15-أبريل-2017

يرتبط أغلب الجهاديين الجدد بملفات جرمية عدلية سابقة (الأناضول)

نشرت صحيفة الغارديان البريطانية مقالًا مطولًا لأوليفير روي، الأستاذ في مركز روبرت شومان للدراسات، حول نقطتين أساسيتين هما تبيان الإطار النفسي الذي نشأ فيه الجيل الجديد من الإرهابيين الشباب في أوروبا، وفكرة الموت العدمية التي يعتبرها أوليفير تطورًا حديثًا في الفكر الجهادي، وتحديدًا عقلية تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الساعي نحو السيطرة المنفردة. التالي هو عرض مختصر دون إخلال لمضمون طرح أوليفير عمّن أسماهم بـ"الجهاديين الجدد".

عدمية الجهاديين الجدد

ثمّة أمر مختلف حول الجهاديين في العقدين الأخيرين، فلطالما كان الجهاد بمفهومه الإرهابي موجودًا لعدة سنوات، بما في ذلك أشكال هذا الإرهاب "المتعولم"، الذي كانت هجماته على أماكن ذات دلالات رمزية كبيرة، أو حتى لاستهداف المدنيين الأبرياء، بغض النظر عن حدود الدولة التي تحيطه. 

كل ذلك يمكن أن نعيده تاريخيًا إلى الحركة الأناركية في أواخر القرن التاسع عشر، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما الجديد الذي جعل هؤلاء يبحثون عن موتهم بهذا الشكل بخاصة خلال العشرين سنة الأخيرة؟ وماذا يخبرنا ذلك عن الأصولية الإسلامية المعاصرة؟ وماذا يخبرنا عن مجتمعاتنا اليوم؟

هناك حقيقة متجاهلة وهي أن المسلمين العاملين في صفوف الشرطة والأمن بفرنسا، أكثر بكثير من المسجلين من الجهاديين

أينما حلت كراهية بهذا العمق، فإنها تستتبع بالضرورة أيضًا شكلًا ثقافيًا غاضبًا وثائرًا على أيقوناته، وهي لا تدمر في طريقها الإنسان، بل التماثيل وأماكن العبادة وحتى الكتب لتحل الإبادة الكاملة مكان الذاكرة، ولطالما كان هذا هدفًا مشتركًا للحرس الأحمر في عهد ماو تسي تونغ، والخمير الحمر ومقاتلي داعش.

جميع الثورات تجتذب طاقة وحماس الشباب، ومعظمها لا يحاول تدمير ما سبقها، فالثورة البلشفية وضعت الماضي في المتاحف بدلًا من تحويله إلى أنقاض، كما لم تحاول جمهورية إيران الإسلامية الثورية أبدًا تفجير برسبوليس التاريخية.

والآن، لا يمكن للخلافة إلا أن تكون خيالًا، إنها بمثابة أسطورة كيانٍ أيديولوجي يُوسّع أراضيه باستمرار، لذا فإنّ استحالتها الإستراتيجية تُفسّر لجوء هؤلاء إلى اختيار تبني فكرتها، إنّهم يختارون الموت، في حين يُمكن العثور على قدر من العقلانية فيما يُعرف بـ"الإرهاب البسيط"، الذي يلحق أضرارًا جسيمة في عدو أقوى بكثير، فهو كفكرة بعيد تمامًا عن الهجمات الانتحارية، وهذا النوع من الإرهاب غالبًا ما يطال أرواح المسلمين أكثر من غيرهم.

أحد عناصر داعش في الرقة (رويترز)

ويكمن جنون الداعشية في الأطر السردية التي تُغلَّف بها طموحات وتطلعات الشباب الذين تجذبهم لها، فهي تجذب المستضعفين والمعرضين للخطر والمتمردين بلا قضية، الذين هم في الغالب لا علاقة لهم بالحركة والنشاط، لكنهم على استعداد إلى إعلان ولائهم لداعش حتى تصبح أعمالهم الانتحارية جزءًا من السرد العالمي.

اقرأ/ي أيضًا: لماذا ينجح داعش في استقطاب الأشخاص العاديين؟

أسلمة التطرف

لا يمكن اختزال صعود داعش في ظهور الأصولية، إذ يجب فهم أن الإرهاب لا ينشأ عن التطرف الإسلامي، وإنما عن أسلمة التطرف، والحجة على ذلك أن التطرف العنيف ليس نتيجةً مُباشرة للتطرف الديني، وإن كان في كثيرٍ من الأحيان يأخذ نفس المسارات ويفترض نفس النماذج.

رغم أن عددًا قليلًا من الجهاديين أعلنوا عن قصص حياتهم الخاصة، ولكن يُمكن رؤية كيف أنهم يتحدثون عما رأوه من معاناة الآخرين، فالذين يرتكبون الهجمات في أوروبا ليسوا من سكان قطاع غزة المحاصر ولا من ليبيا أو أفغانستان، وهم ليسوا بالضرورة أشد الناس فقرًا أو أكثرهم تعرضًا للإهانات، أو أقلهم تأقلمًا.

لا يمكن اختزال صعود داعش في ظهور الأصولية، إذ يجب فهم أن الإرهاب لا ينشأ عن التطرف الإسلامي، وإنما عن أسلمة التطرف

وحتى منتصف التسعينات، جاء معظم الجهاديين الدوليين من الشرق الأوسط وقاتلوا في أفغانستان قبل سقوط النظام الشيوعي هناك في 1992، وبعد ذلك عادوا إلى بلادهم للمشاركة في الجهاد، أو حملوا القضية إلى خارج البلاد.

