09-مايو-2024
تصاعد مؤخرًا الخطاب المعادي للاجئين السوريين في لبنان (AFP)

تصاعد مؤخرًا الخطاب المعادي للاجئين السوريين في لبنان

شهد لبنان مؤخرًا تصاعدًا في الخطاب التحريضي والعنصري تجاه السوريين المقيمين فيه، رافقته سلسلة من عمليات الاعتداء بالضرب والتنكيل والطرد وحرق مخيمات اللجوء طالت عدد كبير من السورين في مناطق لبنانية بعينها، بعد جريمة قتل المسؤول في القوات اللبنانية باسكال سليمان من قبل عصابة قادمة من الداخل السوري. وهو ما يعيد مسألة اللجوء السوري إلى لبنان إلى الواجهة مع كل تداعياتها الأمنية والسجال الذي يرافقها على الصعيد السياسي.

وفي هذا الإطار رصدت صحيفة "الغارديان" البريطانية، في تقرير، شهادات بعض اللاجئين السوريين في لبنان حول موجه الاعتداءات الأخيرة، وحالة القلق والخوف التي تلازمهم.

كان مصطفى (وهو اسم مستعار) عائدًا إلى منزله من العمل، عندما تعرض للهجوم من قبل اثني عشر شابًا بشكل غير مبرر، وترك ينزف على جانب الطريق بعد أن كُسر أحد أضلاعه.

رصدت صحيفة "الغارديان" البريطانية في تقرير، شهادات بعض اللاجئين السوريين في لبنان حول موجه الاعتداءات الأخيرة، وحالة القلق والخوف التي تلازمهم.

يعيش مصطفى منذ العام 2010 في منطقة ذات أغلبية مسيحية تبعد بضعة أميال عن العاصمة اللبنانية بيروت.

تشير الصحيفة البريطانية إلى أن الحادثة هي واحدة من العديد من الحوادث التي شهدها لبنان في الأسابيع الماضية، حيث قامت مجموعات أهلية من اللبنانيين بمهاجمة السوريين في مناطق متفرقة من لبنان بعد حادثة اختطاف وقتل مسؤول كبير في القوات اللبنانية، وهو حزب سياسي مسيحي يميني. كما سجلت الجماعات الحقوقية ارتفاعًا في الهجمات والخطاب الذي يستهدف السوريين الذين يعيشون في لبنان.

في المقابل، دعا سياسيون لبنانيون إلى الهدوء ونددوا علنًا بالعنف الذي طال السوريين، على الرغم من أن الكثير منهم اغتنموا الفرصة أيضًا للتعبير عن دعمهم للقيود المفروضة على حركة السوريين في لبنان والدعوات لترحيلهم.

فقد دعا العديد من السياسيين البارزين إلى سن قوانين أكثر قمعية تستهدف اللاجئين السوريين، ودعوهم إلى مغادرة البلاد.

فبعد أسبوع من عملية اختطاف سليمان، أعلن رئيس الوزراء تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، أنه سيتم إعادة "معظم السوريين إلى المناطق الآمنة في سوريا".

وأضاف: "لا شيء يوحد اللبنانيين اليوم أكثر من قضية النازحين السوريين". في حين دعا وزير الداخلية، بسام مولوي، إلى "الحد من عدد السوريين في البلاد".

بدوره، قال وزير الخارجية، عبد الله بو حبيب، للصحفيين في اليونان بعد يومين من عملية الاختطاف: إن "أزمة المهاجرين السوريين قد خرجت عن نطاق السيطرة".

يتحدث محلل، لم يكشف عن هويته، لمركز " Synaps"، وهو مركز أبحاث في بيروت يهتم بمواضيع اللجوء السوري: "شهر نيسان/أبريل كان أخطر شهر على السوريين الذين يعيشون في لبنان منذ وصولهم لأول مرة بأعداد كبيرة بعد اندلاع الحرب الأهلية عام 2011".

جاءت نقطة الاشتعال عندما تم اختطاف باسكال سليمان من على الطريق بالقرب من بلدة جبيل في 7 نيسان/أبريل، ومن ثم تم العثور علية مقتولًا داخل الأراضي السورية، وبحسب "الغارديان "لا تزال دوافع القتلة غير واضحة، ولكن القوات اللبنانية تعتبره اغتيالًا سياسيًا، وألمحت إلى تورط خصمها، منذ فترة طويلة، حزب الله في العملية".

من جهتها، قللت سلطات الدولة من أن تكون للجريمة دوافع سياسية، وأشارت إلى أن مقتل سليمان مرتبط بسرقة سيارته. فقد أعلن عن اكتشاف جثته بالقرب من مدينة حمص في سوريا، وألقي القبض على سبعة سوريين.

أطلق الحادث العنان لموجة من العنف ضد اللاجئين السوريين. يقول كريم، الأخ غير الشقيق لمصطفى، الذي يعيش في نفس المنطقة: "كانت هناك مجموعات من الرجال يتجولون في الشوارع، وإذا رأوا أي شخص سوري، فإنهم سيضربونه."

