"عيش حرية.. عدالة اجتماعية" بهذه الكلمات القليلة بدأت ثورة 25 يناير بحثًا عن الحرية والعدالة وأملاً في وطن أكثر أمنًا واستقرارًا، وكما نعلم أن فضائح التعذيب في أقسام الشرطة وممارسات جهاز أمن الدولة التابع لوزارة الداخلية كان لهم نصيب الأسد في إشعال غضب الشعب المصري، وبعد إطاحة نظام الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك وجدها الشعب فرصة كبيرة للمطالبة بتطهير مؤسسات الدولة وعلى رأسها الأجهزة الأمنية حتى تحول الهتاف في بعض المناسبات إلى "عيش حرية تطهير الداخلية".
فضائح التعذيب كان لها نصيب الأسد في إشعال غضب الشعب المصري
ونتيجة لحالة الهياج الشعبي وقتها، والذي جعل الثوار يقتحمون الأقسام ومقار أمن الدولة انتقامًا من الممارسات القمعية للداخلية، وحالة الغضب التي استمرت إلى ما بعد 11 شباط/فبراير 2011، اضطرت الداخلية إلى الانصياع لبعض المطالب وتقديم بعض الضباط ككبش فداء وتعريضهم للمحاكمة بتهم متعلقة بالفساد والتعذيب وقتل المتظاهرين، وكان على رأس هؤلاء وزير داخلية مبارك حبيب العادلي، كما وضعت قوائم ثورية بأسماء الضباط المتورطين وتداولت بشكل واسع، جرت الأمور سريعًا على غير المتوقع فصدرت أحكام البراءة بالجملة، فيما عُرف إعلاميًا بـ"مهرجان البراءة للجميع" في العام 2014، كما عاد الكثير من الضباط وأمناء الشرطة المفصولين إلى الخدمة مرة أخرى، وكان آخرهم اللواء خالد شلبي في حركات الترقيات الأخيرة كمديرًا لأمن محافظة الإسكندرية.
اقرأ/ي أيضًا: "مش سايب حد في حاله".. الأمن المصري يعتقل طلابًا من "الإيغور" تقربًا للصين
3000 شرطي فاسد عادوا للعمل بعد 2011
ما يقرب من 3000 فرد شرطة تعرضوا للفصل عن عملهم قبل عام 2011 في ظل فترة وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي، تورط هؤلاء الضباط في أعمال لا أخلاقية ما بين قتل ورشاوى وتحرش واغتصاب وسرقة وتعذيب، وبشكل غريب وغير معلوم أسبابه ونواياه، عاد هؤلاء الأفراد إلى عملهم من جديد بعد ثورة يناير، وازداد بطش هؤلاء وآخرين في السنوات الأخيرة، خاصة بعض أن أعطاهم النظام الجديد الضوء الأخضر، وحماهم من المحاكمات، وألغيت بحق رجال الشرطة المحاكمات العسكرية التي كانت سارية حتى عام نيسان/ أبريل 2012 قبل أن يصدر المشير طنطاوي قرارًا بإلغائها.
عادت الشرطة المصرية إلى ممارساتها القمعية بشكل انتقامي بعد أحداث 30 حزيران/يونيو، وازدادت حالات التصفية الجسدية الخارجة عن القانون، وآلالاف المختفين قسريًا، ناهيك عن حالات التعذيب اليومية في مقار الاحتجاز، عملت تلك الممارسات على عودة صورة الشرطة كجهاز قمعي من جديد في أذهان المواطنين، وتعالت الأصوات –بالقدر الذي يسمح به المجال العام- بضبط الأمور التي خرجت عن نصابها الصحيح، فصدر تصريح من مساعد وزير الداخلية في شباط/ فبراير من العام الماضي يتهم فيه هؤلاء الأفراد العائدين إلى الخدمة بالتجاوزات والاتهامات التي تعرضت لها الداخلية مؤخرًا، حيث أنهم عادوا إلى الخدمة في فترة الفوضى والمطالب الفئوية، حسب تعبيره، ووعد وقتها بإعادة النظر في أوضاعهم ولم نسمع جديدًا من ذلك الوقت.
عادت الشرطة المصرية إلى ممارساتها القمعية بشكل انتقامي بعد أحداث 30 حزيران/يونيو
وفي ظني ربما كان هذا التصريح كلامًا إعلاميًا عابرًا لتهدئة الأمور لدى المواطنين، وفي الوقت نفسه، تهديدًا لأمناء الشرطة بعزلهم من مناصبهم بعد أن تعالت أصواتهم بمطالب فئوية عديدة تشمل تحسين أوضاعهم وزيادة الأجور، والشاهد على ذلك هو مهاجمة بعض المنصات الصحفية المقرّبة للسلطة لأمناء الشرطة في ذلك الوقت، فتشير تلك التصريحات والأخبار إلى ارتباكات داخلية في الوزارة سعت القيادات للسيطرة عليها، ونجحت في ذلك.
المتهم الأول بقتل جوليو ريجيني يتولي أمن الإسكندرية
ظل اللواء خالد شلبي يترقى في المناصب، رغم الاتهامات العديدة التي وجهت ضده، حتى وصل أخيرًا كمدير لأمن محافظة الإسكندرية في حركة التنقلات الأخيرة التي اعتمدها وزير الداخلية مجدي عبدالغفار، وبنظرة سريعة إلى ماضي الرجل، نجد أنه تورط في تعذيب مواطن حتى الموت في عام 1999 وصدر حكم قضائي ضده بالسجن عام مع إيقاف التنفيذ في القضية رقم 67909 لسنة 2000 ثم عاد إلى عمله مجددًا كأن شيئًا لم يكن.
