16-ديسمبر-2015

متظاهرون سودانيون في أم درمان، في أيلول/ سبتمبر 2013

هل ننتظر دمًا جديدًا تتشرَّبه الشوارع، أم كانت رسالة الحكومة السودانية بقتل المتظاهرين في أيلول/سبتمبر 2013 واضحة لكل من يفكِّر في الاحتجاج علنًا على سياساتها؟ لا تبدو الإجابة واضحة، ربما حتى للحكومة نفسها، التي طلب وزير ماليتها في الأسبوع المنصرم من البرلمان "تمرير" غلاءٍ موعود في موازنة العام الجديد، تحت مظلة "رفع الدعم"، عن سلع القمح والكهرباء والوقود.

ستنفذ الحكومة السودانية ما تريد، وإن احتج الناس سينتظرهم الموت بالرصاص

الناشطون السودانيون في مواقع التواصل الاجتماعي، شنوا حملة على طلب الوزير، تستند إلى أنه "لا يوجد دعم أصلًا" للسلع، في ظل بيع الحكومة للوقود بأكثر من سعره عالميًا، ليخلصوا إلى أن الأمر لا يعدو كونه مراوغة كاذبة من أجل رفع الأسعار، لمقابلة الصرف الحكومي، في ظل ضائقة اقتصادية وصل فيها سعر الدولار الأمريكي إلى أكثر من أحد عشر جنيهًا سودانيًا مع مؤشرات للتصاعد، وهو ما لم يحدث من قبل.

كل ذلك يرافقه ضجر واتهامات تطال الحكومة ورموزها، تعج بها "ونسة" السودانيين في مركبات المواصلات العامة، دون أن يخفي كثيرون نفاد صبرهم، كون التهديد وصل هذه المرة إلى "لقمة العيش" حرفيًا، بإدراج القمح في لائحة السلع الموعودة بالزيادة.

ومع أن الحكومة عوَّدتنا على مضيها دائمًا فيما تعتزمه مهما كلف الأمر، إلا أن الملاحظ هذه المرة أنها لم تلجأ -حتى الآن- إلى خطاب القوة المعتاد، الذي كانت تبتدر به مثل هذه الإجراءات، ويفيد بأنها ستفعل ما تريد ولن تهتم باحتجاج محتج. هذه المرة بدا وكأن طلب الوزير، في جانب منه؛ يمثل "جسَّ نبض" للشارع لمعرفة إلى أي حد يُتوقع أن يصل رد فعله. يضاف إلى هذا بعض أصوات محسوبة على الحكومة نفسها، تعالت -خوفًا من المستقبل ربما- مطالبة بالتراجع عن هذا العزم.

لكن مهما يكن من أمر، فإن زيادة الأسعار واقعة تحت كل المسميات، إن كان "رفع دعم"، أو أي مسمى آخر. فقبل عدة أشهر أجاز القطاع الاقتصادي للحزب الحاكم ما سماه "رفع الدعم"، ويعلم السودانيون أن الحزب الحاكم هو الحاكم حقًّا والمسيطر على مفاصل البلاد، ليس البرلمان ولا الوزارات التنفيذية ولا غيرها. فالبرلمان الذي يسيطر عليه الحزب الحاكم وحلفاؤه، أثبت في محكات عدَّة، أنه ديكور فقط يجمِّل قبح الديكتاتورية في السودان.

في ظل تفاقم أزمات الغاز والمياه والكهرباء، وعلى خلفية ما حدث قبل عامين حين امتلأت الشوارع بحشود المحتجين على الغلاء، يبدو لوهلة وكأن الحكومة هذه المرة "تقامر" بتكرار ذات الأسباب التي أشعلت الثورة من قبل، في لعبة قد تربحها مرة أخرى، لكن الناظر إلى الحال في السودان يرى أن السودانيين سيخسرون في كل الأحوال. ستنفذ الحكومة ما تريد، وإن احتج الناس سينتظرهم الموت بالرصاص، وإن لم يحتجوا فسيكون الموت جوعًا، معلَّقًا على نوافذ البيوت. فما الذي يحمله العام الجديد 2016؟ لا يتفاءل أحد -اقتصاديًا على الأقل- بتحسن الأوضاع أو حتى ببقائها على ما هي عليه الآن. فخلا مذاق الموت في بلاد تموت منذ وقتٍ، لا يلوح في الأفق إلا مزيدًا من الموت.

اقرأ/ي أيضًا:

فصول من قصة أيلول السوداني الدامي

أنا مع حصار بلادي!