22-مايو-2019

تصاعد الاهتمام في الفترة الأخيرة بالحرب السيبرانية داخل الأوساط الأمنية الإسرائيلية (تويتر)

أعلنت شركة فيسبوك يوم الخميس الماضي أنها أزالت 265 حسابًا في تطبيقات فيسبوك وانتسجرام، بالإضافة إلى صفحات ومجموعات مرتبطة جميعها بإسرائيل بسبب ما أطلق عليه "ممارسة سلوك غير حقيقي"، يستهدف المستخدمين في جنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا، ويركز على القارة السمراء تحديدًا.

بات من المعروف أن الهجومات السيبرانية صارت نمطًا مركزيًا في الحروب والصراعات حول العالم. وقد تعاظم في الفترة الأخيرة اهتمام مراكز الأبحاث والنخب في الداخل الإسرائيلي بموضوع الحرب الإلكترونية بشكل لافت

وأكدت رويترز أن هذا النشاط نشأ في إسرائيل وركز على على نيجيريا والسنغال وتوغو وأنغولا والنيجر وتونس وكذلك على دول أخرى في أمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا.

اقرأ/ي أيضًا: كيف يعيد الذكاء الاصطناعي إنتاج القمع السياسي في العالم؟

في هذا السياق، يبين ناثانيل جليشر رئيس سياسات الأمن السيبراني في فيسبوك في بيان صدر حول هذه الواقعة، أن "الأشخاص الذين استخدموا هذه الشبكة، قاموا من خلال العديد من الحسابات المزيفة بتشغيل هذه الصفحات ونشر محتواها وزيادة المشاركة فيها بشكل مصطنع".

وخلص جليشر بالتحديد إلى مجموعة أرخميدس الإسرائيلية كمصدر لبعض الأنشطة، مضيفًا أن "هذه المنظمة وجميع نشاطاتها محظورة الآن من فيسبوك"، وأكد أن لديها 65 حسابًا على فيسبوك و161 صفحة و12 "مناسبة" وأربعة حسابات على انستجرام، يتابعها جميعها ما يقرب من 2 مليون شخص أو أكثر.

وفي حديث تفصيلي عن نشاط المجموعة قال "إن الأفراد المعنيين بالحظر قدموا أنفسهم على أنهم مواطنون محليون، بل منهم من قدم نفسه على أنه ممثل عن المؤسسات الإخبارية المحلية ونشروا معلومات  زعموا أنه تم تسريبها عن السياسيين". يتابع المسؤول في فيسبوك: "أصحاب (هذه) الحسابات تخصصوا في نشر أخبار سياسية تخص هذه البلدان بما في ذلك موضوعات مثل الانتخابات، ووجهات نظر المرشحين وانتقاد المعارضين السياسيين"، فيما بين أنه تم إنفاق ما قيمته 800 ألف دولار على الإعلانات على الفيسبوك من قبل هذه المجموعة مدفوعة بالشيكل الإسرائيلي والريال البرازيلي والدولار الأمريكي.

الدوافع الإسرائيلية: أرخميدس جزء من مشهد الحرب الكبرى

تعليقًا على هذه التقارير، أفاد الباحث المتخصص في الشؤون الإسرائيلية صالح النعامي في وقت سابق أن طاقم شركة أرخميدس الذي قام بعمليات القرصنة، لاستهداف انتخابات ونشر أخبار مضللة في دول أفريقية منها تونس، عمل سابقًا في الوحدة 8200 التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، مضيفًا في تصريحات صحفية لقناة الجزيرة، "أن هذه الشركة التي تدير علاقات عامة ودعائية على فيسبوك من مقرها في تل أبيب، يرأسها ضابط سابق في الجيش والأمن الإسرائيلي، وله خلفية أيديولوجية، إذ عمل لصالح نواب في الكنيست أعضاء في حزب الليكود اليميني، كما تولى إنشاء مجموعات لوبي للعمل لصالح إسرائيل في أوروبا وغيرها".

