عنوان الرواية "حيث لا دمشق هنا" للكاتبة السورية رغدة حسن.

رحلة تأخذك في ملامح وجهها تلك الرواية، فترمي أسئلة في مجازها تخفي الحكاية، لمن يشعرون، "فهل فقدت الأرض جاذبيتها؟". 

قصة أم قصيدة؟ رواية أم شعر؟ تلك الحيرة لا فكاك منها مع رواية "حيث لا دمشق هنا"

يتقلب نبضك في حكايتها، فتفترش مخيلتك أرضًا وذاتك شخصًا ونبضك حبكةً بين الرتابة والجنون. أبطالها صُنعوا على عينِ الألم فصاروا أجمل، لتقول لكاتبة النص صدقت: "يا لبراعة الألم".

اقرأ/ي أيضًا: رواية "بيت حُدُد".. سوريا الهاربة والمهرَّبة

قصة أم قصيدة هي، رواية أم شعر هو، هكذا تراوح مكانك إن أردت تصنيفهم، وهذا ما ليس من رغبة القلم، إنما يريد منك بضع شعور وعقل متمرس في التنقيب عن الفرح بين طيات الألم "لأني وعدت نافذة السماء، بأني سأقرأ عليك فاتحة الشوق، حين تتخلص روحي من عكازيها".

وأنا في كلامي أعدك بأنني أقتبس من ياسمين الرواية دمشق من الحروف لأعبر عن نص أسكنني فيه وأشهدني كيف يوقف الحرف عقارب الساعة وجري الثواني بين مطلع النص ومنتهاه، لتقرأ نصًا لا يأخذ من وقتك طويلًا إنما يعيش في روحك أبدًا.

من بحر لأوديسا التاريخ ولاذقية الحاضر جاؤوا، فينيقا قديمًا، وعلى بحار العالم وشُح الماء في الزنازين تنتقل الحكاية، لتروي قصة عن بحارين، مراكبهم من ثورة وتمرد وبحارهم شوق وعلم، عن أساطير لخصوا معنى السوري وحقيقته في جروح الجسد وفي تجاعيد البسمةِ، مباسم ُتفيض عطراً ستشمه، هذا ما أؤكده، فأقرأ: "ولأن الموت وفيّ للعنته ووحدته، كان عليّ أن أؤجل وجودك في سرد حكاياتي إلى ما بعد موتي أنا لم أكن شجرة، لكن حين ينهمر المطر، كنت أتقمص عطش الشجر. تلك الشجرة في قصيدتك، التي منحَتني ظلها، وصار صوتي أخضر. ليتك تعلم الآن، بأني.. قبل أن أصلّي صلاة العشق، أتيمم بالموسيقا، لأسافر إلى البلاد فيك، فأنا حين أحبك أخفف من انتشار أمية هذا العالم العميقة بالحب".

نعم هكذا تقرأ نصًا لا مكان للجسد فيه بل أبطال من حب وماء، وللماء أوعية تسمى رواية تروي عطش البيوتات ومساكن القلب. أبطال الرواية لا مكان للشهوة في حكايتهم، بل قصة عقل يتردد بين الحق والحقيقة، بين الفرح والألم بل همُ منهمُ صُنعوا.

تروي رغدة حسن حكايتها الخليط بفرح الحضارة وألم الحاضر، إنه نص كُتب لنُحسه لا لنَحكيه

رجال من عذارى ونساء يرضعن الحب فيعتصر حليبًا ترشفه إناثٌ يختصن الأنوثة الطاهرة في وجه الجلاد، جلاد الحب وجلاد الحرب، وما كلامي إلا مقدمة قد لا تليق بعبقرية اللغة، وسطوة الحرف حين يصاغ من رغدٍ فتقرأ: "أقاتل لأجل عالم بلا حدود، وسأظل أدافع عن بلاد خطفتها أساطير خرافة الأبد وشبق الساسة. أكتب على وجه البحر.. الحرية لها.. الحرية لنا. أطالب النوارس أن ينشدوا معي لأن قومي لا وقت لديهم للأناشيد، فما زالوا في مهرجان القرابين يتنافسون على رقصة الدم، كم خارطة سيبتدعون بعد؟ قبورنا في صدورنا، لكننا سنواصل، لأن مسّاً من السنديان وشقائق النعمان قد أصابنا. كان كل شيء مستعدًا ليصبح منفى جديد بفعل جريمتنا الكبرى أننا نضجنا مبكرًا جدًا. نحن الحالمون حتى الثمالة جمعتنا شيفرة الحياة، لننتقم من الموت بالحب".

اقرأ/ي أيضًا: 5 من أبرز الروايات النسائية العربية

وفي الختام، هذا حرف من المنفى أقوله، ومن سوريا تكتبه مجاهدة بين السجون من تحت الأرض وفوقها، هاربة من جدران الزنازين إلى جدران الحدود ومن جلادي الحرب إلى جلادي الحرية، نعم إنها سوريا وابنتها رغدة حسن تروي حكايتها الخليط بفرح الحضارة وألم الحاضر، هكذا هو الأدب حين يُكتب لنُحسه لا لنَحكيه، لنشعره فنعقله لا لنسمعه فنرويه.

 

اقرأ/ي أيضًا:

أصل العالم.. رجل قتلته امرأة نصف عارية

5 روايات سورية من إصدارات 2017