27-نوفمبر-2015

جاسم محمد/ العراق

قالت لي صديقة ذات يوم: حين سألني ابني ما هو الله؛ أطفأتُ الأضواء حتى بات العتم يخفي كل شيء في الغرفة، ورحتُ أوجه ضوء "البيل" بشكل متقطع على أرجاء المكان، وهو يلاحق الضوء ويرى ما يفعله بالمكان الذي يُوجَّه إليه، وأجبته: هكذا هو الله. 

مَن يحقُّ له مصادرة الله؟ وكيف وكّل اللهُ شخصًا أو فئة للتحدث باسمه؟

كان مفاد الدرس أن الله نور ولكن لا يمكنك أن تمسكه، يكفيك أن تشعر به وتحبه. فيما أذكر أيضًا أن إحدى الصديقات قالت لي: أنا متصالحة جدًا مع الله ولا أشعر بالحرج منه مما أفعله أيًا كان، لأنه يعلم ما بداخلي.

الآن وأنا أستذكر هذين الموقفين وفي وقت تعالت فيه الأصوات الرافضة لقرار إعدام شخص -بغض النظر عن معتقده- باسم الله، أتساءل هذا السؤال الأزلي: مَن يحقُّ له مصادرة الله؟ وكيف وكّل اللهُ شخصًا أو فئة للتحدث باسمه؟ إنّ ما يجب الوقوف عنده حين نتساءل هكذا أسئلة هو: كيف يتم توظيف فكرة الله حسب مقتضيات الحاجة؟ والحاجة هنا تتضمن السياسة والمادة والمجتمع، وصولًا إلى ما تمّ تكريسه تحت بند العادات والتقاليد. 

وبنظرة سريعة جدًا سنرى أمامنا الله –حسب الناطقين باسمه- بقعةَ دمٍ كبيرة تتنقل بين البلاد. حروبٌ كنسيةٌ تنطلق باسم الرب المقدس، وإرهاب منظمٌ يباشر أعماله الدموية تحت راية الله، قتلٌ بدمٍ بارد يُفتتح باسمه، أطفال ونساء وشيوخ ورجال وبيوت وبلاد تلاقي حتفها لأنها تؤمن بإله غير إله القاتل، إذًا ليس الله واحدًا لدى الجميع، فمنذ أن نَصَّبَ فرعون نفسه إلهًا وحتى يومنا هذا يعاني الإنسان من تعدد الله في الحياة، والتعدد هنا مخلوق مشوّه عن النور الحقيقي الذي يدعوا للمحبة والسلام، التعدد هو ما أنجزه الناطقون باسمه، والمصادرون لكلّيته وعموميّته لصالح مآربهم الضيقة والتي لا تخرج عن دائرة الخاص. 

هل هناك حرب جرت منذ أول البشرية حتى اليوم لا تحمل على ظهرها اسم المقدّس؟ هل يعترف طرف ما أيًا يكن ما يحارب في سبيله أن قتلاه ليسوا شهداء؟ ثمّ أليست الشهادة مفهومًا فضفاضًا يحمل ضمنيًا التعدي على حقوق الله في تسمية من يستحقها بها بناء على معرفة الله بخفايا الصدور؟ 

سيتجنب الكثيرون قراءة هذا، وهو حقٌّ مُصانٌ لهم حيث يرفض كل شخص أن يتجرأ أحد على كسر حاجز المقدّس عن الأرضيّ الذي يقدّسونه لأنه ظِلُّ السماويِّ على الأرض، ولكن ما يجب التعويل عليه هو هذا النزوع الجديد في فهم الله بعيدًا عن الناطقين باسمه، مما يعني أننا أمام مرحلة تفتّحِ الأذهان والعيون على كل الخطايا التي تتمّ بمباركة رجالات الأديان من مختلف الأنواع والأشكال، فمن رجل دين يقرأ الصلوات على الصواريخ التي تتجه لصدور الآمنين الضعفاء، لرجل دين يُبارك للغزاة قتلهم لأبناء جلدته ويبايع على حمل السلاح جنبًا إلى جنب مع الغازي الوافد، وليس انتهاء بناطق يكبّر باسم الله وهو يقطع الرؤوس والأيادي ويتفنن في القتل.

الله كلمة فلا تجعلوا منه مسبّةً، الله محبة فلا تحيلوه بُغضًا، الله نورٌ فلا تصيّروه ظلامًا

وبحكم اعتيادنا على مشاهد الدم التي طغت على كل شيء كان يجب ألا نلتفت لقرار دولة ما بإعدام إنسان عبّر عن فهمه لله وِفقَ منظوره، عبّر عن الله الذي ضمن للجميع حرية الإيمان به أو الكفر به طالما سيعود الجميع إليه وسيحاسب جميع خلقه بما يتسم به من رحمة وعدالة. الله كلمة فلا تجعلوا منه مسبّةً، الله محبة فلا تحيلوه بُغضًا، الله نورٌ فلا تصيّروه ظلامًا.

أذكر مقطعًا للشاعر خالد جانسيز يحضّ فيه على معرفة الله بعيدًا عن كل المهووسين بمصادرته إذ يقول: "يجوز الإلهُ شريطة ألا تكون الملوك ظلالًا له/ ويجوزُ إذا الأرض ضاقتْ ولم تتسع لاحتمال سواهُ". يا من تنطقون باسمه فكّوا أسره واتركوا للناس أن يعرفوه.

اقرأ/ي أيضًا:

أشرف فياض.. هزيمة لكل شيء

أشرف فياض.. أسئلة على الهامش