يستدعي ميلان كونديرا في روايته الخلود حوارًا بين إرنست همنغواي وغوته بعد موتهما واجتماعهما في العالم الآخر، يعبّر فيه همنغواي الميت صراحة عن نفوره من الخلود بوصفه محاكمة أبدية، وأن كل ما يطمح إليه هو أن يعيش حياته -بعد مماته- في سكينة، ويقصد بعيدًا عن آراء الدارسين والمنظّرين والمحللين، هذا الحوار الطريف (الساخر بمعنى أدق) حول شخصين لا رابط بينهما كما يدّعي كونديرا هو حوار مقصود ربما من أجل تبيان ثقل الخلود على أصحابه، وأنهم ربما يرغبون بنيل السلام بعد مماتهم، ولكن لا يا همنغواي، لن يكون بمقدورك الهرب من كل هذا الحصار، وستظل ما دام أثرك موجودًا وسيرتك ومؤلفاتك متداولة، ستظل خاضعًا لمحكمة الخلود الأبدية، يتناوب القضاة فيها من محللين وكتاب وأكاديمين إلى معلمي المدارس وأصحاب الصالونات الثقافية- يتناوبون على تشريحك، وإعادة قصّ حكاياتك بتفاصيلها مرارًا وتكرارًا.
يصور كونديرا غوته قائلًا لمرافقه همنغواي: "إن كون الإنسان فانٍ يعد تجربة إنسانية أساسية، ومع ذلك لم يكن الإنسان قادرًا قط على قبولها وفهمها، والتصرف بمقتضاها. لا يعرف الإنسان كيف يكون فانيًا، ولما يموت لا يعرف حتى كيف يكون ميتًا".
أسلوب إرنست السردي كان من أهم عوامل ترشحه لجائزة نوبل للآداب وفوزه بها في 1954
إرنست همنغواي روائيًا
برع إرنست في الكتابة الصحفية منذ بداية عمله في الصحافة، وقد أثرت طريقة الكتابة الصحفية على أسلوبه، فقد جعلت لغته تتسم بالمباشرة والدقة والصدق والتكثيف. وقد كتب الشعر والقصة القصيرة، وله مجموعات قصصية عديدة. ولعل من أبرز الظروف التي ساهمت في توجهه لكتابة الرواية؛ صداقته مع سكوت فتزجيرالد، كاتب رواية غاتسبي العظيم، كأن براعة جيرالد حفّزت (ولن نقول أثارت غيرة) إرنست لكتابة نص يرقى إلى إعجابه بنصوص فتزجيرالد. فكتب روايته الطويلة الأولى.
أسلوب إرنست السردي كان من أهم عوامل ترشحه لجائزة نوبل للآداب وفوزه بها في 1954، فسرده الذي يشار إليه بأسلوب جبل الجليد مستعارًا من المفارقة بين ما يطفو على سطح النص المكشوف لفظًا، وما يطفو تحته من معانٍ غير مصرح بها، تمامًا كالجبل الجليدي الذي يطفو جزء بسيط منه فوق الماء، بينما يرزح وتد الجبل أسفل الماء مخفيًا.
ويتضح ذلك في نصوص همنغواي من خلال طريقة عرضه للمشاهد، فهو لا يُغرق النص بالتفاصيل، بل يختزل ما يمكن اختزاله بأكثر الكلمات وضوحًا وصدقًا، وهي كلمات تدل في ظاهرها على المعنى السطحي للحدث، مضمنًا إياها (تاركًا في الوقت نفسه للقارئ فرصة التأويل) دلالات تكشف نفسية الشخوص أو عمق الحدث. لأنه حسب نظره ليس مطلوبًا من الكاتب أن يكتب نصوصًا واضحة تشرح نفسها. وتبدّى ذلك في أبدع صورة في روايته الشيخ والبحر التي يقول فيها عن نفسه: "لقد حاولت أن أصنع عجوزًا حقيقًا وولدًا حقيقيًا وبحرًا حقيقيًا وسمكة حقيقية وقرشًا حقيقيًا، فإن أنا صنعتهم بشكل جيد وصادق كفاية فسوف يعنون الكثير، الأمر الأكثر صعوبة هو جعل شيء ما صادقًا بحق وأحيانًا أكثر صدقًا من الصدق"
أعمال إرنست همنغواي
ترك إرنست همنغواي إرثًا كبيرًا من التقارير الصحفية أيام الحربين العالميتين وبعدهما، وعن أسفاره كذلك، والعديد من المجموعات القصصية والأعمال الروائية، وأهمها:
-
المجموعات القصصية
- المخيم الهندي، مجموعة قصصية.
- رجال بلا نساء، مجموعة قصصية.
- الفائز لا يأخذ شيئًا، مجموعة قصصية.
- الطابور الخامس، مجموعة تضم قصة ثلوج كليمنجارو، وقصة حياة فرانسيس ماكومبر السعيدة القصيرة، ويضم مسرحيته الوحيدة بعنوان المجموعة نفسه.
