17-أغسطس-2015

أمسى طريق الهجرة الموريتانية نجو الجنوب عامرًا (أ.ف.ب)

أضحت دول أفريقيا جنوب الصحراء وجهة لعشرات الآلاف من الشباب الموريتاني الباحث عن فضاء للعمل والاستثمار التجاري وهربًا من واقع الشغل في بلد يحل في ذيل المؤشرات الاقتصادية العربية والعالمية.

صنفت منظمة العمل الدولية موريتانيا من بين الدول العشر الأعلى في نسب البطالة في العالم

ورغم أن ظاهرة هجرة الشباب الموريتاني إلى أفريقيا للأغراض التجارية تعود إلى ما قبل استقلال البلاد، إلا أن السنوات القليلة الماضية عرفت موجات هجرة كبيرة كانت وجهة بعضها دولًا تعيش حروبًا أهلية وأخرى تصنف من بين دول العالم الأكثر انتشارًا لوباء الأيبولا.

يسافر إلى دول أفريقيا جنوب الصحراء عدد كبير من حملة الشهادات العليا وحملة إجازات المحاظر الموريتانية العتيقة، إضافة إلى بعض النجوم الشبابية في الإعلام والكوميديا.

دوافع اقتصادية واجتماعية

يتحدث دحمود ولد الشيخ أحمد عن دافعه للهجرة إلى أنغولا لـ"الترا صوت"، "كنت أبحث عن فرص عمل أحسن من المتاح داخل الوطن". ودحمود أحد الشباب الموريتانيين الذين خاضوا غمار الهجرة إلى أنغولا منذ سنوات، ويحمل شهادة عليا من كلية الآداب بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بمدينة فاس المغربية. يرى أن الوضع في بلاده يشجع على الهجرة "نتيجة ما يلقاه الشباب داخلها من تهميش واضطهاد في المجال السياسي والوظيفي ومن منافسة غير شريفة ومضايقة بالنسبة لمن توجه منهم نحو الاستثمار في الوطن". ويضيف "إن تدني معدلات التنمية وانتشار الفساد والزبونية والمحسوبية من أهم العوامل التي تدفع الشباب إلى الهجرة".

تكشف مؤشرات اقتصادية عالمية تدني معدلات التنمية في موريتانيا، إذ صنفت منظمة العمل الدولية في تقريرها الذي أصدرته في كانون الثاني/يناير الماضي البلد من بين الدول العشر الأعلى في نسب البطالة في العالم بمعدل يصل إلى 30.9 %. كما تحتل موريتانيا المرتبة 150 عالميًا والأخيرة عربيًا من حيث مستوى دخل الفرد، حسب تقرير مجلة "غلوبال فاينانس" الذي صدر في تموز/يوليو الماضي.

يقول المهاجر أحمد سالم زياد، وهو أحد الدارسين بالمحاظر الموريتانية، لـ"الترا صوت"، "تستقطب الهجرة الشباب الطامح لجمع المال وتوفير عيش كريم"، ويضيف "أن معايير الكرامة في موريتانيا صارت ماديةً قبل كل شيء".

ويتجه الشباب الموريتاني أيضا إلى الكونغو الديمقراطية وغينيا بيساو وساحل العاج وأفريقيا الوسطى بدافع المغامرة لاصطياد الجواهر الثمينة، لكن هذا النوع من الهجرة شهد تراجعًا واضحًا بعد الإجراءات المشددة التي أصبحت تتخذها هذه الدول.

في المقابل، أعلن وزير الاقتصاد الموريتاني السابق سيدي ولد التاه قبل أشهر تراجع نسبة البطالة إلى حدود 10% بدل 32%، وذلك في الفترة ما بين 2009 و2014. أما الوكالة الوطنية لترقية تشغيل الشباب فقد نفت نسب البطالة المرتفعة في موريتانيا أو أن يكون انتشار البطالة سببا وراء هجرة الشباب.

