28-أكتوبر-2020

غرافيتي لماكرون في غزة (Getty)

يستغرب الكثير من الهجمات الشرسة ضد العرب والمسلمين في المشهد السياسي والإعلامي في العالم الغربي؛ ومع تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا فإن الوضع يزداد تعقيدًا، خاصة أن الدراسات الجادة التي تحاول مقاربة هذا الوضع قليلة جدًا ومحتشمة.

قد تبدو تصريحات قادة الدول الكبرى حول الإسلام تخدم أجندات سياسية تروم بواسطتها المحافظة على أكبر قدر ممكن من الاحتياط الانتخابي، لكن الأمر ليس كذلك

يبدو للوهلة الأولى بأن تصريحات قادة دول كبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا حول الإسلام تخدم أجندات سياسية تروم بواسطتها المحافظة على أكبر قدر ممكن من الاحتياط الانتخابي، ولكن الأمر أعقد بكثير، إذ يدرجه الدارسون ضمن مجال التمثلات التي تنتج في الحواف بين الدول في أزمنة الهجرات الكبرى.

اقرأ/ي أيضًا: ماتياس إينار: الفصل بين الشرق والغرب مصطنع

تطورت الكثير من المعطيات الديموغرافية مع التغيرات الكبرى التي عرفتها البشرية في الأزمنة الحديثة، فهناك هجرات سكانية رهيبة غيرت الخريطة الإثنية في العالم بسبب الحروب والاستعمار والتقلبات المناخية والتوزيع غير العادل لثروات العالم المرسمل، ولعل أهم ما تولّد في هذه التحولات لأول مرة في تاريخ الفكر وعي يفكر في المنفى كموضوع في حد ذاته، وليس غريبًا أن ينبري لهذه المهمة مثقفون عاشوا تجربة المنفى كغيرهم من المهاجرين الذين ينحدرون من طبقات دنيا معظمها تيممت مصانع الشمال/الميتروبول من أجل لقمة العيش.

حينما نركز فقط على الطبقة المهاجرة المثقفة فإننا سنستدعي رتلًا من المفاهيم التي تطورت في مجال علم اجتماع الهجرات الذي كتب فيه عالم الاجتماع الجزائري عبد المالك صياد كتابًا مهمًا بعنوان "الغياب المزدوج"، تحت إشراف عالم الاجتماع الفرنسي المعروف بيير بورديو، اختار صياد عينة من الجزائريين الذين غادروا ذويهم إلى فرنسا للعمل في كل المجالات، وتوصل إلى أن ما يربط بينهم هو ذلك الشعور بالغربة، غربة مزدوجة، غربة في أوطانهم وغربة في موطن الهجرة، إنها حالة وجودية تجسد إحساسًا بالاقتلاع والاستئصال والاستحالة والصعوبة في الاندماج مع غيرية مركبة ودائمة التحول. حينما نعود إلى الأعمال المتأخرة لمحمد ديب وآسيا جبار تتبين لنا هذه الحقيقة؛ حقيقة أن تكون في اللاموضع وأن تتحقق هويتك المهجنة في ابتعادك قدر المستطاع عن الهوية المغلقة.

على غرار علم الاجتماع، اهتمت الدراسات ما بعد الاستعمارية بالمنفى كاحتفاء، بل راح إدوارد سعيد يبلور مفهومًا جديدًا للمثقف، بعيدًا عن المفاهيم السائدة مثل المثقف الدريفوسي والنقدي والمضاد والتقليدي والعضوي، إن المثقف الذي يبجله إدوارد سعيد هو مثقف المنافي الذي يعيش وضعية يناضل فيها على جبهتين، جبهة يحاول فيها تشريح الأنا وتفكيكها وتتجلى في البنية الفكرية الأرثودوكسية في الثقافة المحلية، وجبهة يحاول فيها فضح الآليات التنميطية والعنصرية، تتبين في الخطاب الاستشراقي الملوث بإيديولوجية تنتج احتقار الأغيار وتعيد إنتاج تمركز غربي عرقي.

