22-أغسطس-2015

في مستشفى أوباري الوحيد (الترا صوت)

تشهد مدينة "أوباري"، التي تقع في جنوب غربي ليبيا، منذ أيلول/سبتمبر العام الماضي اشتباكات بين قبيلتي "التبو" و"الطوارق"، وقد سقط خلال هذه الاشتباكات أكثر من 400 قتيل و800 جريح، بحسب مصادر طبية متطابقة من المشفيين الحكوميين بكل من بلدتي "مرزق" و"أوباري".

سقط خلال الاشتباكات بين قبيلتي "التبو" و"الطوارق" أكثر من 400 قتيل و800 جريح

ويعود أصل الخلاف إلى مشاجرة بين أفراد أمن من قبائل "الطوارق" ومواطن من قبائل "التبو"، لكن ازدادت حدة الاشتباكات فيما بعد بعدما قام مسلحون ينتمون لقبيلة "التبو" بمهاجمة مركز الأمن الوطني والذي يسيطر عليه مسلحون ينتمون لقبيلة "الطوارق".

في 22 أيلول/سبتمبر الماضي، توصلت القبيلتان إلى اتفاق يتم بموجبه وقف إطلاق النار بينهما تحت رعاية أعيان المنطقة الجنوبية وأعيان الزنتان، وذلك بعد أيام قليلة من انطلاق القتال في "أوباري". لكن وبعد حوالي 20 يومًا تجددت الاشتباكات بعدما استقبل مشفى "أوباري" العام قتيلين ينتميان للطوارق و5 جرحى.

منذ ذلك التاريخ تعددت محاولات المصالحة ووقف الاشتباكات، وكانت قبائل "الطوارق" في ليبيا قد أعلنت يوم 21 كانون الثاني/ينايرالماضي عن وقف إطلاق النار من جانبهم في جميع المحاور في "أوباري"، وذلك في بيان مشترك صادر عن هذه القبائل. كما أعلن عن التوصل إلى آلية اتفاق أخرى بمنطقة وادي عتبة، لكنه لم يرَ النور بعدُ. وحاول أعيان "ورفلة" من منطقة "بني وليد" حين التقوا أعيان قبيلتي "الطوارق" و"التبو" إيجاد حل ولكن جهودهم لم تسفر عن أي اتفاق أو تهدئة.

أوضاع لاإنسانية 

وبحسب مدير الهلال الأحمر الليبي فرع "أوباري"، أمود العربي، يقدر عدد الأسر النازحة جراء الاشتباكات القبلية ب2000 عائلة، موزعون بين مدن "غات" و"مرزق" و"سبها" و"الشاطئ"، ويعيشون أوضاعًا إنسانية سيئة للغاية وبحاجة لمساعدات عاجلة.

في الأثناء، تتواصل معاناة المواطنين في "أوباري"، وتعمقت مع تردي الأوضاع الصحية مؤخرا وخلو مستشفى المدينة العام من كافة عناصره الطبية، وصعوبة حصول المواطنين على الدواء. كما أن أغلب الصيدليات مغلقة بسبب الظروف الأمنية. ويعمل المستشفى الحكومي الوحيد في المدينة بطاقم محدود، ولم يبق في المشفى سوى طبيب جراحة مصري الجنسية وعدد من المتطوعين الذين يقدمون خدمات التمريض وخدمات أخرى داخل المستشفى. وغادرت أغلب العناصر الطبية الأجنبية، خاصة بعد تعرض المستشفى للقصف أكثر من مرة، مما تسبب في إغلاق أغلب الأقسام مثل قسم الكلى والعمليات الكبرى وقسم الأمراض المعدية.

تقول المتطوعة عائشة الياس، 24 عامًا، لـ"الترا صوت"، "تطوعنا للعمل في المستشفى، هو مبادرة منا لسد غياب العناصر الطبية والطبية المساعدة، وخضعنا لدورة تمريض مكثفة للرفع من كفاءتنا مؤخرا". وتضيف "لا نتقاضى أي راتب مقابل جهودنا، لكننا نعتبر مساعدة المرضى عملًا إنسانيا أجره عظيم عند الله".

يقدر عدد المتطوعين في مشفى "أوباري" العام بحوالي 20 متطوعًا. جوهر عملهم تنظيف المستشفى ومساعدة المرضى. يذكر أن طبيبًا واحدًا ما يزال يزاول عمله بالمستشفى، ويحاول تغطية شؤون أقسام العمليات الصغرى والطوارئ والأشعة والمختبر وقسم الولادة!

تحتج زهرة الأنصاري، وهي متطوعة في مستشفى أوباري العام، على نشر الإشاعات من قبل بعض وسائل الإعلام الليبية، "والتي تفيد بتوقف مستشفى "أوباري" عن العمل، وهو ما يبث بلبلة عند المواطنين". وتوضح الأنصاري لـ"الترا صوت"، "أقول لهم إن المستشفى يعمل منذ بداية الاقتتال ولم يتوقف أبدًا عن العمل رغم نقص الأدوية وغياب العناصر الطبية".

وأثنى الدكتور كامل، أخصائي الجراحة الوحيد في مستشفى "أوباري" العام، على دور المتطوعين. يقول كامل "إنهم خففوا من وطأة غياب العناصر الطبية والطبية المساعدة رغم عدم تمكنهم من الكثير من المسائل ونقص الخبرة".

صراع "خارج السيطرة"

تسببت الإشكالات القبلية بموجة نزوح كتلك التي تأتي بها الحروب

في حديثه لـ"الترا صوت"، يقول عبد الكريم الطاهر، 25عاما، وهو يعمل بمديرية الأمن الوطني في "أوباري" "أنه تضرر كثيرًا من الحرب، فقد نزح مع عائلته إلى الجفرة، وهو يعيل طفلًا ووالدته وإخوته ويعمل بعد دوامه سائق تاكسي ليوفر احتياجاتهم". موضحًا أن "وضعية أهالي "أوباري" المادية سيئة جدًا بسبب الحرب، هناك من لا يجد ما يأكل ولا يستطيع توفير قيمة الإيجار، في المقابل لا يهتم أحد من الحكومتين والبرلمانين المتنازعين في البلاد بما يحدث في أوباري".

يقول عبد الكريم "إنه لا يحب الحرب ولم يشارك في أحداثها"، ويضيف "لم تعد حرب أوباري تحت سيطرة المتخاصمين أو أي طرف في ليبيا، ولا أحد منهم يستطيع إنهاءها لأن أطرافًا خارجية تمول الطرفين الآن ومن مصلحتها استمرار القتال في أوباري كالتشاد وفرنسا".

ويتساءل عبد الكريم كعدد من سكان أوباري عن غياب أي اهتمام حكومي بما يحصل في مدينتهم رغم التدخلات لحل الإشكال المشابه في "سبها". من جهة أخرى، يصف عثمان لآمين، مهندس، 24 عاما، الوضع في مدينته بأنه "لا يرضي أحدًا". بناءً على أن الناس محاصرة "لأكثر من عام والمطار لا يعمل. منازلنا أحرقت وصرت مهجّرا. اعتقدنا في البداية أن الأمر بسيط وسينتهي بسرعة لكن الأيام أثبتت أن الأمر ممنهج وأخطر مما كنا نتوقع". يرى عثمان أن كل ما يمكنه تقديمه لمدينته في الوضع الراهن يقتصر على نقل الجرحى والاهتمام بهم.