مغامرات وتكاليف باهظة

يصل عدد الموريتانيون في غامبيا إلى 10 آلاف مهاجر قوامهم من الشباب

تحكم جملة من العقبات قرار الهجرة إلى دول أفريقيا جنوب الصحراء ومنها التكاليف المادية وتعقيدات الإجراءات الخاصة بالسفر. وتختلف تكاليف الهجرة وأعباء السفر تبعًا للوجهة، فبينما لا يحتاج الموريتاني إلى تأشيرة لدخول دول أفريقية من بينها السنغال تشدد دول أخرى إجراءاتها الخاصة للحد من تدفق المهاجرين كأنغولا.

وتنشط بالعاصمة الموريتانية نواكشوط شبكات تضم عاملين بسفارات أفريقية ووكالات سفر ومهاجرين سابقين في مجال إكمال إجراءات التأشيرة والتذكرة للراغبين في الهجرة.

يوضح أحد المهاجرين الموريتانيين الشباب لـ"الترا صوت" قيمة تكاليف سفرته إلى أنغولا، "تجاوزت المصاريف مليوني أوقية موريتانية، حوالي 7000 دولار، وهي موزعة بين التأشيرة التي تطلبت 800 ألف أوقية، والتذكرة بحوالي 600 ألف أوقية، إضافة إلى قرابة 400 أوقية يتوجب حملها لدخول أنغولا ومصاريف أخرى". ويقول إنه "استطاع في وقت وجيز سداد تكاليف هجرته وأكمل إجراءات الإقامة القانونية، كما أصبح يحقق من عمله التجاري الجديد مداخيل مرضية جعلته في وضع مالي أحسن بكثير من ما كان عليه الحال قبل هذه المغامرة".

في المقابل، يحذر أحد الشباب الموريتانيين المهاجرين، وهو يشتغل تاجرًا بالكونغو الديمقراطية، من تبعات الهجرة وينصح الشباب الموريتاني بتجنبها. ويعلل ذلك بالقول إن "الأعباء المادية بالنسبة لي قد تضاعفت بشكل مرهق جدًا بعد الهجرة، وصار البقاء بالغربة رغم مصاعبها الخيار الوحيد لضمان استمرار قدرتي على أداء هذه الأعباء".

ولا يجد جزء من الشباب الموريتاني المهاجر فرص عمل ويتعرض بعضهم من حين لآخر إلى حملات تهجير تقول عنها سلطات الدول الأفريقية إنها تستهدف المهاجرين بطرق غير قانونية.

إقبال كبير رغم المخاطر

أغلب المهاجرين الموريتانيين إلى الدول الأفريقية من حملة الشهادات

لا تتوفر إحصائيات دقيقة حول أعداد الشباب الموريتانيين المهاجرين في دول أفريقيا جنوب الصحراء، إلا أن التقديرات تؤكد أن العدد يصل إلى المئات في بعض الدول والآلاف في دول أخرى.

يؤكد أحمد سالم زياد أن التقديرات تبين أن "أعداد الجالية الموريتانية في غامبيا في حدود 10 آلاف شخص ويمثل الشباب منها نسبة مهمة، إلا أن العدد تراجع قليلًا بسبب تحسن مستوى الأجور في موريتانيا جزئيًا وانخفاض صرف العملة المحلية لغامبيا". ويقدر دحمود ولد الشيخ أحمد أعداد الشباب الموريتانيين في أنغولا بحوالي 10 آلاف شخص.

وتتصدر أنغولا وغامبيا وجزر الموريس وغينيا بيساو والغابون وساحل العاج وبوركينافاسو والكونغو والكونغو الديمقراطية وسيراليون، قائمة الدول الأفريقية التي تستقبل الشباب الموريتاني.

ولا تخلو رحلة الهجرة من مخاطر مختلفة، خاصة لمن يختار السفر بطريقة غير رسمية كالتنقل عبر الحدود ضمن أفواج من المهاجرين غير النظاميين الذين لا يمتلكون الوثائق القانونية، وهو ما يعرضهم  للاعتقال والتهجير وفي أحسن الأحوال تفرض عليهم ضرائب قبل متابعة المسير.

