31-يناير-2024
صورة لمقال تاريخ أدب الطفل

أدب الطفل وتاريخه

الطفل هو عماد المجتمع، ولا يخفى على فطنٍ منا إدراك الفرق الشاسع ما بين طفل يقرأ وطفل لا يقرأ. وعلى أن الثابت من القول حداثة أدب الطفل إلا أنه لا بد له من جذور وتاريخ، وحتى نتمكن ربما من إعادة ما أُتلف بعقول أبنائنا إلى نصابه، لنعيد البوصلة في حياتهم إلى مكانها الصحيح من خلال توجيههم إلى قراءة أدبهم، علينا أن نفهم أولًا التاريخ، تاريخ أدب الطفل، فمن أين كانت نشأته وكيف تشكل؟

كان أمير الشعراء أحمد شوقي هو من تنبه بالبداية لأهمية هذا الجنس من الأدب بالنسبة للطفل، فألف عدة قصائد موجهة للطفل وجمعت في ديوانه "الشوقيات"

تاريخ أدب الطفل ومراحل تطوره

أدب الطفل حاضر في تاريخ الشعوب منذ الأزل، على هيئة الحكايات الموروثة التي تروى جيلًا فجيل، وبعض المجتمعات احتفظت بهذا الطابع التراثي والفلكلوري لقصص الأطفال وحكاياتهم كالمجتمعات العربية والمشرقية، وبعضها الآخر، ظل يطوره إلى أن اتخذ ملمحًا خاصًا فيه، وصار جنسًا أدبيًا ينتمي إلى فنون الأدب النثرية، وكان ذلك في العالم الغربي في أواخر القرن الـ17 للميلاد. أما أمثلته في تاريخ أدب الطفل العربي كتاب كليلة ودمنة للمقفع، ومختصر الغرائب والعجائب، كتاب الغواص والأسد وغيرها الكثير، أما في الغرب فقد مر بمراحل بأطوار ثلاثة هي:

 

الطور الأول

يبدأ تاريخ أدب الطفل في أوروبا عام 1697 عند صدور أول كتاب خاص بأدب الطفل للشاعر الفرنسي تشارلز بيرو في كتابه "حكاية أمي الإوزة"، أثارت هذه المجموعة التي تضمنت قصصًا شعبية حركة أدبية نشطة في فرنسا والبلاد الأوروبية الأخرى، خاصة بعد أن ترجمت إلى لغات متعددة، وقد دفعت الأدباء إلى البحث والتنقيب في الآداب الشعبية وسلطت الضوء على أهمية أدب الطفل. ومن جانب آخر اكتسحت حكايات ألف ليلة وليلة أوروبا بعد ترجمتها من قِبل أنطوان جالان، وكان لها أثر كبير على أدب الطفل الأوروبي، وبعد عامي (1749-1747) ظهرت في فرنسا أول صحيفة للأطفال وهي صحيفة صديق الأطفال.

في بريطانيا في القرنين الـ17 و18 كان يستولي طابع النصح والإرشاد على أدب الطفل بشكل كامل، أما تاريخ أدب الطفل الحقيقي فبدأ عندما قدم "جون نيوبري" بمساعدة عدد من المختصين أدباً شيقًا ومفيدًا للأطفال فقدم قصة روبنسون كروزو، ورحلات جليفر باختصار وبطريقة سلسة تناسب الصغار، وفي عام 1865 ظهرت في إنجلترا أشهر مجموعة قصصية كتبت للأطفال وهي "أليس في بلاد العجائب" للكاتب "لويس كارول".

ولما نتحدث عن تاريخ أدب الطفل لا يمكن لنا إغفال كاتب يتربع على عرشه وهو الكاتب الدانماركي "هانز كريستن أندرسون"، حيث تصدر رأس قائمة رواد أدب الطفل في العالم الأوروبي. فقد سطّر أندرسون أروع وأعذب قصص الأطفال المستمدة من خياله الطفولي الخصب، المصبوغة بصبغة تراثية حانية، ومن أجمل أعماله:

  • قصة فرخ البط القبيح
  • قصة ثياب الإمبراطور الجديدة
  • قصة جندي الصفيح الثابت

وغيرها الكثير مما يعتبر من عيون أدب الطفل.

 

صورة لأدب الطفل
أدب الطفل يهتم بالطفل نفسه أولًا وما يجعله أكثر وراحة ويزوده بالفائدة والمتعة

الطور الثاني

بدأ هذا الطور في حقبة ما بعد الحرب العالمية الأولى، وكأنما أدرك العالم نتيجة الكارثة التي حلت على أطفاله أخيرًا، فأدرك أن للطفل حقًا في أن يكون له كيان وهيئة مستقلة، فبدأ أدب الطفل يتشكل بداية من الاهتمام بالطفل نفسه أولًا وما يجعله أكثر انتشاء وراحة، من هنا أخذ أدب الطفل أول أشكاله الأكاديمية، ويمكننا القول بشكل أوضح أن هذا الأدب الذي تبلور في هذه الحقبة تحديدًا كان هدفه محاولة عبور للهزيمة في نفس الطفل جرّاء الحرب.

 

الطور الثالث

كارثة جديدة حلت على العالم بعد الحرب العالمية الثانية، ولأنه وكما نعلم فالحاجة أم الاختراع، كان لا بد من إقامة ثقافة خاصة للأطفال تحديدًا في بلدان المنظومة الاشتراكية وبعض دول أوروبا وأمريكا اللاتينية، وكان الهدف الأساسي من وراء ذلك كله الاتجاه العام لبناء ورعاية جيل ما بعد الحرب، والتركيز على تربية هذا الجيل من جديد وفق منظور علمي قادر على تنمية الدافع الإنساني في سلوكه.