وتابع النعامي: "شركة أرخميدس تعمل في عدة قارات من بينها قارة إفريقيا وأمريكا اللاتينية وجنوب آسيا، وأن استهدافها لتونس تحديدًا قد يكون لمصلحة طرف ثالث خاصة أن بعض الدول العربية الداعمة للثورة المضادة لها مصلحة في إجهاض التجربة الديمقراطية التونسية، كما أن إسرائيل تعتبر الديمقراطية العربية تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، وبالتالي فهي معنية بألا تصل إلى الحكم في البلدان العربية نخب سياسية لا تساهم في تحقيق أهدافها ومصالحها، وقد أقلقتها موجة الربيع العربي الجديدة في السودان والجزائر". مؤكدًا على وجود تواطؤ كبير بين إسرائيل وشركة فيسبوك التي قامت تحت ضغوطات من الحكومة الإسرائيلية بخذف مئات الصفحات التي تدعم القضية الفلسطينية بينما تركت الصفحات الإسرائيلية العنصرية المسيئة للعرب.

إسرائيل.. سوابق الاختراقات!

هذه ليست المرة الأولى التي يُسمع فيها عن اختراقات تتم عبر قراصنة إسرائيليين في المجال السياسي بقصد التأثير على مجريات الأمور في بدان عديدة، ففي العام الماضي نشرت صحيفة الغارديان البريطانية تقريرًا، يبين أن شركة كامبرديج أناليتيكا التي ارتبط اسمها بفضيحة تسريب بيانات خاصة بالمستخدمين مع فيسبوك، عُرض عليها بيانات تم تسريبها من البريد الإلكتروني لبعض الساسة الأفارقة من خلال قراصنة إسرائيليين، كان من ضمنها معلومات سرية عن الرئيس النيجيري، ورئيس الوزراء وقتئذ.

ووصفت مصادر متعددة كيف أن كبار مديري  كامبرديج أناليتكا، بمن فيهم الرئيس التنفيذي ألكساندر نيكس، أعطوا تعليمات للموظفين بعدم التعامل مع المواد المقدمة من قراصنة الكمبيوتر في الحملات الانتخابية في نيجيريا وسانت كيتس ونيفيس، وتزعم الشركة أنها رفضت قبول التعامل مع هذه البيانات لشكها في أن طريقة الحصول عليها كانت غير قانونية. بينما أنكرت شركة SCL Elections، الشركة الأم لكامبرديج أناليتكا، حيازة أو استخدام المعلومات الشخصية المخترقة أو المسروقة من هؤلاء الأفراد لأي غرض من الأغراض في أي من الحملات الانتخابية، التي كان من المزمع عقدها في ذلك الوقت في تلك البلدان.

هذا بالإضافة إلى حادثة اختراق أخرى قريبة حدثت الإسبوع الماضي، تحدثت عنها صحيفة الفاينشنال تايمز البريطانية، التي أفادت أن ثغرة في تطبيق "واتساب" سمحت لقراصنة إلكترونيين بتثبيت برمجيات تجسّس إسرائيلية في الهواتف المحمولة، ضمن هجوم إلكتروني استهدف مجموعة منتقاة من المستخدمين. وذكرت الصحيفة أن شركة واتساب رأت أن الشركة المنفذة للهجوم هي شركة متخصصة في الإنترنت وتتمتع بقدر عالِ من التحصص في المجال، وحثت مستخدمي التطبيق البالغ عددهم أكثر من مليار متخصص أن يقوموا بتحديث التطبيق كإجراء وقائي.

 وفي التقرير الذي نشرته الصحيفة البريطانية تبين أن مصدر الهجوم كان شركة الأمن الإلكتروني الإسرائيلية "إن إس أو جروب"، وهي الشركة التي عُرفت في وقت سابق بأنها "وكيل أسلحة إنترنت". وتُعرف هذه الشركة ببرنامجها الرئيسي "بيغاسوس"، الذي يمكنه جمع بيانات خاصة من الهواتف الذكية، عن طريق الميكروفون وكاميرا الهاتف الذكي ورصد موقع المستخدم. وتداولت تقارير عديدة استخدام السعودية والإمارات لهذه الآلية في الاختراق، من أجل ملاحقة المعارضين لهما ومسؤولين في دول أخرى، بما في ذلك في الأزمة الخليجية. وقد ردت الشركة الإسرائيلية على هذه التقارير بقولها "إنها ستحقق في أي ادعاءات موثوقة بإساءة الاستخدام".

الجدير بالذكر أن الشركة الإسرائيلية متورطة حسب التقارير نفسها في اختراق جهاز الهاتف الخلوي الخاص بأحد المعارضين السعوديين المقيمين بكندا، وهو عمر بن عبد العزيز، بالإضافة إلى تتبعها لبعض الصحفيين المكسيكيين. وفي معرض تعليقه على هذا الحدث قال أميتاي زيف كبير محرري قسم التكنولوجيا في صحيفة ذا ماركت الإسرائيلية: "طالما أن إسرائيل لا ترى أي خطر محتمل على مواطنيها، فمن المحتمل أن السلطات الأمنية لا تعتبر نفسها بوصلة أخلاقية للعالم"، وهو ما يناقض تصريح الشركة نفسها عن إساءة الاستخدام.

