11-أبريل-2022
أزمة تعصف بالتحالف الحكومي الإسرائيلي (Getty)

أزمة تعصف بالتحالف الحكومي الإسرائيلي (Getty)

مع انشغال الحكومة الإسرائيلية بعمليات مقاومة فلسطينية مستمرة منذ أسبوعين، والتقديرات المرتبطة باحتمالات حصول موجة تصعيد واسعة، أعلنت النائبة في الكنيست الإسرائيلي عن حزب يمينا عيديت سيلمان، يوم الأربعاء، استقالتها بشكلٍ مفاجئ من منصبها كرئيسة للائتلاف الحكومي. هذه الاستقالة فارقة، لأنها تفقد الحكومة الحالية أغلبيتها الهشة في الكنيست، وتجعلها تملك 60 عضوًا مقابل 60 عضوًا للمعارضة (من بينها 6 مقاعد للقائمة العربية المشتركة). حيث لا تزال إمكانية انفراط الحكومة الإسرائيلية واردة. لكن كيف بدأت هذه الأزمة الائتلافية، وما هي السيناريوهات المتوقعة أمامها؟

أزمة تعصف بالتحالف الحكومي في إسرائيل قد تعني انتخابات خامسة في ثلاث سنوات، أو حكومة لا تحظى بأغلبية برلمانية

سياق الأزمة

استقالة عيديت سليمان وتركها حزب رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي نفتالي بينت، جاء بعد اتفاقها مع رئيس المعارضة الحالية بنيامين نتنياهو بترشيحها على قائمة الليكود وحصولها على منصب وزير الصحة. وفي استقالتها التي أرسلتها إلى رئيس الوزراء، قالت "إن هناك شركاء في التحالف غير مستعدين لتقديم تنازلات"، وهي تقصد حزب ميرتس، الذي يشغل رئيسه نيتسان هورويتز منصب وزير الصحة الإسرائيلي، واتخذ قرارًا يسمح بإدخال الخبز أو المأكولات التي تحتوي على خميرة إلى المستشفيات والمراكز الصحية خلال عيد الفصح اليهودي، وهو ما تعتبره الأحزاب الدينية مخالفًا للشريعة اليهودية. وكانت عيديت قبل أيام من تركها التحالف قد عارضت القرار بقوة، واستدعت الهولوكوست، قائلةً إن اليهود التزموا بهذا القانون الديني حتى أثناء المحرقة.

ورغم أن وزير الصحة كان يستعد لعقد اجتماع معها يوم الأربعاء، أعلنت سليمان استقالتها في نفس اليوم دون انتظار الاجتماع، فيما أظهر خطاب الاستقالة ما هو أكثر من الخلاف على هذه الجزئية. فقد أضافت في رسالة الاستقالة "حان الوقت لتشكيل حكومة وطنية ويهودية وصهيونية".

قدمت سيلمان خطوتها باعتبارها ترتكز على مبادئ وتوجهات سياسية، وأن الدافع وراء الخطوة كان أيديولوجيًا. مع ذلك، فإن إدراكها لمستقبلها السياسي الضبابي في حزب "يمينا" الذي لا يبدو أنه سيضمن الكثير من المقاعد في الانتخابات القادمة، وحقيقة أن موقعها في الحزب قد يتراجع، جعلها ربما تفضل كما تقترح بعض التقارير الحصول على مكانةً مضمونةً في حزب الليكود. كما أنها في نفس الوقت، تتلافى من خلال هذه الخطوة أي مسؤولية أمام ناخبي حزب يمينا عن فشل التحالف الحكومي الحالي، الذي لا يبدو يمينيًا بشكلٍ كافٍ بالنسبة لجمهور حزبها.

نتنياهو الفائز الأول

في أعقاب الاستقالة، كان أول المستقبلين لهذا الخبر رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو الذي قال "كنت متحمسًا لسماع عضوة الكنيست سيلمان، وأهنئها نيابةً عن الجماهير الإسرائيلية الذين تمنوا هذه اللحظة". مضيفًا أن عضوة الكنيست عيديت أثبتت أن ما يرشدها ويهمها هو الاهتمام بالهوية اليهودية لدولة إسرائيل. كما اعتبر استقالتها عودةً إلى البيت مرحب بها في المعسكر الوطني. واستمر نتنياهو في محاولة استغلال الحدث، فقد دعا كل نواب اليمين إلى "فعل الشيء الصحيح" وترك الائتلاف الذي باتت أيامه معدودة.

