16-أغسطس-2023
المؤرخ العراقي الراحل جواد علي وكتابه المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام (الترا صوت)

المؤرخ العراقي الراحل جواد علي وكتابه المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام (الترا صوت)

هذه المساحة مخصصة لأرشيف الثقافة والفن، لكل ما جرى في أزمنة سابقة من معارك أدبية وفنية وفكرية، ولكل ما دار من سجالات وأسئلة في مختلف المجالات، ولكل ما مثّل صدوره حدثًا سواء في الكتب أو المجلات أو الصحف، لكل ذلك كي نقول إن زمن الفن والفكر والأدب زمن واحد، مستمر دون انقطاع.


لم يكتب أحدٌ من المؤرخين المعاصرين تاريخ العرب قبل الإسلام كما فعل المؤرخ العراقي جواد علي (1907 – 1987). فالأمر لا يتعلق هنا بأبحاثٍ ودراساتٍ متفرقة تتناول جوانب معينة دون غيرها، بل بنتاجٍ موسوعي متخصص في تاريخ العرب قبل الإسلام يتألف من 18 مجلدًا صدرت 8 منها بعنوان "تاريخ العرب قبل الإسلام"، و10 بعنوان "المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام".

ولد جواد علي في منطقة الكاظمية بالعاصمة بغداد عام 1907، وأكمل دراسته الابتدائية والثانوية في مدارس المدينة قبل سفره إلى مدينة هامبورغ لمتابعة دراساته العليا في جامعتها عام 1933، أي العام الذي وصل فيه أدولف هتلر وحزبه النازي إلى السلطة في ألمانيا. وقد كتب الراحل عدة مقالات نُشرت في مجلة "الرسالة" حول أفكار النازيةوعقيدتها الدينية والمالية. وفي عام 1939، حصل على شهادة الدكتوراه عن أطروحته "المهدي المنتظر"، وعاد مطلع الأربعينيات إلى بلده.

تُعتبر موسوعة جواد علي "المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام" مرجعًا أساسيًا لكل باحث ودارس ومهتم بتاريخ العرب قبل الإسلام

عمل علي بعد عودته إلى العراق في مجال التدريس، وكان من أوائل أعضاء المجمع العلمي العراقي الذي تأسس عام 1947، وتولى أمانته العامة. وفي هذا الوقت، واصل صاحب "أصنام الكتابات" أبحاثه ودراساته التاريخية، ونشر بين عامي 1940 – 1987 عشرات المقالات والدراسات في مجلات "الرسالة"، و"المجمع العلمي العراقي"، و"الثقافة" حول مواضيع مختلفة، مثل الصلاة لدى المسلمين، والأذان في الإسلام، والفلسفة الإسلامية، ومواد تاريخ الطبري، وتدوين الشعر الجاهلي، والبحث العلمي عند العرب والمسلمين، وغيره.

وكان، في الوقت نفسه، يواصل اشتغاله على موسوعته الأولى "تاريخ العرب قبل الإسلام"، التي صدرت عن المجمع العلمي العراقي في 8 أجزاء بين عامي 1951 – 1961، وموسوعته الثانية والأهم "المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام"، التي ضمّت 10 أجزاء نُشرت في بيروت بين عامي 1968 – 1974.

تُعتبر الموسوعة الأخيرة مرجعًا أساسيًا لا بد منه لكل باحث ودارس ومهتم بتاريخ العرب. وتبدو، في أحد جوانبها، سيرة شبه مجهولة للعرب قبل الإسلام بناها المؤرخ العراقي على مصادر تاريخية غنية ومتنوعة، وحفظ عبرها ذاكرة العرب من الاندثار والتزوير، إذ تتناول الموسوعة مختلف نواحي الحياة عند عرب ما قبل الإسلام، سواء السياسية والاجتماعية والدينية، أو حتى العلمية والأدبية والفنية والتشريعية.

يقول الراحل في تقديمه للموسوعة إن التأريخ عنده: "تحليل ووصف لما وقع ويقع، وعلى المؤرخ أن يجهد نفسه كل الإجهاد للإحاطة به، بالتفتيش عن كل ما ورد عنه، ومناقشة ذلك مناقشة تمحيصٍ ونقد عميقين، ثم تدوين ما يتوصل إليه بجده واجتهاده تدوينًا صادقًا على نحو ما ظهر له وما شعر به، متجنبًا إبداء الأحكام والآراء الشخصية القاطعة على قدر الاستطاعة".

يُوضح الراحل في قوله السابق أسلوبه في التأريخ وكتابة فصول موسوعته التي تناول في مجلدها الأول لفظة العرب، والجاهلية ومصادر التأريخ الجاهلي، وإهمال التأريخ الجاهلي وإعادة تدوينه، وطبيعة جزيرة العرب وثرواتها وسكانها، وطبيعة العقلية العربية، وطبقات العرب، والعرب العاربة والعرب المستعربة، وأنساب العرب، وطبقات القبائل.

ويبحث في بقية مجلدات الموسوعة في علاقة العرب باليونانيين والرومانيين، والدولة المعينية، وممالك حضرموت والنبط وتدمر وكندة والغساسنة، ومنها إلى مكة ويثرب والطائف حيث يستعرض الحالة السياسية في جزيرة العرب قبل الإسلام، وتفاصيل الحياة اليومية فيها، ومفهوم الدولة وما يعنيه في ذلك الوقت، والغزو والحروب، والأحوال الشخصية، والعقود والالتزامات.

ويفرد صاحب "تاريخ الصلاة في الإسلام" حيزًا واسعًا لأديان العرب، والتوحيد والشرك، ورجال الدين وشعائره، والحج والعمرة، وبيوت العبادة. ناهيك عن اليهود، والنصرانية بين الجاهليين، والتنظيم الديني، وعادات وأساطير الجاهليين، وأثر الطبيعة في اقتصادهم، وحياتهم الاقتصادية والتجارية والصناعية، وكذلك الفنون والكتابة والتدوين والدراسة والتدريس والفلسفة والحكمة والكتّاب والعلماء ومواضيع أخرى كثيرة.