22-أغسطس-2019

تتفاقم أزمة الكهرباء في لبنان دون إرادة سياسية لحلها (EPA)

قبل الحرب الأهلية اللبنانية لم يكن اللبنانيون يعانون من أزمة كهرباء، وكانت مؤسسة كهرباء لبنان تؤمن التيار الكهربائي 24 ساعة في اليوم، وكان القطاع الكهربائي منتِجًا ومربحًا لخزينة الدولة.

كلما ارتفعت أسعار النفط عالميًا، زادت خسائر مؤسسة كهرباء لبنان لأن 85% من اعتمادها في الإنتاج على النفط

لكن بعد الحرب الأهلية، أي منذ عام 1992، تغير الحال؛ تضاربت مصالح الأطراف السياسية وتداخلت مع مصالح الرأسماليين ووجدوا بأن هذا القطاع كالدجاجة التي تبيض ذهبًا، وأصبح كل طرف سياسي يتوقع شيئًا من هذا القطاع.

اقرأ/ي أيضًا: خصخصة الكهرباء في لبنان.. فواتير اللحم الحيّ

ارتباط عالمي بالنفط؟

لبنان ليس جزيرة منعزلة عن العالم وأزمة قطاع الكهرباء لا يمكن فصلها عن أوضاع الاقتصاد العالمي، فأسعار النفط العالمية تلعب دورًا رئيسيًا في زيادة العجز في مؤسسة كهرباء لبنان.

وفي حين كان يبلغ سعر برميل النفط العالمي 50 دولار، كانت تقدر خسائر المؤسسة بحوالي مليار و400 مليون دولار، بينما كانت الخسائر تقدر بحوالي مليارين و200 مليون دولار حين قفز سعر برميل النفط  إلى أكثر من 100 دولار.

الكهرباء في لبنان
تمتد أزمة الكهرباء في لبنان منذ 1992 تقريبًا

إذًا، فكلما ارتفعت أسعار النفط عالميًا كلما ازدادت خسائر مؤسسة كهرباء لبنان لأنها تعتمد بنسبة 85% في إنتاج الطاقة على هذه النفط

ماذا يريد الأقطاب السياسيون؟

يعيش لبنان أزمة الكهرباء هذه منذ عقود، ما وفر وقتًا كافيًا لوضع اليد على أسبابها، فهناك العديد من الدراسات التي وضعتها مؤسسات عالمية للطاقة والكهرباء وحتى البنك الدولي، ومع ذلك لا يتحقق منها شيء، فلماذا؟!

وفقًا للخبير الاقتصادي والمالي، غازي وزني، في حديث لـ"الترا صوت"، فإن "العائق الأساسي في حل أزمة الكهرباء، سياسي بامتياز".

يوضح وزني كيف أن الأسباب السياسية منعت وضع خطة وطنية شاملة للكهرباء وتنفيذها، بأنه "كل سنتين إلى أربع سنوات تتغير الحكومة ويتغير معها وزير الطاقة ويتم التلاعب من جديد بكل ملف الكهرباء، وفقًا للجهة السياسية التي تستلم هذه الوزارة".

وكما يتبين، فإن أغلب الأحزاب السياسية في لبنان، قد تعاقبت على وزارة الطاقة، وقدمت منذ 1990، مشاريع وخطط لمعالجة الأزمة دون جدوى، وهم على التوالي: نبيه بري ومحمد يوسف بيضون ومحمد عبد الحميد بيضون وجورج إفرام وإيلي حبيقة (حكومتان) وسليمان طرابلسي وأيوب حميد وموريس صحناوي وبسام يمين ومحمد فنيش وآلان طابوريان وجبران باسيل (حكومتان) وآرثور نظريان وسيزار أبي خليل والوزيرة الحالية ندى بستاني خوري.

ويشير وزني إلى أن "البعض اقترح خصخصة القطاع، معتبرًا أن إفلاس المؤسسة سيؤدي حتمًا إلى خصخصتها بشكل سريع، والبعض اقترح قيام شراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص وتقاسم المهام والمسؤوليات بين القطاعين، وطرف ثالث قال بإصلاح وتوسيع مؤسسة كهرباء لبنان قبل أي عملية أخرى، وطرف رابع لا يريد أن يخسر مصالحه المالية والاقتصادية".