ورغم أن عيديت سيلمان كانت تعتبر جزءًا ثابتًا من الحكومة وكانت التقديرات تتخوف من أعضاء آخرين في حزب يمينا، فقد أشارت وسائل إعلام إسرائيلية إلى أن موقفها من الائتلاف كان قد بدأ يتزحزح في الأيام الأخيرة. ومن خلال قناة اتصال مفتوحة بين زعيم حزب الصهيونية الدينية بتسلئيل سموتريتش وزوج عيديت تم التفاهم على ترك التحالف.

وسيلمان كانت تشغل حتى ما قبل استقالتها رئاسة الائتلاف الحكومي الحالي واللجنة الصحية في الكنيست، وهي عضوة في الكنيست منذ عام 2019. وبدأت نشاطها السياسي في الحزب الديني القومي، ولاحقًا انتقلت للبيت اليهودي ومن ثم إلى حزب يمينا، كما سبق وعملت كمعلمة، وشغلت عدة مناصب إدارية في أكبر منظمة للخدمات الصحية في إسرائيل. ولذلك كانت مسيرتها في الكنيست تركز على التشريعات المرتبطة في النظام الصحي، كما تنشط في منظمات مناهضة للإجهاض.

حكومة ضد نتنياهو على نهج نتنياهو

الحكومة الإسرائيلية الحالية التي اعتبرت حكومة تغيير، وجاءت بعد حوالي عشر سنوات من استمرارية بنيامين نتنياهو في رئاسة الوزراء، لم يجمعها سوى هدف واحد هو إسقاط شخص بنيامين نتنياهو من الحكومة، وهذا ما ساهم في جمع منشقين عن حزب الليكود، مع حلفاء سابقين له مثل بيني غانتس ونفتالي بينت، وأحزاب تحسب على اليسار/ الوسط مثل يوجد مستقبل والعمل وميرتس، بالإضافة إلى القائمة العربية الموحدة.

مع ذلك، فإن الحكومة الحالية لا تختلف جذريًا عن سابقاتها. فكما توضح مديرة المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية- مدار، هنيدة غانم، فإن نهج الحكومة الحالية لم يتغير عن السابقة، خاصةً فيما يخص القضية الفلسطينية، موضحةً "أن نتنياهو وضع اللاءات، لا لدولة فلسطينية، لا للانسحاب من مناطق "ج"، ولا لوقف الاستيطان، والتي تحولت إلى إجماع وعلى أساسها تستمر الحكومة الإسرائيلية بالعمل، بمعنى آخر أن نتنياهو هو من وضع حدود وخطة الحكومة الإسرائيلية الحالية" التي تعارضه.

على هذا النحو، فإن ما جمع التحالف الحكومي الحالي، كما يقترح مراقبون، هو أقل بكثير مما يفرقه. إذ إنه ليس هناك خلاف حقيقي مع نهج نتنياهو الأيدولوجي يعطيه أي شرعية، كما أن التنوع غير المسبوق في التحالف يعطي خلافات بشأن قضايا هامشية أو لا تتعلق بالفلسطينيين وقعًا كبيرًا.

ماذا سيحصل؟

السيناريوهات المتوقعة حاليًا أمام الحكومة الإسرائيلية الحالية تتمثل في التالي:

