18-سبتمبر-2018

من ثمار العقل المستقيل عن التفكير التفرغ لإصباغ القبيح على المختلف عنه دينيًا وحضاريًا (Getty)

أومن بأنّ للّه معاييره الخاصّة في الاستجابة للأدعية. لكن ماذا لو استجاب لمن دعوه أن يمكّن الأعاصير من تدمير الغربيين؟ فيجعل أراضيهم "قاعًا صفصفًا" بالتّعبير القرآني؟ هل يستطيعون أن ينوبوا عنهم في إعداد العدّة اللّازمة لإنقاذ الكوكب من المذنّبات والنّيازك والكويكبات الصّغيرة المؤهلة لأن تصطدم به، مثلما شاهدوا ذلك في أكثر من فيلم هوليوودي؟

يستمد المسلمون المستقيلون عن التفكير دينهم من مشايخ اعتبروا ما حدث في القدس قضية داخلية تخص إسرائيل وجرموا معظم أوجه المقاومة!

مثلًا، يبدأ الرّاوي في فيلم "Meteor" بهذه العبارات المخيفة: "إنّ قوّتها أكبر من جميع القنابل الهيدروجينية. سرعتها أعلى من أيّ صاروخ على الإطلاق. يمكن لقوّتها أن تحطّم القارّات، ولكتلتها أن تسوّي سلاسل الجبال. لا يمكنها التّفكير. لا يمكنها أن تكون منطقية. لا يمكنها تغيير مسارها".

اقرأ/ي أيضًا: أسئلة الإسلام السياسي

هنا، أذكّر بأنّ هناك يومًا عالميًا للكويكب هو 30 حزيران/يونيو، يناقش فيه علماء الدّنيا واقع التّهديدات، التّي تواجه كوكبنا في المدى القريبب والمتوسّط والبعيد والمفاجئ بين هذا وذاك، والعدّة التي ينبغي على المجموعة البشرية أن تعدّها لذلك. فهل سمع العالم الإسلامي بهذا اليوم؟ وهل ساهم فيه علمًا ومالًا؟ لا أظنّ أنّنا محتاجون إلى عناء كبير لنعرف الإجابة.

أعود إلى السّؤال الخاصّ بمدى استطاعة من يدعو الله بألا يبقي من الغربيين "الكفّار" دَيّارًا، أن يردّوا عن كوكب الأرض التّهديدات المتربّصة به من المجرّات، فأقول إنّهم عاجزون عجزًا يُدركه الأطفال قبل الخبراء. فهم لم يستطيعوا ردّ بلاء زخّاتٍ من المطر عنهم، فكيف ببلاء النّيازك والمذنّبات والكويكبات؟

وستتولّى ذلك دولة أخرى، مثل روسيا وألمانيا واليابان وأمريكا باعثة وكالة ناسا. وهي في تلك الحالة جديرة، باسم المنطق الإسلامي نفسه، بأن تملك الأرض، بما فيها البقعة التي يسكنها المسلمون. لاحظوا أنّ هناك فرقًا بين أن نسكن بقعةً وأن نعمرها. يقول الحديث النّبوي: "الأرض لمن أحياها".

إنّ وقوف أمريكا إلى جانب الاحتلال الإسرائيليّ المتعسّف في حقّ المكان والإنسان الفلسطينيين، واحد من الأسباب التي جعلت هؤلاء يتبنّون هذا الادّعاء. لكن ما يجب ألا نغفله أنّهم هم أنفسهم يستمدّون دينهم من مشايخ اعتبروا ما حدث في القدس مؤخرًا قضية داخلية تخصّ دولة إسرائيل، وجرّموا معظم أوجه المقاومة، وحذفوا الدّعاء بالنّصر لها في خطبهم، ونقلوه إلى أوجه أخرى في بلاد المسلمين.

لا أومن بخطاب وسلوك الحركات الجهادية. ويراودني هذا السّؤال البسيط: ما معنى أنّها تملك فروعًا لها في البلدان الإسلامية مثل أفغانستان وباكستان واليمن ونيجيريا والصّومال والمغرب الكبير، في مقابل غياب تامّ عن فلسطين، حيث لا تحتاج المقاومة إلى من يفتي بجوازها؟

من ثمار العقل  المستقيل عن التفكير أن ينسى تجسيد معاني أسماء الله الحسنى في الأرض، ويتفرغ لإصباغ الأسماء القبيحة على المختلف عنه

من ثمار العقل المسلم المستقيل من التّفكير، أن ينسى أسماء اللّه الحسنى، فلا يسعى إلى تجسيد معانيها السّماوية في الأرض، ويتفرّغ لإصباغ الأسماء القبيحة على المختلف عنه دينيًا وحضاريًا، من قبيل الظّالم والطّاغي والمتعسّف والمتعجرف والمجرم والمعتدي والنّاهب والكافر والمتغطرس والماكر والمارق والنّتن والخنزير ولد الخنزير، حتى يبرّر استعماله للسّلاح الوحيد الذي يملكه: الدّعاء، الذي هو  في هذه الحالة احتكار للّه، ووجه من أوجه العداء للإنسانية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

من أسلمة الحداثة إلى سلفنتها

الجهاديون الجدد.. عدميون غاضبون وضحايا جلادون