11-أغسطس-2015

فريق الفرز في نسخة 2015 معرض نون/ عمان

"لا أحد يقرأ"، يلقي أستاذ جامعي جملته هذه على مسامع طلبته، ثم ينشغل بإشعال سيجارته مترقبًا انتهاء وقت المحاضرة، أمّا في المجالس العامة والندوات فإنه يستفيض في شرح هذه المعضلة للعامة، ويفصّل في معاناته مع الطلبة والشباب الذين انشغلوا بالتكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي عن القراءة والتثقيف الذاتي. 

كيف تم مسح مستوى القراءة في منطقة واسعة مثل المنطقة العربية تتشكل من أكثر من عشرين دولة؟ 

حديثًا أصبح الأساتذة والمثقفون، من المتذمرين، يستشهدون بأرقام وإحصائيات أجرتها منظمات دولية، مثل "اليونسكو" وغيرها، تثبت تدني مستوى القراءة لدى العرب جميعًا، ثم يدخلون في مقارنات محسومة تفيد بأنّ معدل القراءة في الدول العربية مجتمعةً يقل عنه في دولة أوروبية صغيرة، وأحيانًا تكون "إسرائيل" موضع المقارنة إذا أحب المقارِن إثارة الحماسة في نفوس مستمعيه. وقد يشير إلى أن معدل قراءة المواطن العربي للكتب لا تتجاوز ربع صفحة كل عام.

شخصياً، ومن خلال تواصلي مع عدد لا بأس به من أساتذة الجامعات، كنتُ أُلاحظ أن هذه الجمل والمقارنات تصدر عن أساتذة لا يقرأون أصلًا، بل إن آخر كتاب قرأه بعضهم كان أطروحته للدكتوراة، قبل ثلاثين عامًا، فما الذي يزعجه في أن يرى الطلبة على شاكلته؟ أمّا الأساتذة القرّاء فكانوا يسعون إلى تحفيز الطلبة على القراءة، بل إنّ بعضهم يجبر طلبته على قراءة كتاب على الأقل لاستكمال متطلبات المادة، ويضع لهم أسئلة يعجز "غوغل" عن إجابتها، كي يضمن قراءة الطالب للكتاب.

بالإضافة إلى أننا بحاجة إلى مراجعة هذه الإحصائيات والمقارنات، إذ كيف تم مسح مستوى القراءة في منطقة واسعة مثل المنطقة العربية تتشكل من أكثر من عشرين دولة؟ وهل كان المسح عادلًا؟ أي هل شمل دولًا مهمشة لكنها عضو في جامعة الدول العربية مثل الصومال وجيبوتي وجزر القمر؟ 

كما يمكننا أن نسأل عن آلية إجراء هذه الاحصائيات! على المستوى الشخصي بدأتُ القراءة قبل أكثر من عشر سنوات، كما أنني فاعل في عدد من أندية القراءة، وأعرف الكثير من القرّاء النهمين، ولم يحدث أن سألنا أحد "كم كتاباً تقرأ في العام؟" ولو على سبيل المداعبة.

بالطبع ليست القراءة عند العرب في أفضل حالاتها إذا ما قورنت بالدول المتقدمة، كما لا يسعى المقال في طريق نظرية المؤامرة، غير أن وضع القراءة والكتاب العربيين بحاجة إلى دراسة أكثر عدالة من تلك التي تجريها المنظمات الدولية، خاصةً إذا ما قارنا الأرقام المتداولة بمجموعة من الظواهر مثل الإقبال الشديد على معارض الكتب، علمًا أنّ الإقبال يتزايد في معارض الكتب المستعملة والطبعات الشعبية، فقد تجاوزت مبيعات معرض نون للكتاب المستعمل في عمان أكثر من 90% من الكتب المعروضة للبيع لعدة دورات. ما يشير إلى أهمية العامل المادي وتدني مستوى الدخل في معادلة القراءة. 

وأيضا هناك مؤشرات إيجابية كثيرة مثل انتشار أندية القراءة والمبادرات التي تتبناها، وازدياد دور النشر، والمكتبات، وحركة الترجمة، وتفعيل دور الجوائز في زيادة المبيعات، ما حرك سوق الكتاب العربية وجعلنا، على سبيل المثال، نرى طبعات تاسعة وعاشرة من كتب فكرية دسمة. كل هذا يدعونا للتأمل طويلًا قبل التسليم بهذه الاحصائيات.    

قبل أيام، شاهدتُ فيديو على موقع يوتيوب لمجموعة من الأصدقاء الصوماليين، يناقشون كتاب "الطاغية" للدكتور إمام عبد الفتاح إمام في مدينة هرجيسيا، وبقليل من الخبث أسأل هل سيمر قارئ صومالي في ذهن معدي هذه الإحصائيات؟