لا تنفك مسألة الهجرة تتصدر لائحة القضايا الأهم في خطط عمل الاتحاد الأوروبي، الذي دأب دائما على البحث عن استراتيجيات لردع وصول اللاجئين، من خلال قمعهم في محطات مثل ليبيا والمغرب ودول أخرى، حتى لا تتضطر دوله إلى التعامل معهم على حدودها. لكن حتى بالنسبة لأولئك الذين يصلون إلى الحدود الأوروبية، فإن السلطات ترفض في بعض الأحيان استقبالهم، مثل ما حدث مع سفينة أكواريوس. ويكشف هذا التقرير المترجم عن صحيفة "الغارديان البريطانية" تفاصيل ما حدث في نهاية الأسبوع الفائت، وتداعياته على سياسة الهجرة التي يتبعها الاتحاد الأوروبي.
اتهم رئيس أكبر شبكة للمساعدات الإنسانية في العالم أوروبا بخيانة قيمها الأساسية، وذلك بسبب تجاهل محنة سفينة الإنقاذ أكواريوس Aquarius، إِذْ وصل أخيرًا 630 شخصًا جرى إنقاذهم على متنها، إلى إسبانيا بعد قضاء ثمانية أيام في مواجهة اليأس والموانئ المُغلقة والبحار الهائجة.
كشف رفض مالطا وإيطاليا استقبال المهاجرين الذين جرى إنقاذهم قبالة سواحل ليبيا عن مدى الخلل في سياسة الهجرة الأوروبية
وكشف رفض مالطا وإيطاليا استقبال المهاجرين واللاجئين الذين جرى إنقاذهم قبالة سواحل ليبيا نهاية الأسبوع الماضي عن مدى الخلل في سياسة الهجرة داخل الاتحاد الأوروبي، فيما أدان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إيطاليا لرفضها استقبال السفينة قائلًا إن روما تصرفت "باستخفاف وعدم مسؤولية".
لم يستقر مصير هؤلاء الذين كانوا على متن سفينة أكواريوس إلا بعد أن عرضت الحكومة الإسبانية الجديدة استقبالهم للمساعدة على تفادي "كارثة إنسانية".
اقرأ/ي أيضًا: "طلبكم مرفوض".. هل انتهى ربيع اللاجئين في أوروبا؟
وفي معرض حديثه عن وصول ركاب السفينة إلى بلنسية يوم الأحد، أشاد الحاج آس سي، الأمين العام للاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر (IFRC)، باستجابة إسبانيا لكنه قال إن أوروبا قد خذلت نفسها.
وصرح آس سي لصحيفة الغارديان قائلًا، إن "هناك قيم تعبر عن القيم الثقافية والقيم الحضارية، وكثيرًا ما ينظر العالم إلى أوروبا بسبب هذه القيم، ليس لأن أوروبا مدينة بها للعالم بالفعل، بل لأنها تجسد تلك القيم. هذا ما تمثله أوروبا، وهذا ما تُروِّج له في دبلوماسيتها وسياستها وثقافتها وحضارتها".
وأردف قائلًا أنه "عندما يتعلق الأمر في الوقت الحالي بتطبيق هذه القيم والترحيب بالأشخاص الذين هم بحاجة إلى ذلك، من خلال التضامن والرعاية والدعم والإنسانية، فإن الإخفاق في القيام بذلك يعد بوضوح خيانة لتلك القيم".
وحتى بعد الاضطرابات السياسية التي شهدتها الأيام القليلة الماضية، قال سي إن الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر (IFRC) لا يزال يتوقع أن تقوم بقية الدول الأوروبية "باتخاذ إجراءات تجاه ذلك الأمر مثلما فعلت إسبانيا".
وعندما سُئِل عما إذا كان موقف الحكومة الإيطالية قد خلق سابقة خطيرة، أجاب قائلًا "آمل ألا يحدث ذلك. وبالرغم مما حدث، وهو ما نأسف له، لا يمكننا أن نغفل حقيقة أن إيطاليا كانت ترحب بعشرات الآلاف من اللاجئين على مر السنين".
ورددت منظمة أطباء بلا حدود (MSF) التي تدير سفينة أكواريوس إلى جانب جمعية SOS Méditerranée الخيرية كلمات آس سي القوية.
وقالت كارلين كليجر، رئيسة قسم الطوارئ بمنظمة أطباء بلا حدود (MSF): "تعد هذه الحلقة بأكملها مؤشرًا على فشل سياسات الهجرة واللجوء الأوروبية. إنه الوقت المناسب لكي يُقدِّم السياسيون الأرواح على السياسات. فإذا ما نظرت إلى سياسات اللجوء والهجرة الأوروبية، تجد أنه لم يعد هناك وجود للإنسانية. فلم يعد الأمر متعلقًا بالبشر بل بإدارة الحدود. لقد فقدنا أرواحنا".
وأضافت كليجر قائلة إن مواجهة ركاب سفينة أكواريوس وعدم استقبالهم، والخمسة أيام التي استغرقتها السفينة في الإبحار إلى إسبانيا، حدّ من قدرة السفينة على البحث والإنقاذ. وأردفت قائلة: "قد يتسبب ذلك في خسارة أرواح".
وقد نُقِل مئات الأشخاص ممن كانوا على متن السفينة إلى سفينة تابعة للبحرية الإيطالية وزورق تابع لخفر السواحل الإيطالي هذا الأسبوع، بعد أن اقترحت إسبانيا ميناء بلنسية على أنه ميناء آمن. ووصل زورق خفر السواحل في تمام الساعة 6:20 صباح يوم الأحد، وتبعته سفينة أكواريوس بعدها بخمس ساعات، وبعد ذلك بساعتين، وصلت السفينة التابعة للبحرية.
