07-أغسطس-2015

رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام (Getty)

ليس مزحة الخبر الذي أذاعته وسائل إعلام لبنانية كثيرة عن انعقاد جلسة حوار سادسة عشر بين "حزب الله" وتيار "المستقبل"، "ناقشت مقترحات للخروج من الأزمة السياسية والملفات الحياتية". الخبر جدّي، وجلسة الحوار السادسة عشر انعقدت فعلًا بين "المستقبل" و"حزب الله"، وقد خرج الخبر في وقت تغرق فيه البلاد بنفاياتها، وقطيع الظلام يتقدم، ويقوده وزير للطاقة والمياه، الذي صرّح لصحيفة محلية بالقول "من أين آتيكم بالكهرباء؟ من بيت أبي؟".

وزير الكهرباء اللبناني: من أين آتيكم بالكهرباء؟ من بيت أبي؟

وزير الطاقة ليس من "حزب الله" ولا من "المستقبل". ولا يدخل في سياق الحوار بين الطرفين. هو وزير تابع لتكتل التغيير والإصلاح، الذي يرأسه الجنرال ميشال عون، المتحالف مع "حزب الله". وهذه معلومات لا يعرفها معظم اللبنانيين، عندما يتعلق الأمر بطبيعة سياسية هلامية. وفي جميع الحالات، هذه التكتلات والتحالفات لا تعني شيئًا في بلاد، مهما اختلفت فيها التحالفات، تبقى السلطة السياسية بأطيافها وطوائفها في مواجهة مطالب الناس. هذا خطاب شائع بين اللبنانيين اليوم، ولكنه ما زال نقاشًا خافتًا "تحت الطاولة"، وطبعًا، ليست طاولة الحوار.

وما هي مطالب الناس في لبنان اليوم؟

 رفع النفايات من الشوارع، وتأمين الكهرباء بالحد الأدنى. الناس لا تريد القتال، كفى الله الناس شرّ القتال. الناس تريد نسبة تغذية تصل إلى 50%، في الحد الأقصى، تكون أكثر من كافية لإسكات الشعب "الأخرس" أصلًا. هذان هما مطلبا الشعب اللبناني الأبيّ الملحان، والدولة اللبنانية الأبيّة تماطل ناسها، غير قادرة على تأمين هذين المطلبين البسيطين والبديهيين. نحن أمام "لا دولة". "دولة فاشلة"، بالتعريف العلمي.

الدولة معطلة بالكامل، من دون رئيس جمهورية، ومع مجلس نواب ممدد لنفسه، وحكومة على وشك الانفجار، وفلتان أمني لم يسبق له مثيل. ومع ذلك، حتى الآن، لم تندلع ثورة في لبنان. لبنان عصي على الثورات. كل ما حدث إلى حين انعقاد الجلسة كان خروج بعض الناشطين المدنيين بتظاهرات أمام السرايا الحكومية ورشق بعض أكياس القمامة على سيارات المسؤولين، بالإضافة إلى قيام أبناء بلدة برجا في إقليم الخروب، على ساحل لبنان الجنوبي، بقطع الطريق الرئيسية المؤدية إلى الجنوب اللبناني رفضًا لإقامة مطمر للنفايات في منطقتهم. وهذا حق مشروع يجب أن ينهض له جميع اللبنانيين لا أهل برجا، الموالية عرفًا لتيار المستقبل، وحدهم، لكن ثمة اعتقاد شائع هنا، أن اللبنانيين لا يتحركون إلا حين تصل "الموسى" إلى رقبتهم.

لا يعرف الناس إن كان هذان المطلبان الملحان، قد نوقشا على طاولة الحوار رقم 16 بين "المستقبل" و"حزب الله". وهل يعتبر الحزبان المذكوران ملفيّ الكهرباء والنفايات من "الملفات الحياتية"؟ أم أنهما يعتبران جزءًا من الأزمة السياسية على ما صرّح رئيس الحكومة تمام سلام؟ النفايات تتكدس في الشوارع، لا لشيء، سوى لأن الاتفاق السياسي بين الأفرقاء السياسيين غير متوافر بعد. هذه هي حجة رئيس الحكومة لعجزه، وحكومته، عن معالجة أزمة مستفحلة، نتائجها كارثية.

رئيس الحكومة يبحث إمكانية ترحيل النفايات إلى بلدان أوروبية، ما دفع بمواطنين إلى مناشدته ترحيلهم بدل النفايات إلى أوروبا. الكهرباء مقطوعة لأن بيت والد وزير الكهرباء لا يستطيع توليد طاقة كهربائية كافية لجميع اللبنانيين، على ما أكد به الوزير في تصريحه الجميل. أما باقي "الملفات الحياتية" فهي تحت السيطرة، ويتم نقاش مقترحات في شأنها بين ممثلي تيار "المستقبل" و"حزب الله"، في عملية "تدوير" للحوار من دون نتيجة. لا شيء يدعو للقلق حقًا. ولا ينقص للخروج من الأزمة، إلا تصريح صغير لرئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان، يدعو فيه الأفرقاء جميعًا إلى الالتزام بـ"إعلان بعبدا"!