16-ديسمبر-2022
لوحة لـ رايمونس ستابرانز/ أمريكا

لوحة لـ رايمونس ستابرانز/ أمريكا

هل أمسيتُ لا مرئيًا؟ أركَ كلَّ الوقتِ ولا تراني

 

تحتَ طيّات ثيابك الكثير من المعجزات

منها،

أنّك تطيرُ بلا أجنحة حينَ يشاهدك الناس، ولا تفعل أمام دهشتهم سوى الطيران

ومنها،

 

أنّك تحفرُ عميقًا في جذع الشجرة

 

رأسًا وأردافًا تهتزّ كُلّما يمرُّ الغريبُ

 مصطحبًا ظلّه الذي لا يُرى

لكنّه يتركُ خطوته وأثرًا

في المكان

*

 

لأنّنا القيمون على إيقاد الشعلةِ

لا وهج يخترق الفضاء، دون أن تلمسه أيادينا

ومثلما بحثنا كثيرًا عن جوهر هذه الأرض وتضاريسها الخبيئة

سيقولُ عنّا الكثير والكثير

لكن ما يترسب في القعر

لن يكون حارسه سوى القمر

وضوئه الشحيح

في عتمة هذا الكون

*

 

مثلًا

 

كانت نظرة كسيرة

تلك التي رأيتُ فيها العالم

ينهضُ من سباتِه

كي يدخلَ إلى سباتٍ آخر

*

 

كما رأيت البطّ يلوذُ بالمنعطفات

مِن رذاذ المطر الذي يتواصل منذ ليلة الأمس

وكذلك نباح الكلاب الخافت

وهي تهتزّ من البرد الشديد

*

 

هذا الشتاء الصامت

والمُلّبد بالغيوم الكثيفة

والبرد المخترق الضلوع

كيف ستواجهينه وأنت وحيدة في جزيرة نائية؟

*

 

أيّها العازف

العازف المجنون

شبحٌ غريب خلفك

يتمدّدُ على أوتار عودك

تَمَعّن به جيدًا

حيث تتراقص ظلاله جنب ظلّك

عاكسًا ألوان السماء الخادِعة

والجدران الكالِحة

التي يئن من رزاياها البشر

الحالمون

*

 

بيدها كلّ شيء

المكر والحيلة

الغواية والسحر

التمرّد والثورة

واصطياد الضوء من عينه الثاقبة

وشفتيه تضجّان بالكلام

وجسده الواقف

كالحلم

ووثبته إذ تُشبه

الأسد

بيديها تروضهُ

وتجعلهُ

يصرخُ كالطفلِ الجائعِ

للنهدِ

*

 

النهر الأعمى الذي يلتفُّ على خصر المدينة

كم تعكزت أمواجه على

أرواحٍ طافيةٍ مبصرةٍ

*

 

كانَ النهرُ يشقُّ قلبَ المدينةِ

وكانَ الناسُ

أشباحًا تسيرُ على الماء ولا تغرق

*

 

توقّف العبورُ ذات يوم على الجسر الذي يفصل ضفتيّ المدينة

كان الفاصل بالمنتصف بالضبط

منتصف الباحثين عن وجودهِم

والساعينَ لركوبِ هذه المصائرِ.

*

 

لا شيء غريب يحدثُ هذه الليلة، فقط الأشجار تتمايلُ كعادتها، وزخات المطرِ المُتواصِلةِ منذ ساعات، بفعل عواصفِ المُنخفضِ الجوي الآتيةِ مِن البحر العنيد الساكن في جسدينا، كما بثّته نشرة الأنواء الجويّة

هذا اليوم، على لسان المذيعة المغناجة

ناسية أنّ الخريفَ بَسطَ فراشّه الوثير، تلك الدوامات الهوائيّة

ووسائدها التي ترفعنا

وتخفضنا

كأنّنا أشرعةٌ

تهتزُّ مُعاندةً

الريحَ

*

 

كُلّ لحظةٍ تنمو شجرةً على كتفي

شجرةً صغيرةً

لكن سرعان ما تكبر أكثر

وتمُدّ جذورها الثقيلةَ إلى أعماق جسدي

بعد ما ترشقها قطرات المطر

مطر أعوامي وهي تتهدّل

كسعفٍ يابسٍ

رويدًا

رويدًا

*

 

ما السرُّ يا ترى

حين تمرّ قربي ولا تراني

هل أمسيتُ لا مرئيًا

أركَ كلَّ الوقتِ

ولا تراني

*

 

لا أحسنُ قراءة قصائدي

دعوها تمرُّ

في زحمةِ الشوارعِ

عجلةً مثقوبةً

منطاد في سماءٍ مُكفهرةٍ

مُولّدات كهرباء عاطلة

لكنّها تتنفسُ هوائَكم

هوائكم الذي تتنشقونه

وتمتلأ به

رئاتُكم

كما يمتلأ صدرُ مراهقةِ

بالشبقِ

والقبل المؤجلةِ.