واستقبل الصليب الأحمر الركاب، وبينهم ما لا يقل عن 7 نساء حوامل و104 طفلًا، فضلًا عن الأشخاص الذين تلقوا علاجًا لانخفاض درجة الحرارة والحروق، على رصيف الميناء وقدّمت لهم الفحوص الطبية.
ونُقِل هؤلاء الذين يحتاجون إلى علاج عاجل إلى المستشفى، فيما نُقِل آخرون إلى مركز الاستقبال في الميناء حيث تُوزع الإمدادات الغذائية والملابس والحفاضات ومستلزمات النظافة الشخصية. وكانت هناك لافتة ضخمة معلقة على المخيم المؤقت كُتب عليها "مرحبًا في وطنكم" باللغة الفالنسية (الكاتالونية) والإسبانية والإنجليزية والفرنسية والعربية.
تضمنت العملية أيضًا التي قامت بتنسيقها الحكومة الإقليمية في فالنسيا 400 مترجم شفوي وموظف من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR، الذين جاءوا لمساعدة الركاب الفارّين من الحرب أو الاضطهاد على طلب اللجوء.
اقرأ/ي أيضًا: عنصرية ضد اللاجئين في أوروبا.. من المهاجرين أيضًا!
ومن بين هؤلاء الذين جرى إنقاذهم أشخاص من نيجيريا والسودان وجنوب السودان وإريتريا وغانا وباكستان وأفغانستان. وعلى الرغم من أن جميع الركاب الذين يصل عددهم إلى 630 نزلوا في إسبانيا، فقد عرضت حكومة ماكرون استقبال أي شخص يرغب بالاستقرار في فرنسا بمجرد الانتهاء من الإجراءات اللازمة.
وقال ألويس فيمارد، منسق منظمة أطباء بلا حدود MSF على متن سفينة أكواريوس، إن الرحلة إلى إسبانيا كانت صعبة، في ظل الأمواج التي تضرب القارب ويصل ارتفاعها إلى أربعة أمتار مما يصيب الناس بالأمراض.
وبين أن العديد من الأشخاص ذكروا أنهم تعرضوا للتعذيب والاعتداء الجنسي والاستعباد أثناء انتظارهم العبور من ليبيا.
وأضاف قائلًا: "سمعنا قصصًا مروعة. يخبرنا الناس كيف أنهم تعرضوا لمستويات عالية من العنف – تصل إلى حد التعذيب، بما في ذلك العنف الجنسي. وللأسف تتشارك النساء هذه الأنواع من القصص بشكل شائع، لكننا جمعنا أيضًا عددًا كبيرًا من الشهادات من الرجال الذين تعرضوا لهذا النوع من العنف. لقد أجبروا على مشاهدة الرجال وهم يُغتصبون داخل زنازينهم أثناء وجودهم في الأسر".
ذكر العديد من الأشخاص أنهم تعرضوا للتعذيب والاعتداء الجنسي والاستعباد أثناء انتظارهم العبور من ليبيا
وقال فيمارد إن أحد النيجيريين أخبره بأنه أُجبِر على العمل القسري في ليبيا. "عندما كان يغادر زنزانته، رأى امرأة حاملًا بدت حالتها سيئة للغاية وظهرت عليها المعاناة. كانت المرأة مستلقية على الأرض وحسب وأراد أن يسألها عن شعورها. عندها تعرض للضرب من قبل الحراس لأنه اعتنى بهذه المرأة. واضطر إلى تركها وعندما عاد من العمل، سمع أن المرأة قد ماتت".
ومن المُقرر أن يناقش زعماء أوروبا الهجرة واللجوء خلال قمة من المزمع عقدها نهاية هذا الشهر. ووصف وزير الخارجية الإسباني الجديد، جوسيب بوريل، قرار الدولة بالترحيب بركاب أكواريوس بأنه كان "عملًا رمزيًا للغاية"، يهدف إلى إخراج أوروبا من دائرة "سياسات النعامة" فيما يتعلق بقضية المهاجرين.
وأعرب سي عن أمله بأن يتضمن اللقاء الاعتراف "بالهجرة على أنها موقف يمكن إدارته بطريقة إنسانية وليس كأزمة أو مشكلة يجب حلها". ودعا إلى القيادة والشجاعة والإنسانية و"حوار أكثر هدوءًا حول الهجرة بدون نيران وانفعالات السياسة. إذ يمكن للنظر إلى الأمر بطريقة أكثر واقعية أن يساعد على معالجة تلك القضايا ذات الأهمية البالغة".
وقال إن بلدانًا مثل لبنان والأردن وتركيا وأوغندا استقبلت ملايين اللاجئين فيما بينها، مع ضجة أقل بكثير من التي جرت عند وصول 630 شخصًا إلى أوروبا.
وأضاف سي: "أتطلع إلى اليوم الذي يمكن لأي سفينة مثل أكواريوس أن ترسو على رصيف أي ميناء في أوروبا أو أي جزء آخر من العالم دون إثارة هذه الاهتمامات الإعلامية ودون إثارة أي ضجة أو استثناءات".
اقرأ/ي أيضًا:
أبرز التحديات التي تواجه الطلبة اللاجئين في أوروبا
فظائع الجرائم ضد اللاجئين والمهاجرين.. متى تُحاسب عليها "الجنائية الدولية"؟