15-أبريل-2024
المفكر العربي عزمي بشارة خلال المقابلة

المفكر العربي عزمي بشارة (التلفزيون العربي)

اعتبر المفكر العربي عزمي بشارة أن الرد الإيراني على هجوم "إسرائيل" على القنصلية الإيرانية في دمشق "تطوّر كبير ومهم"، يمكن قراءته في سياق الحرب الإسرائيلية في لبنان وسوريا وإيران نفسها، ضدها وضد القوى المتحالفة معها. كما يمكن قراءته بمعزل عن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، سيما أن ردود إيران على العدوان تنطلق من لبنان واليمن لا من الأراضي الإيرانية مباشرةً.

وأوضح بشارة في مقابلة على "التلفزيون العربي"، مساء أمس الأحد، أن "إسرائيل" هي من بدأ التصعيد في هذه الحرب، حيث مثّل قصفها للقنصلية الإيرانية في دمشق انعطافًا وتصعيدًا جوهريًا لم يكن بوسع إيران عدم الرد عليه، مؤكدًا هنا على أهمية هذا الرد لكونه الأول من نوعه سواء لناحية انطلاقه من الأراضي الإيرانية، أو لجهة حجمه وإن لم يكن الأثر كبيرًا.

وفي تعليقه على ردود الفعل العربية على الهجوم الإيراني، أعاد بشارة انقسامها بين ردود ترى أن الهجوم سيغيّر المنطقة ويهز "إسرائيل"، وأخرى تدعي بأن ما حدث كان مجرد مسرحية؛ إلى الانقسامات المعدة سلفًا إضافةً إلى غياب مشروع عربي في المواجهة.

أعاد بشارة فشل مفاوضات التهدئة في قطاع غزة إلى عدم وجود أي تفاهم على أي قضية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي

ولفت بشارة في هذا السياق إلى "شيء من اليتم العربي"، حيث العرب متروكون كأيتام على موائد المشاريع الدولية الأخرى في المنطقة، وتحديدًا بين إيران وتركيا و"إسرائيل". ومن نتاج هذا "اليُتم العربي" إسقاط العرب لأمنياتهم وأحلامهم بل وحتى خيباتهم، في مواقع التواصل الاجتماعي، على قوى أخرى.

ورأى المفكر العربي أن الرد الإيراني كرّس، مجددًا، عدم رغبة إيران بالحرب التي أكد أنها غير معنية بالذهاب إليها لأسباب واعتبارات عدة، من بينها معارضة الشعب للحرب، وعدم قدرة اقتصادها على تحمل فاتورتها، إضافةً إلى الحفاظ على مشروعها في المنطقة وما حققته فيها، أي السيطرة على العراق وسوريا ولبنان وصولًا إلى البحر الأحمر، التي لن تضحي بها لا من أجل فلسطين ولا غيرها، بحسب تعبيره.

وأشار إلى أن إيران بدت حريصة على أن يفهم العالم أنها مضطرة إلى الرد لكنها لا تريد حربًا، سيما أن استعدادها للرد كان شبه مُعلن، وأنها أعطت الطرف الآخر أيامًا ليستعد، لافتًا إلى أن هذه العملية كان يمكن أن تحقق أكثر بكثير مما حققته لو أنها حصلت دون سابق إنذار.

وقال بشارة إن الهجوم الإيراني كشف "أوركسترا حقيقية" في المنطقة للدفاع عن "إسرائيل" وليس عن فلسطين، متحدّثًا هنا عن تحوّل تطبيع بعض الدول العربية مع "إسرائيل" إلى تحالفات ترى إلى الخطر الإيراني بوصفه القضية الأساسية في المنطقة وليست "إسرائيل"، لافتًا إلى أن الهجوم الإيراني قد عبّر عن ذلك بوضوح، حيث دافعت قوى عربية عن "إسرائيل" عسكريًا في مواجهة الهجوم، لكنها لم تفعل ذلك مع غزة.