وتعددت بعد ذلك أشكال أدب الطفل في العالم المتقدم، حيث تشكل مسرح خاص بالطفل إضافة إلى المجلات الخاصة والصحف والكتب وغيرها.

استمر بعد ذلك التطور المذهل في عالم أدب الطفل في العالم الغربي، والتي اهتمت بشكل خاص بعلم النفس لدى الطفل، وحاكت حاجاته ورغباته وعالجتها بطريقة أدبية مميزة ومسلية وثرية.

 

أن تصل متأخرًا خيرًا من أن لا تصل

لم تتشكل نواة أدب الطفل في الوطن العربي باكرًا، ولم تأخذ طابع القصة في البداية، بل كانت عبارة عن مجموعة من القصص التراثية كألف ليلة وليلة والتي حرص الدارسون لاحقًا على تنقيحها بما يتناسب مع الأخلاقيات العامة والأرضية الثقافية والدينية التي يحتكم إليها المجتمع العربي.

كان أمير الشعراء أحمد شوقي هو من تنبه بالبداية لأهمية هذا الجنس من الأدب بالنسبة للطفل، فألف عدة قصائد موجهة للطفل وكانت عبارة عن قصائد أُلفت بطابع يناسب الطفل عامة ولم تكن له قواعد أكاديمية واضحة ومنظمة منها:

  • الديك الهندي
  • الدجاج البلدي
  • الصياد والعصفورة

ولم يُفرد لها شوقي مصنفًا خاصًا وإنما أدرجها ضمن شوقياته عام 1898. 

بينما كانت النهضة الحقيقية في عالم أدب الطفل في العالم العربي في القرن العشرين، ومن رواده الأوائل كامل الكيلاني، الذي بدأ مشواره الأدبي بتأليف قصته الشهيرة "السندباد البحري" في 1927م، كما كَتَبَ رائعته "من حياة الرسول" التي بسّط ويسَّرَ فيها سيرة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- لتتماشى مع فهم وإدراك الأطفال، ثم أكمل كتابة قصصه مستندًا فيها إلى التراث العربي حينًا، وإلى التراث العالمي حينًا آخر.

توالى بعد ذلك ذكر أسماء عديدة في عالم أدب الأطفال العربي ومنهم أحمد نجيب (1928م) وعلي الحديدي في مصر، وسليمان العيسى (1921 -2013م) في سوريا، وجعفر الصادق في العراق.

 

تهويدة تنطوي على حكاية

من أشكال أدب الطفل المتعارف عليها منذ الأزل في عالمنا العربي "التهويدة"، تهاويد الأطفال المتوارثة تندرج أيضًا تحت مسمى تاريخ أدب الطفل.

فالتهويدة حكاية، حكاية عصفور تحت رحمة طفل تهدهده أمه كي ينام، حكايا الغجر السارحين تحت سماء ينتصفها بدر البدور، حكاية الروزنا وما تحمله من أسرار معها من الشام إلى حلب، كانت الأمهات ترنمها رويدًا رويدًا حتى يداعب النوم عيون الغزال في البرية كما تقول التهويدة.

التهويدة شكل من أشكال أدب ما قبل النوم، كل تهاويد الأطفال قصص، كلها تاريخ في مبحث أدب الطفل.

 

صورة التهويدات من أدب الطفل
التهويدة شكل من أشكال أدب ما قبل النوم للأطفال

 

جداتنا وألف ليلة وليلة

على أنه وكما أسلفت لم يحظَ الوطن العربي بقصة أكاديمية متكاملة بقواعد واضحة وثابتة حتى مطلع القرن العشرين، إلا أن هذا لا ينفي وجود تاريخ لأدب الطفل في العالم العربي منذ القديم الغابر، ومن حالفه الحظ وحظي بجدة طيبة حكواتية سيفهم الأمر تمامًا.

كانت جداتنا يحملن لنا الحكايات التراثية البسيطة التي حملنها عن جداتهن، وهن حملنها بدورهن عن جداتهن كذلك، هذا الموروث الشعبي البسيط المسلي يندرج بلا ريب تحت مصطلح تاريخ أدب الطفل.

وعلى البساطة التي تحملها حكايات جداتنا إلا أنها كانت تبث فينا روح السماحة والأخلاق الكريمة، الرضى بالقدر، ولطالما حَوَت نصائح وعبر لا تنسى، لطالما كانت حكايات جداتنا في الشتاء دفء الروح في لياليه الباردة.
 

ختامًا، فإن تاريخ أدب الطفل فن من الفنون المعتقة، غُربل ونقح عبر الأزمان كلها، وهو جزء من موروث الشعوب التي سكنت الأرض منذ الأزل، يحمل إلينا ما عايشوه من خوف وحزن وفرح وغيرها من مشاعر صيغت ببساطة عبر قصة شعبية تروى أو ترنيمة لطيفة تغنى لتعبر عن حضارة أهلها، ثم تطور شيئًا فشيئًا، إلى أن صار إلى ما هو عليه الآن، فنًا أدبيًا بملامح وخصائص محددة، وصار له مساق أكاديمي يدرّس خصائصه وأساليبه ومميزاته.