تقول الصحيفة البريطانية: "بقي مصطفى بعد تعرضه للهجوم خمسة أيام في منزله حتى تعافى، وكان خائفًا جدًا من الذهاب إلى المستشفى". بدوره يقول كريم إنه "اختار البقاء في المنزل أيضًا، خوفًا من تعرضه لهجوم".

ومنذ الإعلان عن مقتل سليمان، ظهرت مقاطع فيديو تظهر سوريين يتعرضون للاعتداءات في الشارع. وتمت مشاركتها على وسائل التواصل الاجتماعي على نطاق واسع، فيما صدرت أوامر للسوريين بمغادرة المناطق ذات الأغلبية المسيحية.

وضع كريم ومصطفى في لبنان غير مستقر. ووفقًا لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن 5 % فقط من الأسر السورية آمنة غذائيًا بينما في 69 % من الأسر لا يوجد فرد واحد لديه إقامة قانونية.

يقول كريم: "الحياة في لبنان صعبة، لكن من المستحيل العودة إلى سوريا. عائلتي بأكملها مطلوبة. بمجرد عبور الحدود، سيقتلونني".

توضح الصحيفة البريطانية أن كريم هو واحد من بين أكثر من 800 ألف لاجئ سوري مسجل في لبنان. فيما تقول الحكومة اللبنانية أن عدد المسجلين بدأ من عام 2015، لكن التقديرات للعدد الفعلي للسوريين في لبنان تتراوح بين مليون إلى أكثر من مليونين لاجئ.

جنازة بسكال سليمان

يعمل كريم كسائق توصيل براتب 300 دولار شهريًا، وتقدم له مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين 75دولار شهريًا لإعالة عائلته المكونة من زوجته وأطفاله الستة.

أما عمر الذي يعيش في مدينة طرابلس الواقعة في شمال لبنان منذ عام 2012. فيقول: "لقد فكرت كثيرًا في ركوب قارب للهجرة عبر البحر الأبيض المتوسط"، لكنه يتساءل: " ستة أيام في البحر؟ هناك العديد من الطرق التي يمكن أن تموت بها."

يكسب عمر 10 دولارات في اليوم من خلال "عمل بائس"، ويقول: "الحياة في لبنان كانت دائمًا صعبة، ولكن الأمور أصبحت أسوأ". في حين اعتاد اللبنانيون إظهار كرم الضيافة والترحيب بالسوريين، كما يعترف، بدأ يشعر بأن هناك "حملة عنصرية ضدهم"، من خلال التعليقات التي أدلى بها السياسيون، والإعلانات المصورة المعادية لسوريين، بالإضافة لزيادة في عمليات الترحيل إلى سوريا.

ووفقًا لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تم ترحيل ما لا يقل عن 13772 لاجئ من لبنان أو دفعهم إلى الحدود مع سوريا في عام 2023.

كما سجلت منظمة "هيومن رايتس ووتش" حوادث احتجاز تعسفي وتعذيب وترحيل قسري لسوريين خلال الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام.

يقول كريم: "إذا كانت هناك نقاط تفتيش في الخارج، فلن أغادر المنزل". إنه في مجموعة على "الواتساب" مع سوريين آخرين يحذرون بعضهم البعض عندما تظهر نقطة تفتيش جديدة. يضيف: "لم أذهب إلى بيروت منذ ثلاث سنوات بدافع الخوف".

وبحسب الباحث في هيومن رايتس ووتش، رمزي قيس: فإن "السلطات اللبنانية غير جادة بشأن أي حل لأزمة اللاجئين السوريين. وبدلًا من اقتراح خطة تستند إلى الإجراءات القانونية الواجبة والقانون اللبناني، فإن المقترحات الحكومية ترقى إلى عمليات الترحيل السريعة التي تنتهك القانون". ويتهم رمزي السلطات اللبنانية بجعل اللاجئين السوريين "كبش فداء بشع يصرف الانتباه عن مسؤوليات السلطات تجاه الشعب اللبناني".

سجلت منظمة "هيومن رايتس ووتش" حوادث احتجاز تعسفي وتعذيب وترحيل قسري لسوريين خلال الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام في لبنان

تشير صحيفة "الغارديان" إلى وزارة الداخلية اللبنانية رفضت التعليق على الموضوع، في حين أن مسؤول لجنة الشؤون الخارجية في حزب القوات اللبنانية، ريتشارد كويومجيان، علق قائلًا: إن "القضية السورية على رأس أولوياتنا". ونفى مشاركة عناصر القوات اللبنانية في أعمال العنف التي طالت السوريين في الأسابيع القليلة الماضية، والتي يصفها بأنها "أفعال بعض الأشخاص المتحمسين".

مؤكدًا أنهم قاموا بالكثير "لتهدئة مشاعر أعضائنا"، ولكنه شدد على أنهم لا يمكنهم "تحمل هذا العبء بعد الآن"، قائلًا: "لا يتعلق الأمر بالاقتصاد، بل يتعلق بهويتنا. بمجرد أن يكون 50 % من سكان مناطقنا مهاجرين، سنرحل. أنا آسف، لكننا لن نقبل ذلك. لسنا مستعدين لفقدان بلدنا".