04-أبريل-2018

ازدحام السيارات أمام محطة وقود في السودان (مواقع التواصل الاجتماعي)

في غضون أيام قليلة تحولت العاصمة السودانية الخرطوم إلى مدينة خالية من الزحام، فتستطيع بسهولة أن تحصي عدد السيارات السائرة في شوارعها، ليس من قِلة السيارات بالطبع في البلاد، ولكن لانعدام وقود السيارات، ما جعل الطوابير تعود مُجددًا في محطات الوقود، ويسهر أصحاب المركبات الليالي الطوال للظفر بجالون بنزين، بلا جدوى.

يشهد السودان أزمة وقود خانقة، أعادت طوابير محطات الوقود مجددًا، وقد ارتفع سعر جالون البنزين من 27 إلى 200 جنيه!

ودون إعلان مسبق، ظهرت أزمة الوقود في كل مدن السودان، وكل ما ابتعدنا عن العاصمة الخرطوم، كانت الأزمة أشد ضرواة، لدرجة الانعدام الكامل، وتسليع المحروقات البترولية داخل السوق السوداء ليصل سعر جالون البنزين نحو 200 جنيه بدلاً عن 27 جنيهًا في مناطق مثل مدينة ودمدني القريبة من الخرطوم.

اقرأ/ي أيضًا: أزمة الخبز في السودان.. مقاومة بالحيلة لمناورات السلطة

الحكومة تدثرت بالصمت في أول الأمر، ولجأت إلى الانكار للحد من الهلع الشعبي، حيث أعلن وزير النفط والغاز عبد الرحمن عثمان، عدم وجود أزمة في الوقود، زاعمًا أن البنزين موجود بوفرة في المستودعات! 

واعتبر عثمان التكدس والازدحام الذي تشهده منافذ التوزيع في العاصمة والولايات، ناتج عن تجدد الإشاعات بين الحين والآخر بوجود أزمة في المحروقات، زاعمًا أيضًا أن توقف مصفاة الجيلي للصيانة لم يؤثر في انسياب الوقود. لكن تصريحات الوزير لم تستطع إخفاء الواقع، ليعود مُؤكدًا أن مصافي البلاد ومحطات الخدمة تعاني من وجود عجز في الخام المطلوب. ثم قال إن وزارته ستتجه للاستيراد لسد العجز في مشتقات الوقود.

من جهته قال وزير الدولة للمالية، عبد الرحمن ضرار، من داخل البرلمان: "الأزمة سوف تستمر إلى نهاية نيسان/أبريل الحالي"، وهو الموعد المضروب لإنهاء أعمال الصيانة في مصفاة الجيلي. ومن المعلوم أن احتياج ولاية الخرطوم من الوقود نحو  2700 طن متري في اليوم، فيما انخفض إنتاج البلاد من البترول بنسبة 12% في النصف الأول من العام الحالي. وتُموّل الدولة المواد البترولية بمبلغ مليار دولار في العام وفقًا لنائب رئيس الوزراء مبارك الفاضل.

وفي جولة لـ"ألترا صوت" بمدن العاصمة الثلاثة (الخرطوم وبحري وأم درمان) رصدنا كميات مهولة من الطوابير، تحتاج إلى وقت ليس يسير لاجتيازها، لدرجة مبيت أصحاب السيارات بالقرب من محطات البنزين، وأداء الصلوات الخمسة داخل مظلات الوقود، بينما بعض السيارات تم جرها عبر السحّابات بعد نفاد وقودها وتوقف محركاتها.

سودانيون عالقون في أحد محطات وقود الخرطوم (فيسبوك)

فيما أوصدت عشرات محطات الوقود مداخلها في وجوه السيارات، بسبب أنه "معليش يا جماعة والله البنزين خلص". وقد تسببت الأزمة في ارتفاع أسعار تذاكر الترحيل، بجانب انعدام سيارات الأجرة، ما يضطرك إلى الوقوف بالساعات قبل أن تلوح مركبة تقلك، أو أخذ مشوارك سيرًا بالأقدام!

جمال علي صاحب سيارة، قال لـ"ألترا صوت" إنه قضى يومه متنقلًا بين محطات الوقود دون الحصول على لتر بنزين، مضيفًا: "لم أر مثل هذا الوضع من قبل، وكل يوم أسوأ من السابق، ولم يعد بمقدورنا الاحتمال بعد أن تعطلت أشغالنا، وقد رأينا الوقود يتم تعبئته في قوارير صغيره مثل العطور ويباع في الأحياء الشعبية".

 

أما رئيس تحرير صحيفة السوداني ضياء الدين بلال، فقد تساءل عن سر صمت الحكومة. وقال: "رأيت مشهدًا لم أرَهُ منذ 20 عامًا؛ صفوف السيارات على امتداد البصر، وسائقوها نائمون بطريقة تُثير الحزن والأسى والإشفاق". واعتبر ضياء أن هذه الحالة تُشعِرُ المُواطنين "بواحد من اثنين لا ثالث لهما: إما أن الحكومة في حالة عجز تام ولا تملك حلولًا، أو أنها ضعيفة الإحساس بكُلِّ هذه المواجع التي تجعل من العيش والحياة الطبيعية أمرًا عسيرًا وبالغَ المشقَّة". وأرسل الصحفي السوداني رسالة تحذير إلى السلطات بقوله: "اخرجوا إلى الناس، وملِّكوهم الحقائق والمعلومات، لا تختبئوا في الصمت، اخرجوا إليهم قبل أن يخرجوا عليكم".

 

حالة الضيق المفضي إلى السخرية انتابت الشارع السوداني، وهى عادتهم مؤخرًا في مواجهة الأزمات، استخدام سلاح السخرية إزاء تصريحات المسؤولين، والظروف القاسية. فقد كتب أحدهم على صفحته بفيسبوك: "الحياة أقصر من أن نقضيها في صف (بنزين)". 

بينما أرسل العشرات نداءات استغاثة على "جروب" شهير بفيسبوك، يُسمى "وصف لي"، يرجون توجيههم لمحطات الوقود التي تعمل، فيما استخدم البعض أواني منزلية خاصة بالحليب، في تعبئة الوقود بعد أن عثروا مصادفة على محطات تعمل. وأكثر التدوينات الساخرة جاءت في شكل بيع مكان داخل محطة وقود بسعر كبير: "فرصة نادرة لأصحاب المركبات، توجد مساحة محجوزة بالقرب من مسدس التموين، السعر النهائي ألف جنيه غير قابل للتفاوض"!

وبالعودة لحقيقة أزمة الوقود في السودان، فهي أكثر فداحة، على ما يبدو، ولا أحد يعلم من المتسبب فيها، فضلًا عن أن الحكومة لم تتمكن من سد النقص في الوقود باستيراد كميات كافية حتى الانتهاء من صيانة المصفاة الرئيسية، بسبب العجز الاقتصادي وعدم توفر السيولة بالنقد الأجنبي، وفي الوقت نفسه عدم التزام الدول الخليجية بدعم السودان.

تعامل السودانيون بسخرية سوداء مع أزمة الوقود الفادحة التي قد تؤدي إلى موجة جديدة من الاحتجاجات والتظاهرات

ووفقًا لآراء عديدة، فإن الأزمة حال لم يتم تداركها بسرعة سوف تفضي في الغالب إلى موجة جديدة من الاحتجاجات والتظاهرات.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"الرجل البمبان" في السودان.. تصاعد وتيرة الاحتجاجات والقمع والاعتقالات

السودان.. صلوات من أجل اللصوص