20-ديسمبر-2017

أنفقت الولايات المتحدة المليارات في حرب غير ناجحة على المخدرات (إرنستو بينافيدس/ أ.ف.ب)

إرث ثقيل من الحرب والدم والدمار، حملت الولايات المتحدة الأمريكية وزره وما خلفته فيه من قتلى وخسائر، وهي تطارد كبرى عصابات المخدرات في الولايات المتحدة. حرب أعلنها ريتشارد نيكسون عام 1971، لكونها تمثل خطرًا على الأمن القومي للولايات المتحدة، واستمرت 25 عامًا، أنفقت فيها الولايات المتحدة ما يقارب التريليون دولار على تفكيك عصابات المخدرات الكبرى، وفقًا لما ذكرته الغارديان. المشكلة الكبرى أن هذه الحرب في نهاية الأمر لم تحقق أهدافها!

في السبعينيات والثمانينيات، أنفقت الولايات المتحدة نحو تريليون دولار في حرب على كبرى عصابات المخدرات، لم تحقق أهدافها في النهاية

طاحون الحرب على المخدرات في ربع قرن

خلال السبعينيات والثمانينيات، كان مثلث بيرو وبوليفيا وكولومبيا، المسؤول عما مجموعه 90% من تجارة المخدرات حول العالم. وإن كانت هناك نتيجة سلبية أو بالأحرى كارثية لتلك الحرب على المخدرات التي شنتها الولايات المتحدة، فهي أنها جعلت من كولومبيا، أولى الدول في العالم إنتاجًا لمخدر الكوكايين.

اقرأ/ي أيضًا: عصر المخدرات الذهبي في مصر.. طرائف من بدايات القرن الماضي

وتسببت تلك الحرب التي كان هدفها الأول تفكيك العصابات الكبرى لتجارة المخدرات في العالم ، وحماية الأمن القومي الأمريكي، في مقتل حوالي 15 ألف شخص، معظمهم من الضحايا الأبرياء. وبعد بضع سنوات من تلك الحرب، قامت عصابات مسلحة بقيادة مقاتلي الفارك (التنظيم الثوري الكولومبي المسلح) بقتل وتشريد الملايين من صغار المزارعين، في قتال من أجل السيطرة على الأراضي لاستخدامها في زراعة المخدرات.

و في خلال عشر سنوات من عام 2000 حتى 2010، أنفقت الولايات المتحدة أكثر من سبع مليارات دولار على برنامج المساعدات العسكرية والاقتصادية ويسمى "خطة كولومبيا". وعلى الرغم من نجاح كولومبيا في السيطرة على العديد من مناطق زراعة الكوكا وإخضاعها لسيطرة الدولة، وكذلك نجاحها في الحد بشكل كبير من العنف المتصل بالمخدرات، فإنها لا تزال بلدًا رئيسيًا في إنتاج الكوكايين على مستوى العالم.

السياسة في المخدرات 

تلك الحرب الطويلة على المخدرات التي خاضتها الولايات المتحدة بحجة حفاظها على الأمن القومي الأمريكي، يمكن قراءة قصة طارق العيسمي على ضوئها، وهو الرجل الثاني في فنزويلا (نائب الرئيس) بعد الرئيس نيكولاس مادورو، والذي أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية في وقت سابق هذا العام، عن تورطه في تمويل أكبر شبكات المخدرات في العالم، وتحديدًا عن علاقته بتمويل كارتيلات مخدرات تابعة لحزب الله.

وتحدثت تقارير صحفية أمريكية عديدة عن التعاون بين عصابات المخدرات المسلحة، وتنظيمات إسلامية مُسلحة، بمساعدة نخب سياسية مثل طارق العيسمي وغيره ممن يمثلون وكلاء لتنظيمات كحزب الله في أمريكا اللاتينية، وكيف أن هذه الارتباطات مثلت عمودًا فقريًا للتمويل المالي لحزب الله، وكيف أنها ساهمت في شراء مسؤولي شرطة وسياسيين محليين، الأمر الذي زاد حدة الهجرة شمالًا نحو الولايات المتحدة، وعن صدى كل هذا على الشرق الأوسط من تزايد لحدة العمليات العسكرية لحزب الله في سوريا، وفي النهاية تسبب ذلك في أزمة لاجئين هي الأعنف منذ الحرب العالمية الثانية.

