23-يونيو-2016

إرنستو ساباتو (Getty)

يصادف هذا الشهر ميلاد الكاتب الأرجنتيني المثير للجدل إرنستو ساباتو (1911- 2011) وهو كاتب مقال وفيزيائي ورسام، يتلخص عمله الأدبي في ثلاث روايات مهمة هي "النفق" و"أبطال وقبور" والجحيم المهلك".

كتب إرنستو ساباتو عن الهواجس والأحلام والعمق المظلم الذي يخشى الإنسان مواجهته

كان ساباتو كاتب مقال من الطراز الرفيع، وكانت له مقالات مهمة عن "حالة الإنسان" من منظور نفسي فلسفي، وهو ما يبرع فيه، فهو الذي كتب عن الهواجس والأحلام والاختلاجات والعمق المظلم الذي يخشى الإنسان مواجهته، أو يخفيه.

اقرأ/ أيضًا: البحث عن أفريقيا

حين حصل على جائزة ثربانتس عام 1984، وقف يصف العمل الأدبي الأشهر في إسبانيا والعالم "دون كيشوت"، أو "كيخوتي"، كما يسميه الإسبان، بقوله: "مخلوق فان، هش، قليل الحيلة، هائم على وجهه، هو الرجل الذي قال ذات مرة إنه لأجل عيني الحرية والشرف يجب أن نخوض غمار الحياة".

صحيح أن الأجواء الأدبية في الأرجنتين أشاحت بوجهها عن إرنستو في الفترة الأخيرة، ربما بسبب طبيعته الجدلية أو مواقفه السياسية التي لم تسمح بتصنيفه لكنه فضل على أي حال أن يكون نفسه. بداية بروايته "النفق" ذات الأجواء البوليسية على الرغم من أنك تعرف اسم القاتل من الصفحة الأولى يقول في الافتتاحية: "سأكتفي بالقول إنني خوان بابلو كاستيل الرسام الذي قتل ماريا إيبرببارني، أظن أن المحاكمة لا تزال ماثلة في ذاكرة الجميع، ولا حاجة لإيضاحات أوفى عن شخصي".

كانت لغته في هذه الرواية حادة ساخرة، تجنح إلى الرومانسية دون ابتذال، لكنه قاسٍ جدًا، وممتع ويشي بذكاء طريف. أما في "أبطال وقبور" فقد كان يحكي عن ماضي وحاضر الأرجنتين، وهي رواية تمثل قمة نجاحه من حيث انتشارها ومبيعاتها بين الناس، لأنه تحدث للأرجنتينيين عن أنفسهم، وهي رواية طويلة نسبيًا كان يمكن أن تكون أقصر، كتب فيها عن العمى كحالة فيزيائية ونفسية، لكنها أيضًا التجسيد الكتابي لكل ما يؤمن به ساباتو في الحياة.

ساباتو: إن الحياة قصيرة وتعلم العيش فيها صعب للدرجة التي تجعلك حين تبدأ رحلة التعلم تلك، تكون بالفعل على وشك الموت

كان إرنستو ساباتو مسيحيًا أناركيًا، وكان يشبه تولستوى الشيوعي في شبابه. شخصيته القوية والأنا المتجذرة فيها وحبه للجدل، جعلت منه شخصية تتحول حولها الحكايات في الآداب الإسبانية. وحين كان يُسأل عن ذلك كان يجيب بلامبالاة هادئة: "لا أدري لطالما كنت متخصصًا في خلق أعداء لي".

اقرأ/ أيضًا: طفل الشيعة المسموم من إناء "دار الجديد"

على الرغم من ذلك، فإنه لا يمكن فهم حياته وأعماله بمنأى عن كونه ناشطًا في حقوق الإنسان، أو بمنأى عن كونه ضد الدكتاتورية العسكرية التي حكمت البلاد من 1967 إلى 1983. بعد انتهاء الحرب القذرة، أرسل له الرئيس الديمقراطي راؤول ألفونسين خطابًا يكلفه بترؤس الجمعية الوطنية للمختفين قسريًا في الحرب، وهي الجمعية التي قامت بعدها بجمع وتوثيق أكثر من 9 آلاف من حالات الاختفاء القسري، وكشفت عن وجود 340 مركزًا للاعتقال والتعذيب في الخفاء. 

التقرير الذي بات يعرف باسم "لا مزيد من ذلك أبدًا"، أو ببساطة باسم تقرير ساباتو، تم تسليمه للرئيس ألفونسين وكان سببًا في توقيف العديد من المسؤولين العسكريين الملوثة أيديهم بدماء الأرجنتينيين. على الجانب الآخر، وقع هذا الرجل الذي حقق الكثير في حياته فريسة للاكتئاب، وعاش سنوات طويلة من حياته لا يكتب لكنه كان يرسم. كان الرسم مصاحبًا له في تلك الأيام أكثر من السرد رغم أن اللوحات والمعارض كانت دومًا حاضرة في أعماله.

من أجمل ما قاله إرنستو عن الحياة، وهو يخطو قبيل المائة عام بقليل: "إن الحياة قصيرة وتعلم العيش فيها صعب للدرجة التي تجعلك حين تبدأ رحلة التعلم تلك، تكون بالفعل على وشك الموت".

اقرأ/ أيضًا:

"الحقيبة الجلدية".. صحبة مشعلي الحرائق

8 أعمال روائية من أدب السجون العربي