ولا تنته المخاطر التي يعانيها الشباب الموريتاني المهاجر في أفريقيا بعبور الحدود، بل تلازم المهاجر أثناء إقامته بدءا بمصاعب إجراءات الإقامة القانونية، مرورًا بالأتاوات التي يفرضها أحيانا عناصر الأمن والتشكيلات العسكرية على المهاجرين، فضلاً عن انعدام الأمن وانتشار الحروب والأوبئة.

وإذا كانت بعض الدول الأفريقية تشهد استقرارًا أمنيًا مثل غامبيا، فقد تصاعدت خلال السنوات الماضية حالات الاعتداء الجسدي والقتل التي تنفذها شبكات الجريمة في دول أفريقية أخرى وراح ضحيتها شباب موريتانيون. ومع ذلك يرى دحمود الشيخ أحمد أن "مخاطر الهجرة تبقى بسيطة مقارنة مع مخاطر الاستسلام للواقع المزري في موريتانيا".

هل تخسر موريتانيا كفاءاتها الشبابية؟

يشتغل الشباب الموريتاني المهاجر في أفريقيا في تجارة المواد الغذائية ومواد البناء والأدوية ضمن السوق السوداء 

تزداد المخاوف من تسرب الكفاءات الشبابية مع ارتفاع معدلات هجرة الشباب الموريتاني إلى أفريقيا جنوب الصحراء. في هذا الإطار، يقول دحمود ولد الشيخ أحمد إن" حملة الشهادات الجامعية وحملة الإجازة من المحاظر أصبحوا يشكلون أغلبية في السنوات الأخيرة ضمن المهاجرين إلى أفريقيا".

كما عرفت الأشهر الأخيرة هجرة الكوميدي خونا حمود فال المشهور بلقبه الفني "كوص" وهو من أبرز نجوم الكوميديا الشباب، وقرر في آيار/مايو الماضي اعتزال المسرح والهجرة إلى أنغولا بحثًا عن عمل في المجال التجاري، وهو ما شكل صدمة في الوسط الفني بموريتانيا.

وبرر "كوص" قرار هجرته إلى أنغولا في مقابلة مع التلفزيون الموريتاني الرسمي بأنه لم يجن من عمله في المسرح ما يكفيه للعيش الكريم في بلده فقرر الهجرة "صونا للكرامة ومن أجل تأمين المستقبل". وأضاف "لو وجدت مؤسسة تهتم بالمجال المسرحي توفر لي راتب 30.000 أوقية فقط شهريًّا، حوالي مائة دولار، لما قررت الهجرة خارج البلاد".

ويوضح الحسن حيدرة، وهو مهاجر سابق في سيراليون، أن "الشباب الموريتاني المهاجر في أفريقيا يشتغل أساسًا في تجارة المواد الغذائية ومواد البناء والأدوية، ضمن سوق سوداء مفتوحة يعزز انتعاشها غياب مؤسسات الدولة". وهي مجالات يجمع المهاجرون الموريتانيون الشباب في أفريقيا على أنها توفر أرباحًا كبيرة، إلا أن حملة الشهادات يجدون أنفسهم بعيدين عن اختصاصاتهم وما تلقوه من تعليم وتكوين علمي.

في المقابل صرح المدير العام للوكالة الوطنية لترقية تشغيل الشباب بيت الله ولد أحمد الأسود لـ"ألترا صوت" بالقول إن الوكالة "لا تمتلك إحصائيات للشباب الموريتاني المهاجر إلى أفريقيا"، مشيرا إلى أم "ما نعلمه هو أن معظمهم أكمل مراحل علمية متوسطة وليسوا من حملة الشهادات العليا، كما قمنا بتوفير مشاريع جديدة تهدف إلى استجلاب الكفاءات الموريتانية المقيمة في الخارج بواسطة تعاون وشراكة بين عدة قطاعات حكومية".