20-أبريل-2018

غرافيتي لـ اننتناي بيرنهاري

سمعتُ صديقًا مثقّفًا يتحدّث عن صداقته لوزير الثقافة الحالي. وعن كونه لم يعد يتفاعل مع اتصالاته به. فقلت له: لا أتدخّل في السّبب الذّي جعله لا يردّ عليك، فهذا شأن يخصّه.

أن تكون مثقّفًا لا يعني أن تقدّم منتوجًا ثقافيًا فقط، بل أن يكون لك أيضًا موقف ثقافي شجاع من المرحلة، خاصة إن كانت رديئة

لكن ألم تدرك أنّ الرّجل انتقل من مقام عام كان ممكنًا لك فيه التّواصل معه مباشرةً، إلى مقام خاصّ يُفترض أنّك تتواصل معه فيه بصفتك مثقّفًا؟ فتقترح فكرةً أو مشروعًا أو خدمةً ثقافيةً عامّةً، أو توجّه نصيحةً أو نقدًا أو اعتراضًا على قرار تراه غيرَ صائب، أو رصدًا للواقع الثقافي البائس على مستوى البقعة، التي تعيش فيها، أو لفتًا لانتباهه إلى وجه تراه جديرًا بالانتباه، مستغلًّا سلطة الصّداقة، بالإضافة إلى سلطة كونك مثقّفًا، في تمرير ذلك. فمسؤوليتك بهذا مضاعفة. وإن حدث أنه لم يتفاعل معك، ربحت براءة الذّمّة.

اقرأ/ي أيضًا: المثقف والسّلطة في الجزائر.. قناع لوجهين

أمّا أن تتصل به بصفتك صديقًا شخصيًا لينجز لك مصلحة شخصية، فأنت تنفي صفة المثقّف فيك من زاويتين؛ زاوية أنّك لا تعرف طبيعة النّظام السّياسيّ القائم على أن ينسى المسؤولُ ماضيه الشّعبي، وزاوية أنّك تصرّفتَ بمنطق "المعريفة" أي الواسطة لا بمنطق المعرفة. فما الفرق بينك وبين مواطن عادٍ إذًا؟ يمدح صديقه إذا خدمه، ويذمّه إذا حرمه؟ 

إن متابعة بسيطة لمنشورات بعض المثقفين الجزائريين، ولا شكّ في أن الأمر معمّم عربيًا؛ يجعلنا نلمس تغيّر الموقف من وزير الثّقافة بتغيّر المصلحة الشّخصية معه بعيدًا عن روح المصلحة العامّة.

هنا، على الذين يقولون إنهم أصدقاء شخصيون للوزير أن يدركوا كون المسؤولية الأخلاقية، بخصوص النّقائص والاختلالات، التي ميّزت مرحلة وزير معيّن، ستقع عليهم أكثر من المثقفين الذين لا يعرفونه معرفة شخصية، لأنهم زكّوا حيث يجب أن يعترضوا، واعترضوا حيث يجب أن يُزكّوا، محكومين بروح المصلحة الشّخصية لا بروح الرّهانات الثّقافية الوطنية.

أن تكون مثقّفًا لا يعني أن تقدّم منتوجًا ثقافيًا فقط، بل أن يكون لك أيضًا موقف ثقافي شجاع من المرحلة ومن وجوهها وتوجهاتها سلبًا وإيجابًا. فما قيمة أن تنشر كتابًا أو تنجز فيلمًا أو عرضًا مسرحيًا أو تنظّم معرضًا تشكيليًا، مع مطلع كلّ شمس، في ظلّ صمتك المتواطئ مع ظلام الظروف السّائدة؟

أمّا إذا كنت من الأدوات المنفّذة لأبجديات هذا الظّلام وتتقاضى على ذلك أجرًا وتحصد امتيازات وترقيات، فإن ذلك ينسف صفة المثقّف فيك نسفًا.

لا تعني الشجاعة السبّ والشتم والبذاءة، فالمثقف البذيء لا يزيد على أن يُشوّه صورة المثقف في أذهان الناس

علمًا أنّ الشّجاعة لا تعني السّبّ والشّتم والبذاءة، فالمثقّف البذيء لا يزيد على أن يشوّه صورة المثقف في أذهان النّاس. وإنّ الحاصل اليوم أن مصداقية وزارة الثّقافة لا تُستمدّ من عمق وإستراتيجية برامجها، بل من الصّورة الرّديئة لمعارضيها، القابعين خلف الشّاشات وفيسبوك ليطلقوا عياراتهم من غير مراعة للمعايير، ذلك أنه من حقّ المثقّف، مثل كلّ النّاس، أن يغضب ويستاء ويتبرّم، لكنه ملزم بقاموس المثقف في التّعبير عن غضبه واستيائه وتبرّمه.

 

اقرأ/ي أيضًا:

شباب جزائريون انتشلهم المسرح من الضياع

المؤسسات الثقافية في الجزائر كأداة لخدمة النظام