إسرائيل بحاجة إلى مساعدة الآخرين

ورغم أهميته، يرى بشارة أن الضرر الذي ألحقه الهجوم الإيراني بـ"إسرائيل" محدود جدًا. وتحدّث، في هذا السياق، عن مشاركة عدة دول في رصد الصواريخ والمسيّرات لأجل التصدي لها بدقة، ما يعني أن "إسرائيل" احتاجت إلى مساعدة الآخرين لمواجهة الهجوم الإيراني، وليس هذا بالأمر الجديد، حيث لفت المفكر العربي إلى أنه حاصل في الحرب على غزة التي لا تستطيع "إسرائيل" الاستمرار بها من دون الذخائر الأمريكية.

ويتضح مما سبق، ووفق قراءة بشارة، أن "إسرائيل" ليست فقط غير قادرة على مهاجمة إيران وحدها، بل حتى الدفاع عن نفسها في مواجهة الهجمات الإيرانية وحدها، وكذلك اتخاذ قرارات مثل الحرب على إيران. لكنه لم يستبعد أن يكون هناك رد إسرائيلي على الرد الإيراني ولكن ضمن سقف محدد لا يصل إلى نوع وحجم الرد الإيراني.

وفي السياق نفسه، قال بشارة إن قدرة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، على اتخاذ قرار مثل الحرب على إيران محدودة لأسباب واعتبارات عدة، منها مشاركة الأجهزة الأمنية و"كابينت" الحرب في القرار، وموقف الولايات المتحدة الأمريكية وهو الأهم، إذ لن يكون نتنياهو قادرًا على الذهاب إلى حرب ضد إيران دون موافقتها.

أما بشأن الدعم الغربي لـ"إسرائيل" عقب الهجوم الإيراني، فقد أكد بشارة أن الأمر ليس مستغربًا في ظل موقف الحكومات الحليفة لـ"إسرائيل" والمنحازة لها. وشدد، ضمن هذا السياق، على أن موقف الأنظمة لم يتغيّر من "إسرائيل"، سيما أن بعضها منحاز لها أصلًا، ومن بينها دول عربية، وستقف معها في السراء والضراء. ولكن من دون أن يعني ذلك أنهم يرونها ضحية بالفعل.

فشل مفاوضات التهدئة وتبادل الأسرى

أما على صعيد الحرب الإسرائيلية على غزة ومفاوضات التهدئة، فقد أعاد بشارة فشل هذه المفاوضات إلى عدم وجود أي تفاهم على أي قضية بين الجانين الفلسطيني والإسرائيلي، في ظل تمسك "إسرائيل" بهدنة مؤقتة مقابل إطلاق حركة المقاومة الإسلامية "حماس" سراح الأسرى الإسرائيليين لديها، وإصرارها على مواصلة الحرب والبقاء في غزة.

وفيما قال إن الولايات المتحدة داعمة لاستمرار الحرب على غزة، أكد بشارة أن موقف "حماس" وحركات المقاومة بصورة عامة هو وقف الحرب بالدرجة الأولى، الأمر الذي لا يمكن أن يتحقق دون انسحاب "إسرائيل" من غزة. ولذلك، وكما يوضح بشارة، يبقى إيهام الرأي العام بأن نتنياهو مهتم بموضوع الأسرى وتحريرهم هو الدافع الإسرائيلي للاستمرار في التفاوض.

وأكد صاحب كتاب "من يهودية الدولة حتى شارون" أن أولوية نتنياهو هي مواصلة العمليات العسكرية إلى أن يتأكد من عدم قدرة "حماس" على القتال، وليس تحرير الرهائن الذين توهم حكومته الرأي العام بأنهم أولوية من خلال الاستمرار في التفاوض.

قال بشارة إن الرد الإيراني كرّس عدم رغبة إيران بالحرب التي أكد أنها غير معنية بالذهاب إليها لأسباب واعتبارات مختلفة

وجدَّد بشارة تأكيده على أن مقترحات التهدئة لا تحمل أي ضمانات لوقف دائم لإطلاق النار. وقال إن "إسرائيل" ترفض بصراحة ووضوح الانسحاب الكلي من قطاع غزة، ولم تغيّر كذلك موقفها من وقف إطلاق النار وفك الحصار والانسحاب، مشيرًا إلى أن التغيّرات التي طرأت على صعيد المساعدات حصلت بضغط أمريكي لعدة أسباب بينها الشعور العالمي بالعار.