وأضاف وزني: "العجز في المؤسسة يؤدي إلى تحصيل ملايين الدولارات من قبل القوى السياسية وذلك عبر تأمين وبيع المشتقات النفطية للمؤسسة عبر شركات خاصة، ومنها البواخر التي كان من المفترض أن تكون حاجة مؤقتة لمدة سنتين لكنها أصبحت حاجة دائمة والتكلفة المالية التي تتكبدها مؤسسة الكهرباء لقاء أجرة إنتاج الكهرباء من هذه البواخر كفيلة ببناء مصانع تملكها الدولة اللبنانية".

لوبي أصحاب المولدات

من مكرسات الأزمة، استفحال لوبي مؤثر له نفوذ قوي على القرار السياسي، وهو المتمثل في أصحاب المولدات الكهربائية وداعميهم السياسي. وبحساب بسيط يمكن أن تتضح الصورة:

لنفترض أن مولد كهربائي أعطى الكهرباء لـ500 منزل في إحدى الأحياء بسعر 100 دولار شهريًا، يذلك سيدر 50 ألف دولار شهريًا. إذًا هي تجارة مربحة لدرجة يصبح تجاوزها أمرًا من الصعوبة بمكان أن يقبل بها أصحاب المولدات.

أزمة الكهرباء في لبنان
لوبي أصحاب المولدات الخاصة، من الأسباب الرئيسية للأزمة

 ويفتقر لبنان إلى وجود قانون يحكم قطاع الطاقة وينظمها منعًا للاحتكار واستغلال المواطنين، فالمولدات غير شرعية لأنها غير مرخصة، لذلك يصعب السيطرة عليها فلا يمكن لجهاز حماية المستهلك أن يحرر مخالفة بحقهم أو أن يضبط الأسعار ويمنع الإحتكارات والتعديات على الشبكة.

أسباب الأزمة

يعدد غازي وزني أسباب الأزمة في القطاع الكهربائي بلبنان:

1. التعريفة المتدنية: يدفع المستهلك تعريفة متدنية مقارنة بتكلفة الإنتاج، إذ تنتج مؤسسة الكهرباء وتبيع وفقًا لسعر ثابت لبرميل النفط عند 25 دولار، بينما السعر العالمي الآن يزيد عن 55 دولار.

2. عدم وجود بدائل للبترول: لا توجد بدائل للبترول في إنتاج الكهرباء، مثل الغاز الطبيعي أو غير ذلك من المشتقات النفطية منخفضة التكلفة. 

3. ضعف الطاقة الإنتاجية: أيضًا من أسباب أزمة الكهرباء ضعف الطاقة الإنتاجية، إذ تنتج مؤسسة الكهرباء 1500 ميغاوات، بينما يصل الطلب إلى ثلاثة آلاف ميغاوات، ما يستلزم بناء معامل جديدة وصيانة المعامل المهترئة. 

4. مشكلة شبكات الوصل: هناك أيضًا مشكلة شبكات الوصل المسؤولة عن تمديد وإيصال التيار الكهربائي إلى المناطق اللبنانية كافة، وفي مقدمتها مشكلة "شبكة المنصورية" التي "إذا لم تعالج تكون كل المعالجات الأخرى غير مجدية لأن هذه الشبكة تربط التيار الكهربائي في لبنان كله وهي الوحيدة القادرة على نقل الطاقة الإضافية"، كما يقول وزني.

يشير الخبير الاقتصادي أيضًا إلى ضرورة تنظيم وتفعيل الهيئة الناظمة لقطاع الطاقة والكهرباء، وإعادة النظر بمجلس إدارة المؤسسة، وتطبيق قانون الكهرباء الأساسي رقم 462 الصادر عام 2002، وملء الشغور في المؤسسة، إذ إن عدد الموظفين يبلغ الآن حوالي 2500 موظف، بينما تحتاج الشركة إلى حوالي خمسة آلاف موظف، فضلًا عن ضعف تأهيل أغلب الكادر الوظيفي في مؤسسة الكهرباء.

