23-فبراير-2021

دريد لحام خلال اللقاء

ثمة ميل عام لدى إعلامي محطات التلفزة العربية المحلية، كما الفضائية، ومن يشرف عليها إلى التعامل مع العاملين في الوسط الفني من مخرجين وممثلين دراميين وغيرهم كمثقفين عموميين، لديهم وجهات نظر مستحقة في القضايا العامة، الأمر الذي يفرض على الإعلامي الجيد إعداد العدة لاختيار قضايا ساخنة أو خلافية، تمكن المثقف ـ الضيف من الإدلاء بدلوه المعرفي على نحو مبهر وخلاق.

ثمة ميل عام لدى إعلامي محطات التلفزة العربية إلى التعامل مع العاملين في الوسط الفني كمثقفين عموميين

في برنامج "شربل يستقبل" الذي تبثه قناة "CNN بالعربية"، عمد الرجل إلى رفع قامة ضيفه دريد لحام إلى مصاف المثقفين الكبار منتشيًا بترديد عبارة "أهلًا بالكبير دريد"، تاركًا لنا أن نكتشف سر كبر وعظمة هذا النجم الدرامي، الذي تُرك له الحبل على الغارب ليضرب بأفكاره وتصوراته العجائبية خبط عشواء. ففي رده على سؤال شربل الافتتاحي "ما رأي الكبير دريد بثورات الربيع العربي؟"، أجاب المثقف المتحذلق بأنه ضدها على طول الخط ودون تردد حتى، "فكيف لثورة أن تدعي التغيير أو الخير ولا تجلب معها سوى الخراب، انظر، ألا ترى كيف حولوا سوريا إلى ركام؟". الأمر الذي يدفع المرء لترك مسافة نقدية بين ما يقوله الرجل وحقائق الأمر الواقع، مستعينًا على ذلك بالعدة المفاهيمية التي استخدمها المفكر عزمي بشارة في مقالته البحثية "عن المثقف والثورة".

اقرأ/ي أيضًا: في برنامج "في أمل".. دريد لحام خائن لضميره

إذا كان لمفهوم المثقف الواسع أن يسمح بإدراج لحام في فضاء عباءته المفاهيمية، استنادًا لطبيعة عمله التي تسمح له العيش من قوة عمله الفكرية، ذلك أنها المكون الأول في تعيين حدود المثقف في الفضاء المجتمعي، وفق بشارة طبعًا، مضافًا إليه اهتمامه العمومي بهموم الناس ومشاكلهم في الحياة والسياسة كمكون ثانٍ، فإن افتقاده للحس النقدي عبر رفضه الانحياز لرغبات الناس في التغيير عبر الثورة، أي من خارج الأطر الدستورية التي تجيزها دولة الأسد، يقذف به فورًا خارج الإطار المعنوي لمفهوم المثقف، لينحدر به إلى مستوى الداعية المخابراتي برتبة عريف، الذي لاهمَّ له سوى تبرير سلوك الطغاة والعمل على تمجديهم.

المنطقي والعقلاني في حديث دريد لشربل جدّ قليل، ذلك أنه مليء بالتناقض الذي يميز المنطق العاطفي وفق تصنيف غوستاف لوبون لأنواع المنطق التي تحكم السلوك البشري، ففي الوقت الذي نراه، يدعو الناس للتمسك بالأمل والتفاؤل في معرض سعيهم لتحقيق أحلامهم الشخصية، نراه متطيرًا من رغبتهم في الحصول على حريتهم السياسية ذاتها من حكم آل الأسد. وفي حين يعرض علينا إحباطه من جدوى العمل الفني في إصلاح أحوال الناس وأخلاقهم في الدولة الأسدية ذاتها، نراه لا يتوقف عن البحث عن أدوار جديدة تمثل تفاهة قيمهم الأخلاقية في ظل هذه الدولة، وهي حالة من التضاد العاطفي لا يمكن للمرء أن يفهمها إلا إذا أخذ بعين الاعتبار المنطق الذي يحكم سلوكه الأخلاقي، القائم على النظر إلى إنتاجه المسرحي كنوع من التهريج والتنفيس، كما النظر إلى أدواره الدرامية كمصدر للتكسب والتربح لا أكثر ولا أقل.

مسكين دريد لحام في ضيافة شربل، يحاول ما يستطيع ليكون نوعًا من المثقفين الكبار المهمومين بقضايا أمتهم وشعبهم، إلى درجة عدم ممانعته الانخراط كمتطوع مغمور في أي مشروع تنويري قد يصلح أحوالهم المتردية، إلا أن حالة العزة بالإثم سرعان ما تتلبسه، حيث يصر على اتخاذ وضعية القائد والمعلم الوطني، الذي لن تأخذه الرأفة بكل من يتعدى على حدوده وقيمه.

ففي المرة التي سأله شربل إذا ما كان يعتبر نفسه ينتمي إلى المسرح السياسي، تجهم وأرغى وأزبد كموقف احتجاجي، صارخًا على مثل هذه المقايسة المجحفة في حقه، ذلك أن انتماءه الحقيقي ليس للسياسة بما فيها من طمع وتنافس على السلطة، وإنما للوطن الرحم الذي يحتضن الجميع على نفس القدر من المساواة بغض النظر عن انتماءاتهم الأهلية أو المذهبية، والذي أقسم أنه إذا ما انتهى أمر ناسه إليه لجعله مزرعة كبرى للجماجم البشرية، تفوق في دمويتها وعنفها مجازر الإبادة الجماعية التي نظمها بشار من قبله في حق السوريين.

يرى دريد لحام انتماءه الحقيقي ليس للسياسة بما فيها من طمع وتنافس على السلطة، وإنما للوطن الرحم الذي يحتضن الجميع على نفس القدر من المساواة!

عادة ما يرتبط النضج العقلي عند الإنسان بالتقدم بالعمر، ذلك أن التجربة عادة ما تصقل المعرفة النظرية للمرء كما سلوكه الأخلاقي له معًا، إلا عند لحام فبدلًا من أن يميل للصدق عند إنصاف منجزات زملائه الفنية، كأن يذكر الحالة الفنية الفريدة التي مثلها ياسر العظمة في مجال الكوميديا كما الدراما معًا، نراه يتجاهله لصالح فنانات نكرات، وبدلًا من أن ينصف فرادة محمد الماغوط في كتابة العمل المسرحي، نراه يسطو على إرثه الفني جاعلًا من نفسه شريكًا أصيلًا له في صياغة نصوصه المسرحية، كل ذلك دون أن يلحظ أنه ينحدر إلى الكذب الزلال، الذي يدعي وقف نفسه على محاربته.

اقرأ/ي أيضًا: بين دريد لحام وخالد أبو النجا

في رده على فكرة شربل في إمكانية تحويل سيرته الذاتية إلى فيلم أو مسلسل حاله في ذلك حال النجوم الكبار كعبد الحليم وأم كلثوم، لم يمانع الرجل، ولم يشترط سوى شرط وحيد يتعلق بعنوان تلك السيرة التي أصر على أن تكون تحت يافطة "المنتمي". ينتمي دريد لحام حقًا، وهو أخلاقي وصارم وجاد جدًا في الوفاء لأخلاق العبيد، التي يعيشها ويصر على أن يثابر عليها إلى آخر يوم في حياته.

 

اقرأ/ي أيضًا:

عباس النوري متصالحًا مع أكاذيب غيره

نضال سيجري.. سيرة عامل في الفن