أما السؤال الذي يطرحه هذا التاريخ الإسرائيلي من الاختراق الرقمي لأغراض سياسية فهو: لماذا قد تحتاج تل أبيب لممارسة هذا النوع من النشاطات؟

الحرب السيبرانية الإسرائيلية: قربان مقدس للسيطرة!

بات من المعروف أن الهجومات السيبرانية صارت نمطًا مركزيًا في الحروب والصراعات حول العالم.

وقد تعاظم في الفترة الأخيرة اهتمام مراكز الأبحاث والنخب في الداخل الإسرائيلي بموضوع الحرب الإلكترونية. في هذا الشأن يوضح الباحثان شموئيل ايفن ودافيد بن سيمان- طوف، العاملان في معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي في كتابهما "حرب الفضاء الإلكتروني: اتجاهات وتأثيرات على إسرائيل"، أهمية هذا الفضاء كساحة جديدة للقتال من أجل ضمان الأمن القومي الإسرائيلي، واعتبر المؤلفان أن الهجوم الذي تعرض له المفاعل النووري الإيراني عام 2009، والذي رجحت العديد من المصادر الإعلامية أن إسرائيل تقف خلفه، كان حدثًا تأسيسيًا في مجال حرب الفضاء الإلكتروني، كما أنه شكل مرحلة جديدة في تطور استعمال هذه التقنيات إسرائيليًا.

اقرأ/ي أيضًا: حصار قطر يكشف الخطورة الحقيقية للهجمات الإلكترونية.. حرب بديلة أقل تكلفة

وفي عام 2009 رأى غابي أشكنازي رئيس هيئة أركان الجيش إلاسرائيلي وقتها، أن الفضاء الإلكتروني لا يمكن الاستهانة به  كمجال قتال  حيوي من الناحيتين الاستراتيجية والعملياتية. وبناء على ذلك أسس الجيش الإسرائيلي "هيئة السايبر" في الوحدة2111  في جهاز المخابرات العسكرية إلاسرائيلية (أمان)، بغرض توجيه وتنسيق نشاطات الجيش إلاسرائيلي في الفضاء الإلكتروني. وفي وقت سابق، أشار عاموس يادلين، رئيس جهاز المخابرات العسكرية إلاسرائيلية "أمان" سابقًا، في محاضرة له في معهد أبحاث الأمن القومي، إلى أن أحد أهم الأخطار التي تتربص بإسرائيل وقد تلحق بها الأذى، تكمن في احتمال اختراق الحواسيب الحيوية إلاسرائيلية، وهو ما قد يؤثر بشكل كبير على الحياة اليومية في الداخل باعتبار إسرائيل دولة "محوسبة".

تعمل شركة أرخميدس الإسرائيلية في عدة مناطق من بينها إفريقيا وأمريكا اللاتينية، وقد يكون استهدافها تونس تحديدًا لمصلحة طرف ثالث خاصة أن بعض الأطراف العربية الداعمة للثورة المضادة لها مصلحة في إجهاض التجربة الديمقراطية هناك

أما عن الاهتمام الإسرائيلي بأفريقيا على وجه الخصوص، فيشير المحلل السياسي نصر الدين بن حديد لبرنامج ما وراء الخبرعلى قناة الجزيرة، إلى أن الاعتناء بأفريقيا خيار قديم في السياسة الإسرائيلية استراتيجيًا وأمنيًا، أما بالنسبة للحالة التونسية فهي تتمتع بخصوصية من ناحيتين؛ "الأولى كونها رائدة الثورات العربية، والثانية أن حالتها الثورية والديمقراطية هي الأكثر نجاحًا في العالم العربي، وبالتالي فإن استهدافها هو أحد مطالب دول الثورة المضادة عربيًا، وكذلك إسرائيل التي لا تريد نجاح الديمقراطية التونسية حتى لا تسري عدواها إلى بقية العالم العربي".

 

اقرأ/ي أيضًا:

لمواجهة حروب الإنترنت القادمة.. جيل جديد من "القراصنة الخلوقين" يتدرب

المقاومة الفلسطينية في عصر "الجهاد الرقمي".. إيريك سكاريه راصدًا البدايات