ضغوطات إضافية

ويعاني قطاع الكهرباء من ضغوطات إضافية، في مقدمتها سلوك شريحة من المستهلكين المتمثل في التهرب من دفع الفواتير، والجباية غير المنظمة من قبل المؤسسة، والكثافة السكانية المستمرة بالارتفاع مع انتشار عمراني غير منظم، يسبق عادة تمديد شبكات الكهرباء.

ويشير وزني إلى أن ثمة مناطق عديدة في لبنان لا تدفع رسوم اشتراك الكهرباء، ومناطق أخرى يتم التعليقعلى كابلات مؤسسة كهرباء لبنان، والأجهزة الأمنية غير قادرة على منع هذه التعديات لأسباب سياسية، كما يقول.

وفي حين يشير البعض إلى النازحين السوريين ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين، باعتبارهم من أسباب الأزمة، يوضح وزني أنه في كل الأحوال، يحتاج لبنان لإنتاج ثلاثة آلاف ميغاوات من الطاقة الكهربائية، في حين أن المنتج هو 1500 فقط، لذا لا يمكن الاستناد إلى القول بأن النازحين السوريين ومخيمات اللاجئين سبب الأزمة، فالأزمة سابقة منذ الإنتاج.

كهرباء 24 ساعة

قد يؤدي قرار بالإصلاح الجذري لمشكلة الكهرباء إلى استياء سياسيين، كونه سيتضمن على الأرجح رفع التعريفة على المواطن اللبناني، في حين يتخوف أنه في هذه الحالة، قد ينقلب أنصارهم عليهم، لذا فبقاء الوضع على ما هو عليه، هو الخيار الأسهل بالنسبة للطبقة السياسية.

وفي عام 2013 فقط، خصصت الحكومة مبلغ ملياري دولار لمؤسسة كهرباء لبنان، أي ما يقارب 50% من العجز في الموازنة العامة للحكومة. هذا وتؤدي أزمة القطاع إلى خفض النمو الاقتصادي بنسبة 1% سنويًا بحسب البنك الدولي.

هنا يرى الخبير الاقتصادي غازي وزني، أن اقتصار الحديث على رفع التعريفة ليس حلًا ناجعًا، كونه سيصيب الطبقتين المتوسطة والفقيرة، مشيرًا إلى بديل تنفيذ الخطة الإصلاحية الشاملة التي وضعت عام 2010 والتي كان من المفترض تنفيذها يمكن أن تؤدي بالمواطن إلى دفع فاتورة واحدة مقبولة والتخلص من الفواتير الأخرى والحصول على الكهرباء 24 ساعة يوميًا.

أزمة الكهرباء في لبنان
يزداد الطلب على الكهرباء في لبنان 5% سنويًا، ويتراجع الإنتاج 3% سنويًا!

يُذكر أن الطلب على الطاقة الكهربائية يزداد بنسبة 5% سنويًا، في حين تتراجع القوة الإنتاجية للمعامل الكهرائية بنسبة 3% سنويًا، أي أن هناك فرق 8% سنويًا بين العرض والطلب.

 في حين يزداد الطلب على الكهرباء في لبنان سنويًا 5%، تتراجع القوة الإنتاجية لمعامل الكهرباء بنسبة 3% سنويًا

أما زيادة إنتاج الطاقة من 1500 ميغاواط إلى 3000 ميغاواط سيكلف الخزينة خسائر سنوية تصل إلى أربع مليارات دولار فكلما إرتفعت الطاقة الإنتاجية كلما زادت فاتورة الهدر مما ينذر بأزمة طاقة في المستقبل أخطر بكثير من أزمة النفايات التي مر بها لبنان.

 

اقرأ/ي أيضًا:

القطاع العام في لبنان.. فشل بطعم طائفي

قدرة اللبنانيين الشرائية.. سبات اقتصادي عميق