اقرأ/ي أيضًا: جزيرة الوراق تسبح في دماء أبنائها.. حرب النظام المصري ضد الفقراء وجنازاتهم
ويشتهر اللواء خالد شلبي في وسط المواطنين من الإسكندرية بلقب "خالد اركب" حسب تعبير البعض، لأنه يقود الحملات الأمنية في الشوارع ويقبض على المارة بشكل عشوائي ويعذبهم أو يلفق لهم القضايا بعد ذلك، كما يقولون.
ليس هذا وحسب، بل امتدت سمعته السيئة دوليًا، بعد أن اتهمته إيطاليا بالضلوع في قتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني الذي مات نتيجة التعذيب، وقالت والدته بعد أن رأت صورته أنها "رأت شرور العالم كلها في جسد جوليو" وأصدرت صحيفة "صانداي تايمز" تقريرًا أشارت فيه بأصابع الاتهام ناحية اللواء خالد شلبي، كما أشار البعض إلى تورط الرجل في قضايا تعذيب وقتل سيد بلال وخالد سعيد بالإسكندرية، وأنه هدد أسرة سيد بلال أثناء تواجدهم بالمشرحة قائلاً لهم "ادفنوا الرمة دي فورًا وإما هندفنه احنا في مقابر الصدقة" وهددهم بالاعتقال والتعذيب، كما أوضحت بعض المصادر الصحفية والإعلامية.
قناص العيون بأحداث محمد محمود يعود للخدمة
تعرض المتظاهرون لقنص الأعين في أحداث محمد محمود، وانتشر فيديو وقتها للضابط محمود صبحي الشناوي وهو يوّجه سلاحه ناحية المتظاهرين بينما هناك صوت بالخلفية يقول "جدع يا باشا، جت في عينه"، بعد انتشار هذا المقطع، طلب النائب العام بضبط وإحضار الضابط المذكور للتحقيق، وفي نيسان/ أبريل 2012 تمت إحالته لمحكمة الجنايات بتهم الشروع في قتل 5 متظاهرين، وفي أذار/ مارس من 2013 صدر ضده حكم بالحبس 3 سنوات وأدين بقنص عيون المتظاهرين، وبعد الطعن على الحكم، قررت محكمة النقض براءته من التهم المنسوبة إليه، ليعود بعدها الشناوي لمزاولة عمله من جديد.
الضابط أحمد عوف قاتل سيدة دمنهور يتجول في الشوارع
قضية أخرى لم تأخذ حقها من التناول الإعلامي، بعد أن قتل الضابط أحمد عوف معاون مباحث دمنهور سيدة حامل بتوأم، لتودي رصاصته بحياة السيدة وأطفالها، خرج الضابط بحملة أمنية للقبض على أحد المطلوبين وأثناء المناوشات مع أهل المنزل خرجت رصاصة من سلاحه في صدر السيدة نجلاء غازي لتموت على الفور.
أطلق الضابط أحمد عوف معاون مباحث دمنهور النار على سيدة حامل بتوأم، فأرداها مع الأجنة
اقرأ/ي أيضًا: من "كوميرا" إلى حراك الريف.. هذه انتفاضات الجوع بالمغرب
اختلفت الروايات حول الحادثة، فاتهم البعض الضابط بتعمد القتل وطالبوا بمحاكمته وبحق السيدة نجلاء غازي، وكان للزميلة الصحفية ولاء صلاح بموقع البداية السبق في الوصول لأسرة غازي والتسجيل معهم حول ملابسات الحادث، والذين أكدوا تعدي الضابط بالضرب والسباب على الأسرة، وفي المقابل دشن أصدقاء الضابط ومعارفه حملة على موقع الفيسبوك بعنوان "عوف مش بلطجي" محاولين تبرأته من الجريمة المنسوبة إليه، والشهادة له بالأخلاق والكفاءة المهنية، وأن الحادث نتيجة تجمهر الناس من حوله ومحاولتهم الاعتداء عليه في أثناء تأدية عمله.
وبعد مرور قرابة الشهرين من ذلك الحادث، حاولنا معرفة ما آلت إليه الأمور، وعرفنا أنه قد تمت التسوية الودية مع أسرة القتيلة، وتم دفع "الدية" لهم، وحاولنا التأكد من عودة الضابط إلى عمله أو عزله ولم نصل لمعلومة أكيدة، ولكن بعض المصادر بالمحافظة أكدوا "لألترا صوت" رؤيتهم للضابط يتجول بشوارع المدينة مما يشير إلى ممارسة عمله بشكل طبيعي.
الضباط الملتحون يعودون للعمل منصاعين لأوامر حلق الذقون
لأفراد الشرطة في مصر هيئة معينة يجب الالتزام بها، وهي أن يكونوا حليقي الذقن، وبعد تولي الإخوان المسلمين الحكم في 2012، طالب بعض أفراد الشرطة بحقهم في إطلاق لحاهم إلا أن الوزارة تعنتت في قبول مطالبهم، واتهمتم منصات إعلامية وقتها بالتمويل لهدم مؤسسات الدولة الأمنية، وبعد أحداث 30 يونيو، انصاع عدد منهم للأوامر وقاموا بحلق لحاهم وعادوا للعمل بعد أن انقطعت رواتبهم لأكثر من عام، ويواجه النقيب السابق هاني الشاكري، المتحدث الرسمي باسم الضباط الملتحين، تهمًا متعلقة بانتمائه لجماعة الإخوان المسلمين.
اقرأ/ي أيضًا:
الحبس الاحتياطي في مصر.. مئات المعتقلين على ذمة تجاوز القانون ومزاج القضاء