16-مارس-2016

نساء في مدينة الصدر، وفي الخلفية جرافيتي مناوئ للتعذيب في سجن أبي غريب (Getty)

في أبي غريب، القضاء الواسع الذي يربط ثلاثة أحياء من بغداد غربًا بثلاث مدن من الأنبار شرقًا، تغلق الأسواق أبوابها بعد مغيب الشمس وتبقى بعض الدكاكين مفتوحة حتى ساعات الليل الأولى. سكانها البالغون قرابة 750.000 نسمة لا يعرفون الليل جيدًا، لا زالت ذاكرتهم متوقفة بين عامي 2008 و2010.

سكان مدينة أبي غريب، البالغون قرابة 750.000 نسمة، لا يعرفون الليل جيدًا

بعد انتهاء الحرب قبل ثلاثة عشر عامًا، كان طريقا أبي غريب "السريع" و"القديم" بين بغداد والأنبار خطَّي استنزاف عسكري لقوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية من قبل الفصائل المسلحة بشقيها القومي والإسلامي.

اقرأ/ي أيضًا: السلالات السياسية في العراق
حوالي 80% من مساحة القضاء أراض زراعية توزعت فيها معسكرات الفصائل المسلحة كما تتوزع القرى، يروي موظف في وزارة الزراعة أنه أخطأ طريقه إلى مزرعة كان يهم بنقل مبيدات حشرية إليها فدخل في مزرعة أخرى، وبعد طريق متفرع صادف بيتًا كبيرًا وحين توقف ليسأل ساكنيه عن الطريق وجد أن البيت معسكر للتوحيد والجهاد التابع لتنظيم القاعدة الأم، الرجل نجا بعد أن أقنعهم أن لا علاقة له بالدولة، لكن لم يحاول الوصول إلى مراده الأول مرة ثانية!.

في 2006، وأثناء الحرب الأهلية الطاحنة في بغداد، تأسست قوة عسكرية حليفة للحكومة تسمى "الصحوة" وكانت تتألف من عشائر مناهضة للقاعدة، وفصائل مسلحة رفضت الانضمام لـ"مجلس شورى المجاهدين"، والأخير حلف من مجموعة فصائل مسلحة إسلامية أصبحت تعمل تحت إمرة القاعدة. 

اقرأ/ي أيضًا: دجلة القتيلة

البداية المرئية والملموسة لهذه الصحوات كانت في عام 2008 حين اشتدت ضربات قواتهم المشتركة مع الجيش والشرطة العراقية ضد مجلس شورى المجاهدين، وهي الفترة التي عانى فيها قضاء أبو غريب من وحش الاعتقالات العشوائية التي كان يشنها "لواء المثنى" سيئ الصيت على السكان (تغير اسمه لاحقًا لـ لواء 24 من أجل إزالة الصيت السيئ عنه). ربما لا يخلو زقاق من عائلة اعتقل "المثنى" أحد أبنائها بسبب الانتشار الواسع لأنصار القاعدة والفصائل الأخرى فيها، فاختلط البخس بالثمين.

لم تتوقف الحياة في أبي غريب أثناء معركتي الفلوجة الأولى والثانية

لم تتوقف الحياة في أبي غريب أثناء معركتي الفلوجة الأولى والثانية، ولا الهجمات التي كانت تشنها الفصائل ضد قوات التحالف أوقفتها. تراجعت الحياة مع بدء المداهمات شبه الأسبوعية والتي أصبحت فوبيا تلاحق سكانها في كل حين. الاعتقالات انحسرت تدريجيًا بعد انتهاء سطوة القاعدة في المنطقة، حتى انتهت تمامًا وأصبح القضاء هادئًا وآمنًا رغم تماس أطرافه مع مناطق سيطرة تنظيم الدولة. 

في ليلة الأول من كانون الثاني/يناير عام 2016 مجموعة من الشبان (المغامرين) ذهبوا إلى مركز العاصمة ليشاركوا في احتفالات رأس السنة، وعادوا إلى بيوتهم بعد منتصف الليل. حين قصوا رحلتهم الشيقة إلى أصدقائهم وجيرانهم لم يصدقهم البعض، والبعض الآخر رفض تغيير موقفه من الخروج ليلًا.

أنا أحد هؤلاء الشبان المغامرين، أشعر الآن بالجوع وبرغبة ملحة إلى المشي خارج البيت أو الجلوس في حديقة. لكن الشارع لا يسير فيه سوى عدد من الكلاب السائبة، ما إن أخطو عليه حتى يلاحق شبح القاعدة أو الاعتقال روح المغامرة في نفسي ويعيدني إلى المنزل.

اقرأ/ي أيضًا:

العراق.. جدران مدارس من صور الموتى

العراق.. دقت ساعة الثورة؟