يسبق التقويم الأمازيغي على التقويم الميلادي بـ950 سنة. وتبدأ رأس السنة الأمازيغية بما يوافق اليوم، 12 كانون الثاني/يناير، ويُسمى شهر يناير في الأمازيغية بـ"ينّار".
يسبق التقويم الأمازيغي على التقويم الميلادي بـ950 سنة. وتبدأ رأس السنة الأمازيغية بما يوافق اليوم، 12 كانون الثاني/يناير
وتقترح اللغة الأمازيغية أسماء مختلفة لبعض الشهور، فشباط/فبراير هو "فورار" وبينه وبين شهر كانون الثاني/يناير أو "ينّار" قصّة طريفة في الميثولوجيا الأمازيغية تسمّى "سالف العنزة".
اقرأ/ي أيضًا: احتفالات رأس السنة الأمازيغية.. طقوس تاريخ معتّق
وملخص القصّة أنّ عنزة مغرورة احتفلت برحيل شهر ينّار ذي العواصف والثّلوج، وتمنّت ألا يعود، فغضب ينّار غضًا شديدًا وطلب من شهر فورار أن يُعيره يومًا أو يومين ليتمكّن من معاقبة العنزة، وهذا ما يفسّر في المخيال الأمازيغيّ كون شهر شباط/فبراير منقوص الأيّام، بينما يزيد كانون الثاني/يناير بيوم.
عاد ينار وأطلق عاصفة هوجاء أودت بالعنزة المغرورة، فصارت عبرة لمن يُفكّر في تحدّي الشّهر الأوّل من السنة. وقد ترسّخ ذلك في الثقافة الشّعبية الأمازيغيّة، حيث يتجنّب الرّعاة الخروج إلى الرّعي نهايته، مخافة أن يخسروا قطعانهم.
ومن الأغاني المتداولة بينهم على لسان شهر ينّار أو كانون الثاني/يناير، مخاطبًا العنزة: "نسلّف نهار من عند فورار، ونخلّي قرونك يلعبو بهم الصغار.. في ساحة الدوّار".
ومثل هذه القصّة وغيرها كثير في المدوّنة الشّعبية الأمازيغية. وقد تختلف تفاصيلها من منطقة إلى أخرى، ذلك أن الجغرافيا السّياسيّة للأمازيغ تمتدّ من واحة سيوا في مصر إلى جزر الكناري في إسبانيا، وتؤشّر على الارتباط الوثيق بين التّقويم الأمازيغيّ والبعد الزّراعي في حياة الأمازيغ، فهو تقويم زراعيّ بامتياز، ووفقه تتمّ أفعال زراعيّة كثيرة، مثل فعل الحرث وفعل الحصاد وفعل تقليم الأشجار وفعل جني الثمار.
ومن هنا، فما يُميّز التقويم الأمازيغيّ عن التّقويمين الهجريّ الإسلاميّ والميلادي المسيحيّ الشّريكين له في شمال أفريقيا، بالإضافة إلى امتداده الزّمني السبّاق؛ أنّ الأوّلين ارتبطا بالأشخاص، هجرة النبي محمّد وميلاد المسيح عيسى، بينما ارتبط هو بالأرض، بصفتها المحور الذّي يدور عليه المخيال الأمازيغيّ بكلّ تجلّياته، حيث يندر أن نجد محكية شعبية أمازيغية لا تنطلق من تقديس الأرض وتنتهي إليه.
ومع ذلك، فثمّة قراءة تربط بين التقويم الأمازيغي وشخص هو الملك شيشنق، الذي حكم مصر وامتدادها في ظل ما يعرف باسم "الأسرة الليبية" التي هي الأسرة الـ22، حيث بدأ حكمه عام 950 قبل الميلاد
جذور الجرح
على ما يبدو، فإن نظام ما بعد الاستقلال الوطني الجزائري، كان يعتقد أنّ السّماح للثقافات المحلّية بالتنفّس في المنابر التّربويّة والإعلاميّة والثقافيّة، يضرّ بمفردات الحضور القومي العربي في البلاد، في مقدّمتها اللّغة العربيّة.
وأدّت هذه النظرة الأيديولوجية القومية إلى الثقافة الأمازيغية، بالنّظام السّياسيّ الحاكم في الجزائر إلى أن يتجاوز العنف المعنويّ في حقّ المناضلين من أجلها، بتغييبهم من المنابر المختلفة، إلى العنف الجسديّ، الذي أدّى إلى نفي بعضهم أو التسببّ في ذلك، مثلما حصل مع حسين آيت أحمد، أوّل من أسّس حزبًا سياسيًّا معارضًا مباشرة بعد الخروج الفرنسي، يطالب بإدراج البعد الأمازيغيّ ضمن أبعاد الهوّية الجزائرية.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ جذور المسألة الأمازيغية في الجزائر تعود إلى عام 1947، أي قبل الاستقلال الوطني عن الاحتلال الفرنسيّ بـ15عامًا، إذ يذكر المؤرّخ محمّد حربي أنّ حصر زعيم الحركة الوطنية مصالي الحاج، للهوّية الجزائرية في البعدين العربي والإسلاميّ، أدى إلى بروز نخبة من الوطنيين الأمازيغ المطالبين بإضافة البعد الأمازيغي، في مقدّمتهم حسين آيت أحمد، الذي كان سبّاقًا إلى صياغة أولى الأدبيات الدّاعية إلى الكفاح المسلّح.