وهؤلاء كانوا الذين شنّوا الموجة الأولى من الهجمات المعولمة كالمحاولة الأولى لتفجير مركز التجارة العالمي في نيويورك عام 1993، والهجوم على السفارات الأمريكية في شرق أفريقيا عام 1998، وتفجير المدمرة البحرية الأمريكية يو أس أس كول عام 2000. وُجّه هذا الجيل الأوّل من الجهاديين من قبل ابن لادن ورمزي يوسف وخالد الشيخ محمد، ولكن منذ عام 1995 بدأت سلالة جديدة من الجهاديين في الظهور، وخلقت حالة عُرفت غربيًا باسم "الإرهاب المحلي".

من هم الجهاديون الجدد؟ الفرنسيون نموذجًا

عندما يتعلق الأمر بفهم دوافع هؤلاء فلدينا حديثهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي كتويتر وفيسبوك، ودردشات جوجل ومحادثات سكايب ورسائل واتس آب وتيليغرام، واتصالاتهم مع أصدقائهم وشهاداتهم قبل الموت. 

وأظهرت دراسة أعدها معهد باريس للدراسات السياسية عن الجهاديين الفرنسيين الذي لقوا مصرعهم في سوريا، أن هناك أوجه تشابه كثيرة بين هؤلاء، مثل اشتراكهم في التورط بجرائم صغيرة، وتطرفهم في السجون، ومواجهاتهم مع الشرطة.

ومعظم هؤلاء من المسلمين الذي عادوا لممارسة طقوسٍ إسلامية بعد أن عاشوا حياة علمانية. وكثيرون منهم، بخاصة الذين ينفذون عمليات مشتركة، يكونون إخوة أو أصدقاء طفولة أو معارف سجن، وكثير منهم كانوا أيتامًا متمردين على الإهانات والتنازلات المقدمة للمجتمع، أو ما يعتبرونه جهلًا بصحيح الدين، لذا فإن مكانًا كالسجن يجعلهم على اتصال بأقرانهم المتطرفين، الذي يجدون فيهم "العزوة".

اقرأ/ي أيضًا: كيف يجتذب داعش المجرمين السابقين والمسلمين الجدد؟

إذن فالجهادي الجديد النموذجي في أوروبا، هو في العادة مهاجر من الجيل الثاني، وغالبًا ما تورط في سلسلة جرائم صغيرة، مع فقدانه للتعليم الديني العملي، وغالبًا ما يتضمن الخطاب المتداول بين هؤلاء إقصاءً/ تكفيرًا للآخر والأسرة وكل شيء، وهذا ما تعنيه "أسلمة التطرف".

آلاف الأوروبيين انضموا إلى داعش

وثمّة تفسير شعبي بسيط جدًا ينظر إلى الإرهاب على أنه نتيجة للاندماج غير الناجح، دون أن يأخذ في الاعتبار ولو للحظة أن هناك الكثير من المسلمين المتدينين المندمجين جيدًا في مجتمعاتهم الغربية، فعلى سبيل المثال هناك حقيقة متجاهلة وهي أن المسلمين العاملين في صفوف الشرطة والأمن بفرنسا، أكثر بكثير من المسجلين من الجهاديين!

صحيح أنّه من الشائع أن نجد الجهادية امتدادًا للسلفية، وأن يكون التطرف الديني المرحلة الأولى في التطرف السياسي، ولكن مع ذلك تظل الأمور أكثر تعقيدًا من ذلك، كما أوضحنا.

حتى الطوباويون عدميون

لا اطلاع للجهاديين على النصوص الدينية، و70% منهم يعترفون بأن لديهم معرفة بما هو أساسي فقط في الإسلام، لذا فإنّهم متطرفون فقط لكونهم اختاروا ذلك، وليس بسبب الإسلام أو اطلاعهم على نصوصه أو فتاواه.

لذا فحتى الطوباويون من الجهاديين الذين يزعمون أن ذهابهم إلى سوريا للعيش في مجتمع إسلامي مثالي، يعرفون في قرارة أنفسهم أنهم لن يتمكنوا من الاستمرار في العيش بسلام هناك، كما يعرفون جيدًا أنهم غالبًا سيلقون حتفهم، وهو ما يعني أن هؤلاء الطوباويين أشخاصٌ عدميون في جوهرهم، وإن كانت دوافعهم متعلقة بالجزاء السماوي.

70% من الجهاديين يعترفون بأن لديهم معرفة بما هو أساسي فقط في الإسلام، وعليه فإنهم متطرفون فقط لأنهم اختاروا ذلك، وليس بسبب الإسلام    

إذن يُمكن القول إن قوة داعش تكمن في اللعب على مخاوفنا، والخوف الرئيسي هنا هو الخوف من الإسلام، لذا فإن التأثير الإستراتيجي الوحيد للهجمات هو تأثيرها النفسي، إنها لا تُؤثر على القدرات العسكرية الغربية، بل قد تعززها، كما أن تأثيرها الاقتصادي هامشي.

هناك إغراء يدعونا إلى أن نرى في الإسلام أيديولوجية متطرفة تحشد الناس في العالم الإسلامي، تمامًا كما كانت النازية قادرة على حشد قطاعات كبيرة من السكان الألمان. ولكن الواقع هو أن ادعاء داعش السعي لإقامة خلافة عالمية، هو وهمٌ كبير، وهذا هو السبب في أن يستمد التنظيم قوته من الشباب الغاضب الموهوم بالعظمة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الفوهرر أبو بكر البغدادي

الدليل المختصر لفهم إستراتيجية داعش الإعلامية