23-فبراير-2024
بعض اقتباسات روائية عالمية

اقتباسات روائية من الأدب العالمي

 

حين نقرأ جملة اقتباسات روائية قد يتبادر إلى ذهن العديد من الناس في مجتمعاتنا أن الرواية ما هي إلا قصة مبتذلة، والحق يقال إن وجهة النظر هذه لها ما لها وعليها ما عليها، فأنا أعذر أصحاب هذا الرأي إن اقتصرت رؤاهم الروائية على نوعيات معينة من الروايات التي سادت في مجتمعاتنا العربية، روايات خالية من أي فكر إلا مما يحرك المشاعر والغرائز وحسب، لكن، لو نظرنا بشكل أعمق للأدب العربي، والعالمي خاصة ومنذ سنوات طويلة سنرى أنه قدم للقارئ فكرًا عميقًا لنواحٍ شتى من الحياة.

 

اقتباسات روائية

مجموعة ضخمة من الروايات تتبادر إلى ذهني الآن وأنا أكتب، ومجموعة أكبر من الاقتباسات الروائية التي تركت في ذهني أثرًا لا يمكن النأي عنه، ومما ليس فيه شك صعوبة طرحها كلها، إلا أنني انتقيت مجموعة حاولت من خلالها الدخول إلى عالم قصة الرواية ذاتها وعلاقتها بالمجتمع المحيط. تم تقسيم الاقتباسات الروائية المطروحة تحت اسم صاحبها مع ذكر الرواية ونبذة عنها بطبيعة الحال، وإليكم المقال.

  1. مريد البرغوثي

"الغربة كالموت، المرء يشعر دائمًا أن الموت هو الشيء الذي يحدث للآخرين، منذ ذلك الصيف أصبحت ذلك الغريب الذي كنت أظنه دائمًا سواي"

عبارة لخص فيها الكاتب مريد البرغوثي في روايته رأيت رام الله حال العديد من الفلسطينيين في مختلف بقاع الأرض الذين حالت حرب عام 1967م بينهم وبين عودتهم إلى أوطانهم، هذه المقاربة الموجعة بين الموت والغربة تكاد تلخص سجل حياة كامل مفعم بالإنجاز على أنه خاوٍ من الروح، فما بقاء الروح بالجسد دون وطن؟!. يقول درويش "الموت لا يوجع الموتى" نعم، فالموت يوجع الأحياء، الأحياء الذين غفل عنهم الموت لأنهم لم يكونوا بالداخل ربما، لكنهم بغربتهم غدت أرواحهم كالأرض اليباب.

يصف الكاتب رحلة عودته إلى رام الله وعلى طريقها يلملم شتات الروح، ينعشها بذكريات البلد والأهل والأصحاب، الضحكات والأفراح، وبعد غربة استمرت ثلاثين عامًا يجسد الكاتب قريته دير غسانة بل ويستنطقها أيضًا حيث يقول عن حالها "ها هي تكاد تفتح القوس الواسع الذي ستضع فيه ثلاثين عامًا من العمر، وتغلق عليه قوسًا آخر بحيث تضع كل غربتي بين قوسين"

هذا معنى أن تكون فلسطينيًا عائدًا من الشتات، كأن ذاك العمر، تلك الثلاثون عامًا ما كانت من الأساس، ستوضع بين القوسين وستبدأ من حيث انتهيت! لكن الحقيقة الموجعة هي أن الحياة التي تركتها هنا قبل هذه الأعوام الثلاثين لم تعد هي نفس الحياة، ووجه الأرض قد تغير كثيرًا. 

إذن، في نص مفعم بالحنين يصور مريد البرغوثي حياة الفلسطيني في الشتات والأمل بالعودة الذي لا يضمحل مهما تقدمت سني العمر، يروي الكاتب من خلال رحلة عودته قصة قلب يستعيد نبض الحياة. يعتبر كتاب رأيت رام الله من أقرب الكتب إلى قلب كل مغترب عامة، وكل فلسطينيي الشتات خاصة، ربما لأنه كتب بلسان حالنا جميعًا. يُذكر أن رأيت رام الله ترجمت إلى الإنجليزية بقلم الأديبة المصرية أهداف سويف.
 