لا ينكر أي متتبع قيمة هذا المثقف الفكرية والسياسية، ولكن لا بد أن نفرق بين مثقف مهاجر يعي دوره النضالي بالوقوف مع المهمشين والشغيلة وضحايا العنصرية، ومثقف يخدم مصالحه الطبقية بخدمة مصالح القوى الإمبريالية، لهذا بالمقابل مع مثقف المنافي لا بد أن نسلط الضوء على المثقف الكومبرادوري، أو كما يسميه المفكر إعجاز أحمد والمفكر حميد دباشي المخبر المحلي.

عندما يصرح الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون بأن الإسلام في أزمة فهو ينطلق من تمثلاث أنتجها العقل الاستشراقي

حينما نعود إلى معترك التمثلات في الإعلام الغربي الذي يخدم المصالح الإمبريالية والصهيونية بطريقة مفضوحة، لا بد أن نطرح السؤال التالي: من يتكلم عن العرب والإسلام، من يعتبر مرجعًا في قضايا تفسير ظاهرة الإرهاب الإسلاموي ومسائل الانعزالية واستحالة الاندماج؟ إن من يحدد الإسلام والعروبة للأسف هو هذا النوع من المثقفين الكومبرادوريين، لكي يحافظوا على امتيازاتهم ومصالحهم الطبقية يبتعدون عن الحقيقة ويشوهون، بل ويشيطنون صورة العربي والمسلم خدمة وتأجيجًا لرهاب مصطنع. والأخطر من ذلك أن هذا النوع من الخبير/المخبر أصبح مرجعًا للكثير من المفكرين المشوهين بتعبير باسكال بونيفاس.

اقرأ/ي أيضًا: كيف خلق الفن صورًا نمطية عن العرب؟

لهذا السبب، لا نتعجب، مثلًا، من التصريحات الغريبة حول الإسلام مؤخرًا، التي صدرت من أفواه مثقفين فرنسيين يمكن اعتبارهم من الدرجة الثانية، ونقصد بذلك إيريك زمور وبرنارد هنري ليفي وميشيل أونفري وألان فانكلكروت ولوك فيري. فهؤلاء جميعًا لم يقرؤوا عن الإسلام عند لوي ماسينيون وجاك بيرك وهنري كوربان، لأن مراجعهم كانت رثة استعانت بمثقفين عرب وغير عرب لم يتعمقوا في الإسلام. على العكس نجد أن ما عرفه إدغار موران وبيير بورديو  وروجيه غارودي وميشيل فوكو كان بعيدًا عن الوسائط الهزيلة الحالية، ويحق لنا التعجب والتساؤل مع المؤرخ العبري شلومو صاند حينما كتب عن نهاية المثقف الفرنسي، عن تساهل المثقف الفرنسي خصوصًا، والمثقف الغربي عمومًا، في التعامل مع القضايا الإسلامية المعقدة، ومعه الحق حينما يتعجب من بعض المثقفين مثل أونفري إذ يسمح لنفسه بالكلام عن الإسلام وهو لا يعرف عن العربية شيئا.

إذا كان هذا حال المثقفين فكيف هو إذًا حال السياسيين، عندما يصرح الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون بأن الإسلام في أزمة فهو ينطلق من تمثلاث أنتجها العقل الاستشراقي في مرحلة ما تعد سجلًا تنميطيًا عن هذه الديانة، وهو، زيادة على أجنداته السياسية كما ذكر أعلاه، رهين أفكار عدائية ساهم في تكريسها اليمين المتطرف واللوبي الصهيوني وجماعة من المثقفين العرب الكومبرادوررين. ويتماشى كل هذا مع عودة السياسة الشعبوية المناهضة للمهاجرين العرب، وهي سياسة تذكرنا بمناخات معاداة للسامية في نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين مع تزايد هجرات اليهود من روسيا إلى غرب أوروبا.

في الأخير، رغم الجهود المبذولة من الجالية العربية في سبيل تعزيز التواجد الإيجابي للمهاجرين العرب إلا أنه ما زال الكثير أمام المثقفين الرافضين للعمالة الرخيصة لتطهير الصورة النمطية حول المسلمين، والشروع في تأسيس لوبي حقيقي ينافس اللوبي الصهيوني المتحالف مع القوى الإمبريالية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

عنصرية ضد لون العيون

الدراسات الثقافية الفلسطينية.. أداة مقاومة