06-يناير-2017

محمود اشنكوف/ اوزباكستان

تبدو عبارة "صحافة المواطن" مرتبطة بشكل كليّ وفعلي براهنية جملة من التغييرات والتحولات الاجتماعية والسياسية، وتعتمد بقدر كبير على التطورات التقنية التي بدأ يرتكز عليها العالم مؤخرًا، بكل وسائله واحتياجاته. ومع تلك الثورة التقنية تغير مبدأ الحصول على المعلومة والصورة، وبالتالي تغير معها شكل وآلية إدارة هذه المعلومة، فأنت مطلع على فضاء شاسع من البيانات يتيح لك فرصة امتلاكها تعديلها وإضافتها.

"صحافة المواطن" عبارة مرتبطة بشكل كليّ وفعلي براهنية جملة من التغييرات والتحولات الاجتماعية والسياسية

وصارت معها المسؤولية جماعية وكلية حول مفهوم "المواطن الصحفي" أيضًا الذي صار بإمكانه القيام بكل ما سبق، وضف عليه صياغة الخبر ونشره واعتماده. ليس انطلاقًا من التغيير فحسب، بل من الضرورة كذلك التي جعلت كلًا منا يحمل معه هاتفًا متطورًا، وبإمكانيات عالية تمكنه إن أراد من توثيق كل ما يراه، هذا ما وسع فضاء الصحافة المتداولة، وجعل مساحة التشكيك على قدر مساحة التصديق والقبول.

اقرأ/ي أيضًا: التطهير قائم لا محالة

وعلى ذلك فقد حملت الكثير من الصور الصحفية عبئًا كبيرًا لإيصال وتكثيف المجريات على الأرض، فالكثير منها غيّر مجرى الأحداث السياسية وأثّر على شكل الحراك والصراع ولعبت دورًا مصيريًا وحاسمًا مرات عديدة.

 

بالنسبة لسوريا فقد فعّل الإعلام البديل الحراك السوري بشكل لم يسبق له مثيل في يوميات السوريين، بالتزامن مع ثورة تطور الكاميرات الرقمية والهواتف النقالة وأنظمة تشغيلها، كما أخذت حدود هذا الإعلام تتسع حين أصبحت مهمة التوثيق والنشر خيارًا ضروريًا، وتزامن ذلك مع ازدياد أهمية وفعالية الميديا ووسائل التواصل الاجتماعي في مجال الاستخدام اليومي.

كما اعتُمد بشكل أساسي على كل الاستطاعة التي أتاحتها الميديا، وريثما لعبت دورًا كبيرًا بتغيير مسار الحدث، وبلورة ظروف سياسية واجتماعية، خلقت مناخًا خاصًا دار فيه الحراك السوري. تلك الصور التي مثلت جوهرًا وداعمًا إنسانيًا وسياسيًا ولازمة حيوية للناشطين والفاعلين على الأرض، حتى بدأت المواد السورية تأخذ حيزًا هامًا من مساحة السوشيال الميديا، تتناقل أخبارها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأُحدثت صفحات ومواقع إخبارية مهتمة بشأنها، هذا التدفق الهائل لعشرات آلاف الصور والفيديوهات، جعل الكثافة الصورية بحجم كثافة الحدث، وكان ذلك بديًلا أكثر واقعية عن كل التهميش الذي تعرضت له سوريا في تاريخها الطويل.

سلسلة من الصور استطاعت تغيير شكل الحراك كان من أهمها صور المظاهرات الأولى وفيديوهات توثق الاحتجاجات، إلى جانب أخرى كانت أكثر دموية كإطلاق الرصاص والقصف، وصولًا إلى صور الأطفال وصور كثيرة سرعان ما تحولت إلى أيقونة تختصر العنف. وغيرها الآلاف شملت كل الجغرافيا السورية المتأزمة سياسيًا واجتماعيًا، وصولًا لصورة الطفل إيلان المتوفى على إحدى الشواطئ التركية، التي خلقت جدلًا في الإعلام العربي والعالمي، وكانت نتيجته تقلص خارطة العالم والحدود أمام اللاجئيين السوريين وشرعية حقهم باللجوء والأمان.

كيف سيحفظ أو يُبدد العالم كل هذا المخزون من الصور والفيديوهات؟

اقرأ/ي أيضًا: قراءة في مشاهد مصرية صميمة

وآخرها صورة الطفل عمران، التي أخذت على عاتقها لفت الأنظار عالميًا لما يحدث في أحياء مدينة حلب والطريقة التي تباد فيها المدينة، هذا التدفق الهائل للصور وقسوتها في كثير من الأحيان دفع للتشكيك بمصداقيتها أحيانًا، وتأويل الغاية منها على نحو استخباراتي لم يكن حكرًا على أطراف الصراع فقط، بل شمل مفكرين وصحفيين غربيين، مثل الصحافي البريطاني روبرت فيسك ومقاله المشكك بالمجازر الحاصلة في مدينة داريا خلال عام 2012، وليس انتهاءً بمقال الصحفي الفرنسي تييري ميسان حول جمالية الصورة في دعاية الحرب، والذي أحال كل هذا التدفق الصوري عبر خمس سنوات إلى مؤامرة صنعتها أجهزة المخابرات البريطانية، ناسفًا كل الشهادات الحيّة والصور الصادرة من قلب الحدث، ومئات التقارير التي نشرتها وسائل إعلام ومؤسسات حقوقية ومدنية حول العالم، واضعًا العالم تحت تأثير وسيطرة موارد الميديا المتدفقة وفقًا لبروباغندات الحرب.

على جانب آخر، تحديدًا بما يخص العلاقة العاطفية بين الصور والمتلقي العادي، والمتزامنة مع مجازر حاصلة على الأرض، يصبح معها تأثير الصور لايتعدى حدوث هذا التأثر العاطفي، فتختار وتنتقي بعضها ذات الدلالات العاطفية وأخرى يبدو كادرها أقوى وأكثر تأثيرًا. نتأمل جماليات خراب تلك الأمكنة وبؤس تلك الشخوص نربطها بكوادر السينمائية لأفلام كنا قد تأثرنا بها، فينتهي بنا الأمر عند رثاء المدينة في صورة. حيث تتوالى المجازر وتتوالى معها الصور يصبح من البديهي التساؤل: كيف سيحفظ أو يُبدد العالم كل هذا المخزون من الصور والفيديوهات التي تصل يوميًا وبأشكال مختلفة؟ 



اقرأ/ي أيضًا:

هل القومية العربية مشروع رومانسي؟

عام جديد بإرث قديم