الاقتباسات الروائية
العمل الروائي ما هو إلا نسيج لمشاعر مختلفة تسكن هاجس الناس عامة

  1. ميلان كونديرا

"إذا رفضنا إعطاء الأهمية لعالم يعتبر نفسه مهمًا، وإذا لم يجد ضحكنا أي صدى في هذا العالم، لا يعود أمامنا إلا حل واحد: أن نأخذ العالم دفعة واحدة، ونجعل منه موضوعًا للعب، أن نحوّله إلى لعبة"

ببساطة هذا هو أحد أهم مفاتيح ميلان كونديرا، تعاملْ مع الحياة بكونها "مزحة"، غير أنك لست معنيًا يإبراز"الهوية" للعالم، لا أحد يعنيه أمرك أكثر من نفسك، لذا ركز بحياتك فقط حتى لا تكون" كائنًا لا تحتمل خفته"، وإن غالبتك الدنيا عليك بـ" الجهل" المختلق لتنجو بنفسك، وإن كنت تسعى لـ"الخلود" عبر صخب مفتعل، يطمئنك الكاتب بأنك لن تحظ به مبجلًا في صفحات التاريخ، ومرة أخرى ركز بحياتك  فالحق أن "الحياة في مكان آخر"، قد تحيا على الأرض مجرد قصص أو"غراميات مرحة" لكن الكوميديا تكمن في أن من يشاركك هذه الغراميات لن يتوانى عن تسطير اسمك في" كتاب الضحك والنسيان" بعد تلاشي روحك بل وجسدك، فعلى رسلك واحيا الحياة بـ" البطء" الذي ترجوه روحك، فما الدنيا إلا "حفلة تفاهة" صاخبة، تجاوزْها بـ" رقصة الوداع" خاصتك على وقع خطواتك لا على وقع آلاتهم وانتشي بها على طريقتك. 

كونديرا، وماذا ترانا نقول فيه وعنه؟

في الواقع يعتبر المشروع الروائي لميلان كونديرا مشروعًا متكاملًا، وحتى نفهم حقيقة ما يعنيه، علينا أن نطلع على كل ما قدم، ففي كل رواية قصة وفكرة وإشارات مهلكة للروح عن خفايا النفس البشرية بفضائلها وأمراضها، إلا أن ما يميز رواية الخلود تحديدًا والتي منها أُخذ الاقتباس في الأعلى تمثل برأيي درة أعمال الكاتب، ولعل أبرز ما فيها هو فكرة لغة الجسد التي قامت عليها الرواية أساسًا، فمن مجرد إيماءة تخيلها الكاتب لبطلته المختلَقة أدخلنا إلى عالم كبير صاخب جمع فيه شخصيات من الواقع كان لا يمكن أن تجتمع مثل" غوته وإرنست هيمنغواي" على سبيل المثال عندما تخيلهما وأجرى على لسانهما حوارًا افتراضيًا عن الخلود في عالم ما بعد الموت.

يعمل ميلان كونديرا في العقل بطريقة خبيثة، في الواقع لست أنا من أطلق عليه صفة الخباثة هذه، لقد كان" فرانسوا ريكار" الذي قدم لرواية الحياة في مكان آخر، ولكنني كقارئة لكل أعماله أتفق مع ريكار بإطلاق هذه الصفة عليه، فالعقل بعد قراءة أعماله لا يعود كما كان، على أنه لن يعلم هذا تحديدًا، هل تعرفون أثر الفراشة الذي لا يُرى ولا يزول؟! نعم، هذا هو أثر كونديرا.

 

  1. جوستاين غاردر

" في الحقيقة علينا أن نخضع كل الركاب لاستجواب صارم، واحدًا واحدًا، فنسألهم إن كانوا قادرين على أن يقولوا لماذا يعيشون، ومن تعذرت عليهم الإجابة رميناهم، غير آبهين، من على الباخرة!

فسألته:

ـ والأطفال؟

ـ سيجتازون الامتحان بنجاح"

في الحوار السابق من رواية سر الصبر بين هانس توماس وأبيه وهما على متن باخرة في طريقهما للبحث عن الأم والزوجة التي سافرت إلى بلاد اليونان (أرض الفلاسفة) للبحث عن الحقيقة، أقول يلخص الكاتب النرويجي جوستاين غاردر نظرته الفلسفية في كل رواياته.

