03-ديسمبر-2015

هزم إدوار الخراط الموت بالكتابة والحياة معًا

غادرنا الروائي المصري إدوار الخراط (1926-2015) بعد أن صنع علامة فارقة في الرواية العربية بشكل عام، والمصرية بشكل خاص، حين قرر بكامل التصميم والإرادة الانشقاق عن أسلوب نجيب محفوظ والرواية الواقعية، بمقاربة تجريب يعتمد الانثيالات المتوالية والتطعيم بالرموز الأسطورية مع اجتراح لغة تقترف الادهاش حين يتلاعب بالكلمات ويمنحها خلقًا لا يأبه بالقواعد الاشتقاقية، بل يثق بقدرتها على الانزياح عن المعنى المعجمي، لتحمل معان طازجة وغير مسبوقة.

قرر إدوار الخراط بكامل التصميم والإرادة الانشقاق عن أسلوب نجيب محفوظ والرواية الواقعية

لم يكتف الخراط بالخروج عن الأسلوب التقليدي بالكتابة الروائية، بل جعل تجنيس نصوصه نفسه يحير النقاد، لأنها كانت تُخترق بالرسائل والأخبار والتداخلات، وفي كثير من الأحيان كانت الرواية تغدو سلسلة طويلة من الرسائل، أو تيارًا جاريًا من المناجاة الداخلية، وهذا ما جعلها في الوقت ذاته غنية متنوعة غير تقليدية، ولكنه كان السبب في جعلها رتيبة بطيئة الإيقاع كذلك بسبب تلاشي الحدث منها، وهذا بحد ذاته شكّل خللًا كما شكّل ميزة تخص أدبه بصورة عامة. 

كان الخراط يتحايل على رتابة سرده بصنع اختراقات تعوّض عن الحبكة والحدث؛ تتنوع هذه الاختراقات بين مقاطع من المذكرات الشخصية والرسائل والمقاطع الشعرية، والحوارات الفكرية أو الأدبية، أو حتى آراء النقاد، وفي بعض الروايات كان يستعين بشخصيات رواياته السابقة ويعلق على مواقفها وأفكارها أو يدافع عنها. وهذا كله كان سببًا في تميز أسلوبه الروائي وخصوصيته. 

كما يمتاز الخراط بأنه لم يكتف بكتابة الرواية والقصة بل قام كذلك بنشر كتاب في التنظير لأسلوب الكتابة الذي يعمل عليه وهو "الحساسية الجديدة"، وفيه يرى إمكانية الارتباط بالواقع دون الكتابة بالأسلوب الواقعي بل باستحضار التقنيات الروائية التجريبة، وفيه يؤكد أن "الاستحداث التقني الذي يتمثل في دمج اللغة التسجيلية لغة الوثائق والصحف والتقرير المباشر... هي تقنية تستدعي الواقع استدعاء يفي بمتطلبات العمل الفني وينتهي في النهاية إلى الارتباط اللصيق بشكل خاص بهذا الواقع".

كتب إدوار الخراط ما يقارب خمسين مؤَّلفًا بين نقد ورواية وقصة، كما ترجم إلى اللغة العربية ما يزيد عن عشرة كتب. وحاز على جائزة الدولة التشجيعية ووسام العلوم والفنون من الدرجة الأولى. كما أصبحت روايته "رامة والتنين" علامة فارقة في الرواية العربية. 

إذا كان هدف الموت هو محو اسم الإنسان واسمه من ذاكرة الأحياء، فإن إدوار الخراط قد هزم الموت بالكتابة والحياة معًا.

اقرأ/ي أيضًا:

رضوى.. سلام كما ينبغي لنبل الكلمات

البكاء في مواجهة الموت