ويقول الرّوائي والباحث المهتمّ بتاريخ الحركة الوطنية الجزائرية حميد عبدالقادر، إنّ الحركة الوطنية الجزائرية الراديكالية "وجدت نفسها مُجبرة على إقحام مسألة الهوّية في خطاباتها، لخوض غمار النّضال ضدّ الاحتلال الفرنسي والمُطالبة بالاستقلال، منذ أن عرفت وثبتها بداية من تأسيس أوّل حزب وطنيّ عام 1926، هو "حزب نجم شمال أفريقيا"، بزعامة مصالي الحاج".
ولفترة وجيزة في مسيرته، انضم مصالي الحاج إلى الحزب الشيوعي الفرنسي، قبل أن ينفصل عنه ويلتحم بالحركة الوطنية المناهضة للاستعمال الفرنسي. "وقد تكوَّن النجم في أوساط العمّال المهاجرين الجزائريين في فرنسا، وراح يُطالب باستقلال كلّ شمال أفريقيا"، يقول عبدالقادر.
وأضاف: "صاغت هذه الحركة في وقت لاحق أدبيات تقوم على ثلاثية شعبوية هي الأمّة والحزب والشّعب. ومثل جميع التصوّرات الشّعبوية، رفضت كلّ النّزعات الجهوية، وفكرة التعدّدية اللّغوية. ولم تؤمن أبدًا بالاختلافات الثقافية للشّعب الجزائري، بل اعتبرتها تهديدًا يُشكّل خطرًا على الوحدة الوطنية، وهي تقاوم الاحتلال".
مقاربًا بينها وبين النزعة اليعاقبية الفرنسية التي خرجت من رحم الثورة الفرنسية عام 1789، وتعاملت بعنف مع كل الميول الجهوية واللغوية الأخرى، على غرار الباسك والكورس والبرتون.
مواقف موروثة
ورثت حكومة الاستقلال الوطني موقف الحركة الوطنية من الثّقافة الأمازيغية، في مقابل وراثة النّخبة الأمازيغية الجديدة أحلام نخبة ما قبل الاستقلال بإنصاف البعد الأمازيغي، فكان ما عرف بـ"الرّبيع الأمازيغيّ"، حيث اندلعت احتجاجات شعبية يوم 20 نيسان/أبريل عام 1980 قابلتها السّلطة بالرّصاص.
وتجدّد الموقف نفسه عام 2001 في إطار ما عرف بـ"الرّبيع الأسود"، حيث وصل عدد الذين فقدوا حياتهم إلى 126 وعدد الجرحى خمسة آلاف وعدد الذين أصيبوا بإعاقات دائمة 200.
وأدّى التعاطى العنيف من قبل الحكومة مع الاحتجاجات، إلى صعود النبرة الانفصالية لدى بعض الأمازيغ، وهو ما تجسّد في إطلاق "الحركة من أجل تقرير المصير في منطقة القبائل" عام 2002، بقيادة المغنّي فرحات مهني، غير أنّ ارتباط النّضال من الأجل الهوّية الأمازيغية في الجزائر بالرّوح الوطنيّة، جعل حركة الانفصال معزولة شعبيًّا.
وبدأت السّلطة السّياسية تفهم هذا المعطى، فعملت في العام نفسه على اعتبار اللّغة الأمازيغيّة لغة وطنيّة من غير صفة رسمية، ثمّ اعتمادها لغة وطنية رسمية إلى جانب اللّغة العربيّة في التّعديل الدّستوري عام 2016، وضمّ رأس السّنة الأمازيغية إلى قائمة الأعياد الوطنية.
وعملت "المحافظة السّامية للأمازيغية"، التّي أسّستها مؤسّسة الرّئاسة عام 1995على تصنيف الاحتفال بشهر ينّار لدى الأمازيغ ضمن التّراث العالمي، بالموازاة مع إقرار الرّئيس عبدالعزيز بوتفليقة لمشروع مجمّع اللغة الأمازيغية، الذي سيعمل على توثيق التّراث الأمازيغي وتكريس لغة معيارية تتجاوز اللّهجات.
الأرض تتكلّم أمازيغي
لم يعد الاحتفال برأس السّنة الأمازيغيّة في الجزائر محصورٌ على الولايات المعروفة بأغلبيتها الأمازيغية، مثل تيزي وزّو وبجاية والبويرة وبومرداس في الشّمال وباتنة وخنشلة وأمّ البواقي في الشّرق وتمنراست وإليزي في الجنوب؛ بل بات شاملًا للمحافظات الـ48.
التعامل العنيف من السلطات الجزائرية مع الاحتجاجات الأمازيغية، أدى لصعود نبرة انفصالية لدى بعض الأمازيغ، لكنها لم تجد حاضنة شعبية
وبدأت الاحتفلات الرّسمية هذا العام من مدينة الأغواط، الواقعة على بعد 400 كيلومتر إلى الجنوب من الجزائر العاصمة، يوم الثامن من كانون الثاني/يناير الجاري، وستختتم في العاصمة الجزائر يوم 16 من الشهر الجاري، في حركة جعلت كلّ بقعة من الجزائر تكتشف ماضيها الأمازيغي، إذ يندر أن نجد مدينة لا يحمل اسمها معنى أمازيغيًّا.
اقرأ/ي أيضًا:
الأمازيغية في الجزائر.. من السجن إلى الدستور
بعد عقود من القمع.. أمازيغ ليبيا يبحثون عن الهوية في أنقاض الحرب