12-أكتوبر-2019

العامل المصري يعمل أكثر من نظيره في أي مكان آخر بالعالم (Belal Darder)

يسود خطاب رسمي عن تقصير المصري في كل شيء، ومن ذلك العمل، فعادة ما تُحمّل الحكومات المتعاقبة، المواطن المصري المسؤولية، مروجة لخطاب أن المصري لا يعمل كما ينبغي، وهو خطاب تُكرس له وسائل الإعلام، حتى كاد أن يسود في الشارع.

تتجاوز ساعات عمل المصريين أسبوعيًا، الساعات المنصوص عليها في القانون بست ساعات على الأقل، وفي بعض المحافظات بـ19 ساعة

ليجد هذا الخطاب الرسمي تكذيبه من قبل الحكومة نفسها، عبر إحصاء للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء حول عدد ساعات عمل المصريين في عدد من المحافظات، إذ يكشف الإحصاء عن أن المصريين إجمالًا، يعملون عدد ساعات أكثر من المنصوص عليها قانونيًا، والمتعارف عليها عالميًا.

عدد ساعات العمل في مصر

العامل المصري

وفقًا لما جاء في إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، التابع للحكومة، فإن أقل محافظات مصر من حيث عدد ساعات العمل، هي محافظة الأقصر في جنوب مصر، حيث يبلغ متوسط ساعات عمل العامل فيها 46 ساعة أسبوعيًا، بزيادة ست ساعات عن المنصوص عليه في القانون.

اقرأ/ي أيضًا: بعد ارتفاع أسعار الوقود في مصر.. تحولات اجتماعية مخيفة

وتصل عدد ساعات العمل الأسبوعية في بعض المحافظات إلى 59 ساعة، كمحافظة جنوب سيناء، وفي محافظتي الجيزة وبورسعيد يبلغ متوسط عدد ساعات العمل للعامل الواحد 56 ساعة أسبوعيًا، و55 ساعة أسبوعيًا في محافظة سوهاج.

سمعة "المصري الكسلان" و"الشباب قاعدين على المقاهي والمصانع تحتاج لعمال" تبدو مجرد إشاعة لا علاقة لها بواقع أن العاملين في مصر، يعملون على الأقل أكثر من ساعات العمل القانونية ست ساعات، في مقابل أجور من بين الأضعف عالميًا، مع غلاء متصاعد.

ويسوق الإعلام المصري، والمسؤولين مثل هذه الإشاعات عن العمل في مصر، مثل وزير التنمية المحلية اللواء محمود شعراوي ونواب برلمانيون، زعموا أن الموظف الحكومي في مصر لا يعمل سوى 27 دقيقة في اليوم، في ردود على مطالب الموظفين إما بزيادة الأجور أو الأجازات، وغير ذلك من الاستحقاقات. 

وعلى كلٍ لم تكن إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري، الوحيدة في هذا الصدد، ردًا على مزاعم قلة ساعات عمل العامل المصري، ففي عام 2009، كشفت دراسة لبنك "يو بي إس" السويسري حول الأسعار والرواتب في 73 دولة حول العالم، أن العامل المصري الأول عالميًا من حيث ساعات العمل سنويًا.

ووفقًا لنفس الدراسة، يعمل العامل في العاصمة المصرية القاهرة، أكثر من نظيره في أي مكان في العالم، بمتوسط عدد ساعات عمل 2373 ساعة عمل سنويًا، في حين أن المتوسط العادي للعمل سنويًا 1902 ساعة سنويًا. 

"احنا فقراء"

من أشهر مقولات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي: "احنا فقراء"، والتي قالها ردًا على مطالب بزيادة المرتبات في 2017.

وبالجملة، لدى الرئيس المصري مجموعة من المقولات التي تكرس لفقرة الدولة في مواجهة مطالب العمال والموظفين ببعض الاستحقاقات، فضلًا عن المطالب الشعبية بمواجهة الغلاء، بالإضافة إلى المقولات التي يطالب بها المصريين بـ"الصبر" والتقشف.

وكما يتضح، يصبر المصريون بالفعل، ويواجهون الفقر وموجات الغلاء المستمرة بالمزيد من العمل، في حين أن زيادة ساعات العمل لا يبدو أنها تؤتي أكلها في تحسين الأوضاع، لأنها تُقابل في كل مرة بالمزيد من الغلاء.

في مقابل هذه الدائرة المغلقة التي يعيش فيها المصري، تبرز سياسات الحكومة غير المتقشفة أبدًا، فيما يوصف بـ"الإهدار للمال العام"، مع عدم الاستناد أساسيًا على دراسات الجدوى للمشاريع الضخمة التي تنفق الدولة عليها المليارات.

من ذلك ما حدث في حفل تنصيب السيسي رئيسًا للجمهورية، والذي كلف نحو 92 مليون جنيه مصري، أي أكثر من خمسة مليون و600 ألف دولار أمريكي، وكذلك مؤتمر شرم الشيخ لدعم الاقتصاد، والذي أنفق على تنظيمه نحو 100 مليون جنيه مصري، وغير ذلك.

الحد الأدنى للأجور

خلال أيلول/سبتمبر الماضي، شهدت مصر دعوات احتجاجية فيما عرفت بـ"مظاهرات 20 سبتمبر"، على خلفية فيديوهات للممثل والمقاول المصري محمد علي.

الاحتجاجات المحدودة التي انتهت بحملة اعتقالات واسعة، دفعت النظام المصري بإعلان بعض إجراءات الإصلاح الاقتصادي المحدودة جدًا، كان أبرزها الإعلان عن إعادة نحو مليون و800 ألف مواطن لمنظومة بطاقات الدعم التمويني الحكومي، والذي تبلغ قيمة إعادتهم نحو مليار جنيه مصري. 

هذه الإجراءات المحدودة، التي اعتُبر أنها تأتي في سياق امتصاص غضب شعبي من تدهور الحالة المعيشية، ليست جديدة على النظام المصري الحالي، وإن كانت قليلة، ففي آذار/مارس المنصرم، وقبيل التصويت على التعديلات الدستورية التي مددت للسيسي عمليًا فترته الحالية سنتين، مع الحق في إعادة الترشح لفترة ثالثة بست سنوات، سبقها إعلان رفع الحد الأدنى للأجور للعاملين في الدولة من 1200 جنيه إلى ألفي جنيه، أي زيادة بنحو 50 دولار أمريكي، ليصبح الحد الأدنى أقل من 125 دولار أمريكي!

وفي حين كان من المنتظر تطبيق زيادة الحد الأدنى منذ تموز/يوليو الماضي، حيث بداية السنة المالية، تأخر تطبيقه في معظم الجهات الحكومية إلى أيلول/سبتمبر المنصرم، ولم تطبقه للآن جهات أخرى.

لا يبدو أن زيادة ساعات العمل تؤتي أكلها في تحسين أوضاع المصريين، لأنها تُقابل في كل مرة بالمزيد من الغلاء

لكن، وعقب تظاهرات "20 سبتمبر" أصدرت وزارة المالية منشورًا عامًا لجميع الجهات الداخلة في الموازنة العامة للدولة، والهيئات الاقتصادية والخدمية، شددت فيه على الالتزام بقرار رفع الحد الأدنى للأجور، محذرة من تطبيق عقوبات على المخالفين أو المتأخرين.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الأسر المصرية في عهد الغلاء.. معارك لا تنتهي

روزنامة رفع الأسعار في مصر.. كيف يسكت النظام سخط المصريين؟