15-نوفمبر-2015

التضامن متواصل مع شارلي إيبدو (Getty)

ست هجمات إذن وستة مواقع وثمانية إرهابيين، قُتل سبعة منهم بتفجير أنفسهم. تلك هي حصيلة مساء الجمعة الدامية في مدينة الأنوار، هجمات أودت بحياة ما يقرب من مائة وثلاثين شخصًا وجرحت حوالي مائة وثمانين آخرين، ثمانون منهم في حالة حرجة. 

دقة هجمات باريس ما كانت لتتم إلا من خلال تسهيلات أجهزة مخابراتية، بشكل غير مباشر

نعم هذة الحادثة ليست كحادثة "شارلي إيبدو" التي حدثت قبل أشهر، وكانت تفوح منها رائحة الكراهية المضادة لفعل كتّاب تلك الصحيفة وإصرارها على نشر صور مسيئة للنبي محمد، وأذكر أنها ليست كذلك؛ للاختلاف أولًا في طريقة التنفيذ التي بدت بدائية ناهيك عن عدد القتلى والأسلوب كذلك.

ما حدث من استهداف العشرات في الشوارع والمقاهي واحتجاز رهائن، ينبئ بأن تلك العملية تمت "بحرفية" تكاد تكون الأولى في الأراضي الأوربية منذ أربعة عقود، ولا يمكننا أن نلاحظ هذا إلا إذا تنبهنا إلى تزامن وقت التنفيذ واختيار المواقع بعناية. فأن يفجر ثلاثة انتحاريين أنفسهم في بدلية تلك الليلة بالقرب من ملعب فرنسا الدولي حيث يتواجد ما يقارب ستين ألف متفرج، وبوجود الرئيس الفرنسي في تلك المباراة، فهذا يعني أن رسائل عديدة بعثت بهذا الفعل، أهمها بيان ضعف أجهزة الاستخبارات الفرنسية وعدم قدرتها حتى على حماية الرئيس، وثاني تلك الرسائل تحمل استطاعة المهاجمين ومن جنّدهم الوصول إلى أي مكان يريدونه. في السياق نفسه، ثمة أسئلة لا بد من طرحها، من بينها: لماذا فرنسا ولماذا في هذا التوقيت؟ لماذا عقب نشاطها في الشرق الأوسط، ولماذا كانت تركيا قبلها وهي التي تحمل نفس الأفكار تقريبًا فيما يخص الصراع الدائر في سوريا؟

من المتوقع أن المنفذين لتفجيرات باريس وأحداثها أمس أن يكونوا فعلًا إرهابيين يتبعون لفكر تنظيم القاعدة، أو تنظيم الدولة الإسلامية، إلا إن دقة العمليات ما كانت لتتم إلا من خلال تسهيلات أجهزة مخابراتية بشكل غير مباشر –وهذا لا يعني أن تنظيم الدولة عميل أو صنيعة مؤامرة - ربما تسعى لإرجاع فرنسا داخل السرب فيما يخص قضايا الشرق الأوسط وتحديدًا المسألة السورية. هذا لا يمنع بالطبع من القول إن "الجهاديين المتعولمين" قد تجاوزوا خطوات كبيرة في الأسلوب المتبع والقدرات الذاتية التي مكنتهم من هذا الفعل الشائن.

 يبدو أنّ التقارب الواضح بين الرؤية الفرنسية والرؤية السعودية بخصوص رحيل الأسد، ورفض فرنسا الصريح للعمليات الروسية هناك، والغارات الجوية التي تنفذها بحق تنظيم الدولة الإسلامية، هي أهم الأسباب التي أدت إلى مقتل مائة وثمانية وعشرين شخصًا في باريس البارحة، وهذا لا يعني بطيعة الحال أنّ الولايات المتحدة ليست سعيدة، فكما نعلم أن القطب الواحد يسعى دائمًا لقيادة القطيع.

ستترجم هذه الأحداث المقيتة سياسيًا على أرض الواقع عما قريب، فسيتفق الفرقاء جميعًا فيما سيبدو اتحادًا عالميًا لقتال الإرهاب "الإسلامي" وحشد كل الجهود للقضاء عليه، أما فيما يخص مصير النظام السوري فسيبقى الباب مفتوحًا على احتمالات كثيرة تبعًا لتفاهمات الدول الكبرى.

وبينما تنهال برقيات التعزية والتضامن الدولية على الرئيس الفرنسي، وبينما تسود حالة الهلع داخل مهد الحريات العالمية، في هذا الوقت بوسعي أن أرى ابتسامة الرئيس الروسي فلاديمر بوتين وعلى شفاه الرئيس السوري وحاشيته كذلك، بالإضافة إلى الكثيرين من أتباع تنظيم الدولة وتنظيم القاعدة. لا نملك إلا الدعاء للضحايا بالرحمة والمواساة لذويهم على هذا العمل الإجرامي، ولكن علينا ألَّا ننسى حال جالياتنا العربية هناك، وأن نتمنى لهم السلامة خوفًا من ردود الفعل الانتقامية، ولنتذكر دائمًا أن الدم لا يجلب إلا دمًا.

اقرأ/ي أيضًا:

هجمات باريس.. تعليق على ما حدث

كلما هممت بالصعود إلى مترو الخيالات في باريس