وشدَّد مدير عام المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات على أن الحرب الإسرائيلية ليست ضد "حماس" وإنما ضد أهل غزة، الذين يُقتلون دون أن يسأل أحد. وأشار إلى أن الموضوع استنزف تمامًا لدرجة أن بعض الإسرائيليين يقولون إن كل ما يمكن تحقيقه قد تحقق، وبالتالي لا معنى لاستمرار هذه المأساة الإنسانية.

لا دولة دون وقف الحرب

وفي ما يتعلق بالحديث الراهن عن الاعتراف بدولة فلسطينية، قال بشارة إنه لا معنى لدولة دون وقف الحرب على غزة وزوال الاحتلال. وأكد أن الاعتراف بدولة دون أرض ودون ممارسة السيادة قضية معنوية لن تؤدي إلى أكثر من رفع ممثليات السلطة إلى سفارات. لكنه، مع ذلك، يرى أن هذه الخطوة يمكن أن تكون إنجازًا سياسيًا في حالة واحدة فقط، وهي الاعتراف بالدولة على حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967، وهذا يشمل القدس المحتلة.

واعتبر بشارة أنه بغير ذلك يُجهَض النضال الفلسطيني لفكرة الدولة بتعويض إزالة الاحتلال بألقاب، بينما الأمر الرئيسي بالنسبة للشعب الفلسطيني هو إزالة الاحتلال. وفي حال لم يُذكر ذلك في الاعتراف، فقد يكون لهذه للخطوة أثر سلبي بحسب قراءته.

وقال بشارة إن منح لقب "دولة" للسلطة الفلسطينية، التي ذكّر بأنها نتاج اتفاق أوسلو الذي تنازل من وقّع عليه عن حركة تحرر وطني معترف بها ومحترمة دوليًا مقابل سلطة وظيفية دون سيادة، هو خداع يؤدي عمليًا إلى إجهاض النضال الفلسطيني.

أشار المفكر العربي إلى أن الهجوم الإيراني كشف "أوركسترا حقيقية" في المنطقة للدفاع عن "إسرائيل" وليس عن فلسطين

وتحدّث، في هذا السياق، عن ترتيب أمريكي للاعتراف بدولة فلسطينية من دون تحديد الحدود، وهو أمر لا يخدم الفلسطينيين لأن الإنجاز الدبلوماسي في حال تحديد الحدود، وكما يوضح بشارة، يكمن في أن هذه المناطق لم تعد في خانة المتنازع عليها، بل تصبح الدولة الفلسطينية بحدود معروفة، وبالتالي لا تعود قضية الحدود قضية تفاوضية لا نهاية لها في ظل وجود طرف قوي يقول: لا.

ويرى بشارة أن هذا الإنجاز الدبلوماسي موضع شك لسببين: صرف النظر عن قضية وقف الحرب على غزة، ومحاولة الولايات المتحدة منع تحديد الحدود. وشدد هنا على أنه، لمواجهة ذلك، ينبغي على السلطة الفلسطينية القول بأنها لا تريد الاعتراف بدولة من دون حدود الرابع من حزيران.

وأشار المفكر العربي، في سياق حديثه عن الحراك الجاري في الضفة الغربية والاستنفار الشعبي الفلسطيني غير المسبوق في حركات الاحتجاج في كل مكان، إلى أنه ثمة من بدأ يسأل عمّن يمثّل الفلسطينيين فعليًا، سيما أن هناك جيل كامل لا يعرف منظمة التحرير الفلسطينية، التي لفت إلى وجود نقاش حول قضية إعادة بنائها بحيث تمثّل الشعب الفلسطيني فعليًا وليس فقط معنويًا. واختتم بشارة حديثه بالتأكيد على ضرورة وجود صوت فلسطيني يعبّر عن الموقف في مواجهة ما يخطط له دوليًا سواء لليوم التالي للحرب على غزة أو غير ذلك.