26-مايو-2016

بورتريه لـ مي الترزي

لماذا يجب أن تكون كل خاطرة عن رضوى عاشور (1946-2014) شديدة الذاتية هكذا؟ أليس من الأفضل أن أقدّم للقارئ دراسة مصغرة عن عملٍ من أعمالها؟ يوافق اليوم 26 من أيار/مايو عيد ميلاد رضوى، ولا أعرف لماذا نحتفي بحفلات التأبين ولا نحتفي بذكرى الميلاد.

جمعت رضوى عاشور بين بساطة لغة الحديث اليومي وبين لغة عميقة تنم عن وعي فريد بالعالم

بعد قراءة كل أعمالها، لفت نظري تجلٍّ لشخصية بمفرداتها وتفصيلاتها عند رضوى في عمل غير مطروق بشكل جيد وهو "أطياف". تتجلى الخصوصية السردية عندها في لغة مرسلة، عفوية، بعيدة عن التعقيد الهندسي، تقترب في مجملها من الألفاظ المتداولة في الحياة العامة، ملأى بالأمثال الشعبية المتجذرة في الوعي الجمعي، فهي كلمات قريبة من المعنى المقصود تتداخل في بعض المواضع مع اللغة الدارجة لتقترب من فهم القارئ: "كره أولاد العمومة استغناءها، كرهوا رفضها الزواج من أي منهم، ثم كرهوا قدرتها على إدارة شأنها اليومي كأنها ليست من الولايا"، "شجرة أصيلة وعداها العيب".

اقرأ/ي أيضًا: رشيد ولد المومن.. سيلفي اللحظة الجزائرية

تقول كلارا مابلان: "إن التحدي مكون من مكونات فعل الكتابة عند المرأة" لذا فإن الجمل عن رضوى تميزت بسرعة الإيقاع وقصر الجمل وتلازمها، متحدية طول الجمل المعتاد، مقسمة بذلك الكلام إلى وحدات إيقاعية متساوية سرعت نبرة الحكي: "تقدم بكفاءة البحث المطلوب. تنجز بكفاءة الآلة. روحها؟ انسلتت. انزوت بعيدًا. لا تغضب. لا تبكي. لا تتوقف. في الصحف، في الإذاعات، على ألسنة الأهل والجيران يتردد كلام كثير عن سيناء، وتيه الجنود في الصحراء، تسمعه. تمضي كأنه لا شيء".

وكما جمعت بين بساطة لغة الحديث اليومي المتداول بين الناس، كذلك يستمتع القارئ بلغة عميقة تنم عن وعي فريد بالعالم والنفس الإنسانية والأحداث التاريخية: "لم أكن أخشى الطائرات. صرت أخشاها. الشيخوخة؟ مع الشيخوخة يتشبث البشر بحياتهم أكثر وهذا منطقي رغم المفارقة الظاهرة: أليست الشيخوخة في أحد تعريفاتها حياة مهددة بالرحيل؟". تقول محللة حالة الإنكار الصهيونية بعد مذبحة صبرا وشاتيلا: "هم أيضًا في حاجة لاعتماد صورة أخلاقية عن الذات. ربما حاجاتهم أكبر لأنهم يهود يحملون تراث الضحية المتطلعة إلى العدل. لا بد أن تعكس المرآة نبل الوجه وسموه الأخلاقي. الوجه القديم، المعتمد الكارثة أن تسقط فجأة على المرآة بقعة ضوء مباغتة فيرى الوجه ذاته غير ذاته، فيفزع أو يدير ظهره أو يمد يده ليكسر المرآة لأنها حقيرة وكاذبة".

اقرأ/ي أيضًا: واسيني الأعرج.. ملهاة الجوع والغربة

وعرجت على لغة الغناء الشعبي من خلال حكايات الأطفال وهي حكاية أمير اللوا التي تقصها أم دقدق: "مركب مين السايرة النايرة؟ قالوا: مركب الفار والفارة. قالت: وأنا الفرخة الصفرا النقارة".

لغة الحكاية عند رضوى صادقة، بلا مقدمات، تذهب مباشرة إلى القلب، تحاور قارئها وكأنها مرآته

لغة الحكاية عند رضوى صادقة، بلا مقدمات، تذهب مباشرة إلى القلب، تحاور قارئها وكأنها مرآته وضميره تأخذك إلى أول نقطة في الحكاية وإلى آخرها، وتشبع فيك الولع بحكايا الجدات لكنها حكايا من النوع الحقيقي المأخوذ بالحياة وهزائمها أكثر من أي انتصارات.

لعل الطريقة التي تقدم بها رضوى شخصياتها لا تخلو من الألم، لكنها لا يمكن إلا أن تتحلى بالشجاعة وإعادة الإحياء تقرؤها في "لا وحشة في قبر مريمة" وفي الجمل الختامية من "أطياف" حيث تقول: "صوت من هذا المتردد في الأعالي؟ أين دفاتره وأين الميزان؟ هل دونت كل شيء؟ ما الذي سجلته يا وجه الطائر ذي المنقار الطويل؟ هل دققت الحساب وفصلت دفاترك؟ هل صنت مجلداتك في الديماس؟ هل تفك الأربطة؟ متى تفك الأربطة؟ هل تفتح الفم وتطلق منه الكلمات؟ أفتحه وأطلقها فتنطلق أسطع من الضوء، أسرع من كلاب الصيد، أخف من الظلال. لم تكن نائمة، لم يكن عقلها شاردًا في الزمان. كانت شجر ترتب بيتها وتطمئن". 

اقرأ/ي أيضًا:

وثّق.. أرشفة التراث الفلسطيني رقميًا

أندريس نيومان.. شعر يملأ فراغ الحاضر