يرى غاردر أن السؤال هو أول طلائع المعرفة، وهذا نهج الفلاسفة منذ الأزل، وإن المعرفة تنسج أولًا من معرفة الإنسان لنفسه، حياته وسببها ورجائه منها، وإلا فهو حيًا أو ميتًا فالحال سواء، وفي إشارة مباشرة منه في الاقتباس السابق يؤكد على أن الأطفال وهم سليمو الفطرة والعقل سيجيبون عن السؤال ببساطة، فليس القصد صعوبة السؤال بل حقيقية الإجابة والقدرة على مواجهتها، والأطفال هم الحقيقيون في هذا العالم المزيف.

تعتبر الرواية من أهم ما يساعد على فهم عمق النفس البشرية بطريقة لا تخلو من المتعة

  1.  جوزيه ساراماغو

"لا أعتقد أننا صرنا عميانًا، أعتقد أننا عميان أصلًا. نحن عميان لكننا نرى، عميان بوسعهم أن يروا لكنهم لا يرون"

الغرائز البشرية ووحشتيها والطريقة المخزية التي ينساق بها البشر وراء غرائزهم هي ما يتناوله جوزيه ساراماغو في روايته العمى. يسلط الكاتب الضوء على مدى تحكم الغرائز البشرية بنا وما هي الحال في العالم لو كان الناس مجرد عبّاد لرغباتهم وغرائزهم، ببساطة، سيصبح العالم أشبه بغابة مليئة بالحيوانات البشرية.

تتلخص القصة بأن وباءً أطلق عليه اسم العمى الأبيض يصيب كل سكان المدينة بلا استثناء فتعبث الفوضى والخراب بكل ما فيه حياة على سطح أرضها، ثم تدريجيًا يبدأ الوباء بالانحسار مخلفًا كل القذارات التي خلفها أصحاب الوباء. ويخبرنا ساراماغو بأن العمى ليس فقد العين للبصر وإنما فقد النفس للبصيرة بالدرجة الأولى، وإن كان ما يبدو من تحضر منا لبعضنا البعض نتيجة رؤيتنا لوجوهنا ووجوه من هم حولنا، فإن فقدان البصر إذن سيظهر ما يتخفى تحت قناع هذا التحضر، "تحدث كي أراك" لأن ما تراه عيني منك لا يعني بالضرورة ما أنت عليه، بل إنه لا يعنيه بكل تأكيد.

 

  1. باولو كويلو

"الحب يبقى، والرجال، وحدهم، هم الذين يتغيرون!"

مرة أخرى يغوص الكاتب باولو كويلو وهو من أهم كتاب الأدب البرازيلي في أعماق النفس البشرية باحثًا عن الذات والكينونة الحقيقية لها، في روايته "على نهر بييدرا هناك جلست فبكيت" يحاول الكاتب إبراز اختبارات المشاعر التي نتعرض لها في حياتنا من خلال قصة بيلار التي تعيش حياة سعيدة بحسب ظنها متحصنة حيال الحب والحياة والأمل، حتى يشاء القدر التقاءها بأحد أصدقاء طفولتها وهو شخص مسكونٌ قلبه بحب الرب. 

يبدأ تخبطها بالظهور بعد اعترافه لها بحبه، حيث تبدأ هي بالتشكيك بجدوى حياتها السابقة، وتصيبها الحيرة حيال الرضوخ لهذه المشاعر أو الهروب منها، يعود ذلك بالدرجة الأولى إلى اختلاف توجهاتهما من وجهة نظرها العقدية والحياتية على حد سواء، فهل يعتبر التعارض الظاهري هذا سببًا وجيهًا للابتعاد؟ وما هي جدوى دروب يسير فيها المرء بعيدًا عن الحب؟

تختار بيلار البقاء بجانبه ومساعدته في بذل ما يمكن بذله في سبيل إرضاء الرب ونشر نوره في دروب حياة الناس المظلمة، ولكن، هل يمكن لمن نذر قلبه لحب الرب أن يخالطه فيه بشر، امرأة على وجه الخصوص؟

 

إن العمل الروائي ما هو إلا نسيج لمشاعر مختلفة تسكن هاجس الناس عامة، وما الروائي إلا فرد اختصته قدرته السردية على نقل ما يجول في النفس جرّاء هذه المشاعر من تخبطات وأحلام وحب وألم وأمل، لذا تعتبر الرواية من أهم ما يساعد على فهم عمق النفس البشرية بطريقة لا تخلو من المتعة.