تكشف تقارير وتحقيقات عن العلاقة بين حزب الله وكارتيلات المخدرات في أمريكا اللاتينية، بوساطة نخب سياسية كطارق العسيمي بفنزويلا

إذن، تلعب السياسة دور البطولة، في قضية المخدرات كما في غيرها، وهذا ما تُؤكده ما تسمى "عملية كاسندرا".

عملية كاسندرا.. ما بين إدارة أوباما وحزب الله

عرضت صحيفة بوليتيكو ما بدت أنها القصة الكاملة لـ"كيف مكنت إدارة أوباما حزب الله من الإفلات من العقاب؟". قصة تخفيف البيت الأبيض، بأوامر عليا، الرقابة أو الضغط غلى حزب الله، كبادرة حسن نية من الإدارة الأمريكية، لتمرير الاتفاق النووي الإيراني. كان الولايات المتحدة، تريد الصفقة بأي شكل، بتعبير بوليتيكو.

اقرأ/ي أيضًا: طارق العسيمي.. بارون مخدرات حزب الله في فنزويلا

كانت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) ممتعضةً مما يحدث، إلى الحد الذي جعل أحد ضباطها الكبار يصرح لبوليتيكو بقوله إن "الوكالة قدمت تنازلات لم تقدمها من قبل، وهو أمر بشع لأي شخص في الوكالة".

أحد المسؤولين داخل الوكالة، تركزت انتقاداته على تساؤل حول ما إذا كانت هذه الأوامر العليا من طرف أوباما، ستساهم في تعطيل عمليات أخرى يجريها الموساد و جهاز مكافحة المخدرات الأمريكية؟ أي أن الانتقادات كانت تتركز في تأثير هذه القرارات السياسية على عمليات متابعة مركزية على الأرض يقوم بها جهاز الموساد الإسرائيلي، وأجهزة أمريكية أخرى.

في المقابل، كان جون برينان، مساعد أوباما في شؤون الأمن الداخلي ومحاربة الإرهاب، يطمح إلى دمج حزب الله في عملية سياسية أوسع تشمل المنطقة، حتى أنّه قدم توصية أثناء الحملة الانتخابية، للمتنافسين عليها، عن قدرته على بناء علاقات متوازنة مع إيران بعد خطوة الاتفاق النووي الإيراني.

اللهجة التي تبنتها صحيفة بوليتيكو، أظهرت منذ البداية أن "التقارب الحذر" بين الإدارة الأمريكية في عهد أوباما، والسلطات الإيرانية، من خلال الاتفاق النووي، جاء على حساب عمل الإدارة الأمريكية على مكافحة الإرهاب وتجارة المخدرات على مستوى العالم. وبطبيعة الحال، يُمكن فهم ذلك في سياق التوافق مع توجهات إدارة ترامب بشأن وقوفه بقوة ضد الاتفاق النووي الإيراني الذي وصفه بـ"المذل" للولايات المتحدة.

الصحف الإسرائيلية ايضًا اهتمت بشكل مُبالغ فيه بتغطية هذه القصة، فكتبت عنها أبرز الصحف العبرية، ونقلت بعضها تصريح السياسي الإسرائيلي يائير لبيد، الذي قال فيه: "في حال تأكدت القصة التي نشرتها بوليتيكو، فإنه يجب سحب جائزة نوبل التي حصل عليها أوباما".

لا يبدو الكشف عن عملية كاسندرا في هذا التوقيت، بريئًا تمامًا، لتوافقه مع مساعي ترامب لشيطنة الاتفاق النووي الإيراني

وعلى أي حال فإن الكشف عن قصة "مشروع كاسندرا" في هذا التوقيت بالذات، لا يمكن قراءته بمنأى عن مساعي ترامب وإسرائيل وحلفائهما في المنطقة، لشيطنة الاتفاق النووي الإيراني، وتركيز الخطاب على "الخطر" الإيراني في المنطقة، فيما يمكن تصنيفه على أنه مزيدٌ من التصعيد في ملف الاتفاق النووي، وحجة تبرر مساعي ترامب الانسحاب منه، خاصةً وأنّ حرب الولايات المتحدة على المخدرات، لم تكن ناجعة بما يكفي من الأساس.

 

اقرأ/ي أيضًا:

كيف يمول حزب الله عملياته عبر تجارة المخدرات

أمريكا تهدد وإيران تتوعد وأوروبا تحبس أنفاسها.. فما مصير الاتفاق النووي؟