  • السيناريو الأول، أن ينسحب عضو آخر أو أكثر من الائتلاف الحكومي، وبذلك يمكن أن يطرح قانون حجب الثقة عن الحكومة وأن يمر القانون، ويتم التوجه إلى انتخابات خلال 3 أشهر. وهذا القرار في حال طرحه من المعارضة التي يترأسها نتنياهو يحتاج إلى دعم القائمة المشتركة. حيث تواجه القائمة ضغوطًا من قبل أعضاء في الائتلاف من أجل الوصول إلى تفاهم يساهم في دعم الحكومة، أو منع حلها في الفترة الحالية على الأقل. ويكتسب موقف القائمة المشتركة تعقيدًا خاصًا، حيث إن هناك تيارات يمينية متطرفة في كل من التحالف والمعارضة، أي تيارات بينت- شاكيد في الحكومة الحالية، ونتنياهو في المعارضة.
  • في سيناريو ثانٍ محتمل بشكل أقل، تشير صحيفة جيروزاليم بوست إلى إمكانية انشقاق وزير الأمن الحالي بيني غانتس والذي يمتلك حزبه 8 مقاعد في الكنيست والانضمام إلى المعارضة، على أن يصبح رئيسًا للوزراء. لكن يبدو هذا خيارًا مستبعدًا نظرًا لعلاقة غانتس السيئة مع نتنياهو، وإلى تصريحات غانتس المتمسكة بالحكومة رغم خلافاته الكبيرة في الآونة الأخيرة مع نفتالي بينت. كما أن رئيس الوزراء المناوب، الذي سيحصل على المنصب في العام القادم، يائير لابيد، وفي أول تصريح له منذ بداية الأزمة الحالية، قال إنه سوف يبذل قصارى جهده من أجل الحفاظ على الائتلاف الحالي. وانضم إليه وزير المالية أفيغدور ليبرلمان، الذي قال "آخر شيء نريده هو الذهاب إلى انتخابات خامسة خلال 3 سنوات".  وكان بينت قد تحدث مع قادة أحزاب الائتلاف، وقال إن كل الأحزاب تريد استمرار الحكومة، أما وزير الصحة من ميرتس والذي كان في قلب الأحداث، فقد قال إن الأزمة في الائتلاف يجب ويمكن أن تحل، وحزب ميرتس شريك مسؤول وملتزم في الاستمرار بالحكومة.
  • السيناريو الأخير، هو أن تستمر الحكومة الحالية لكن دون فاعلية كاملة لها، خاصةً أنها لن تستطيع تمرير أي قانون من ناحية مبدئية، مع إمكانية تمرير قوانين توافق عليها أحزاب اليمين من الجهتين، مثل قانون منع لم شمل الفلسطينيين، الذي عارضه أعضاء في الائتلاف، ولكنه مر بأصوات المعارضة اليمينية التي تقاطعت مع أحزاب اليمين في الائتلاف وتوجهات وزيرة الداخلية ايليت شاكيد. في كل الأحوال، فإن الحكومة الإسرائيلية حاليًا في عطلة حتى بداية شهر أيار/مايو القادم، وسوف تستمر حتى ذلك الوقت، ويمكن أن تبقى في الحكم حتى بداية العام القادم عند طرح قانون الميزانية، الذي يسقط الخلافُ عليه الحكومات في إسرائيل خلال الفترة الأخيرة.

اليمين يضغط على اليمين

في حين لا يبدو أن هناك انشقاقات لأحزاب كاملة تلوح في أفق الحكومة الحالية، إلا أن أحزاب اليمين في الائتلاف تتعرض لضغوط كبيرة. على سبيل المثال وقبل يومين، عقدت أحزاب اليمين والمستوطنين تظاهرات في مدينة القدس تحت اسم "إسرائيل تنزف" تحدث خلالها نتنياهو وطالب أعضاء اليمين في الحكومة الحالية بـ"العودة إلى البيت"، معتبرًا الحكومة الحالية ضعيفة أمام إيران وأمام سلسلة العمليات الأخيرة.

شملت هذه الاحتجاجات تظاهرة أمام منزل عضو الكنيست عن حزب يمينا نير أورباخ مطالبةً إياه بالتخلي عن الحكومة الحالية، ليقوم أورباخ بالتهديد بالاستقالة من الحكومة في حال عدم تلبية شروطه. ووضع أورباخ 3 شروط من أجل أن يستمر في الحكومة، وهي مطالب يبدو أنها قدمت بالاتفاق داخل حزب يمينا. حيث طالب بإعادة إعانات الرعاية لطلاب المدارس الدينية، التي كان يخطط وزير المالية أفيغدور ليبرمان، من أجل إزالتها، ليتم الاتفاق على عدم المساس بها، من أجل الحفاظ على الحكومة.

كما طالب بانعقاد مجلس تخطيط مستوطنات الضفة الغربية المتوقف منذ 6 أشهر، من أجل المصادقة على بناء 4000 وحدة استيطانية جديدة في الضفة الغربية. وطالب بربط البؤر الاستيطانية، التي تعتبر غير قانونية حتى لدى الحكومة الإسرائيلية، بالكهرباء في خطوةٍ نحو شرعنتها. ويعطل هذه المطالب وزير الأمن بيني غانتس بالإضافة إلى أعضاء في حزب ميرتس. أما ضغوط أحزاب اليمين المعارضة، فهي مستمرة على أعضاء حزب يمينا مثل أيليت شاكيد ونير أورباخ وآبير كارا.

بحسب استطلاع القناة 12 الإسرائيلية بعد انشقاق يوم الأربعاء، فإن الكتلة الائتلافية الحالية سوف تحصل على 56 مقعدًا وكتلة نتنياهو على 58 مقعدًا

وبحسب استطلاع القناة 12 الإسرائيلية بعد انشقاق يوم الأربعاء، فإن الكتلة الائتلافية الحالية سوف تحصل على 56 مقعدًا وكتلة نتنياهو على 58 مقعدًا والقائمة المشتركة على 6 مقاعد، وهذه نتائج متقاربة مع استطلاعات أخرى، تشير كلها إلى استمرار المأزق السياسي الحالي في إسرائيل، وعدم امتلاك أي كتلة سياسية إمكانية تشكيل حكومة لوحدها.