-
الروايات الطويلة
- ثم تشرق الشمس.
- وداعًا أيها السلاح.
- لمن تقرع الأجراس.
- تلال أفريقيا الخضراء، عمل روائي واقعي مستلهم من رحلته إلى شرق أفريقيا.
- أن تملك ولا أملك، رواية تتصور كي ويست وكوبا في ثلاثينيات القرن الماضي.
- الشيخ والبحر، وهي الرواية التي فازت بجائزة نوبل.
- عيد متنقّل، مذكرات عن الفترة التي قضاها في باريس.
- وليمة منتقلة، وهي من الروايات التي نشرت بعد وفاته.
- جنة عدن، كتبها بعد الحرب العالمية الثانية ونشرت بعد وفاته.
- جزر في المجرى، مخطوطة نشرت بعد وفاته وكان عنوانها الأصلي كتاب البحر.
- الحقيقة في ضوء الفجر، رواية غير مكتملة نشرت بعد وفاته.
إرنست همنغواي وحياته المبكرة
ولد همنغواي عام 1899، لأب طبيب وأم صارمة جدًا، وكان الطفل الثاني والولد الأول في عائلة مكونة من 6 أبناء، تعلم في صغره عزف التشيلو، واعترف لاحقًا أنه لم يحب تعلم الموسيقى لكنه أدرك تأثير تلك الدروس على موهبته في الكتابة.
كبر همنغواي في بلدة أوك بارك، وكان يرافق والده في رحلات صيد السمك، والصيد البري كذلك، وتعلم منه مهارات التخييم، فنمت لديه هواية الصيد وحب المغامرة، وعندما بلغ الـ10 من عمره أهداه والده بندقية، دون أن يعرف أنها هدية مشؤومة، وأن السنين ستمضي بابنه إلى أن ينهي حياته باستخدامها. ولكن لن يهم ذلك فعلًا؛ لأن الأب نفسه لقي حتفه منتحرًا.
عُرف عن همنغواي كرهه لوالدته، لدرجة أنه كان يصرّح بذلك علنًا، كان يكرهها كرهًا حقيقيًا كما وضّح صديقه الروائي الأمريكي جون دوس باسوس، وكان كذلك يحمّلها وزر موت والده.
لم يكن همنغواي في بداية مراحل دراسته متفوقًا، بل واجه صعوبات عديدة، مما دفع والديه إلى الاعتناء بدراسته وتزويده بالقصص للقراءة الحرة، إلى أن تحسن وضعه الأكاديمي، وبعد تخرجه من الثانوية عمل صحفيًا لفترة قصيرة في صحيفة كنساس سيتي، وكان ذلك قبل الحرب العالمية الأولى، فما إن أُعلنت الحرب حتى شارك همنغواي في الجبهة الإيطالية كسائق سيارة إسعاف، فقد منعه ضعف بصره من أن يكون مؤهلًا للجندية في ساحات القتال، ولكن عمله كسائق إسعاف لم يُعفه من نيل نصيبه من الإصابات، ورغم أنه لم يقض وقتًا طويلًا في الجبهات إلا أنه شهد ويلات الحرب وسجلها في كتاباته لاحقًا. فأصيب بجروح خطيرة. وخلال فترة علاجه وقع في غرام ممرضة إنجليزية تدعى أغنيس فون كوروسكي، وكانت تكبره بـ 7 سنوات، وللأسف لم يُكتب لعلاقتهما الاستمرار، فوثق بعد سنوات تجربة الحرب والحب وتداعياتهما عليه في روايته (وداعًا للسلاح) 1929.
مزيد من الكتابة والحب
لا يمكن بحال من الأحوال فصل حياة المبدع عن مؤلفاته، قد يكون ذلك مقبولًا جزئيًا عند تحليل النص لغويًا وبنيويًا بمعزل عمن كتبه، لكن ليس حين يكون الكاتب كإرنست همنغواي، الذي انعكست مناحي حياته في تجربته الكتابية ومؤلفاته بوضوح بالغ، بل إنه عكس حياته وتجاربه صراحة في النصوص. وهنا نقدم ملخصًا لخطوط حياته العريضة ومراحلها، وأبرز مؤلفاته في كل مرحلة منها.
ثم تشرق الشمس
تزوج همنغواي 4 مرات، هي معلومة لن تكون مهمة بالضرورة إلا لو استحضرنا علاقته السيئة بأمه وانعكاسها لاحقًا على حياته الزوجية، بل وحتى على الشخصيات النسائية في رواياته.
بعد الحرب العالمية الأولى وبعد فشل قصة حبه مع الممرضة، عاد إلى موطنه وتزوج عام 1921 من الكاتبة الأمريكية هادلي رتشاردسون التي تكبره هي الأخرى بـ 8 سنوات، ثم انتقل همنغواي إلى باريس برفقتها ليعمل مراسلًا صحفيًا أجنبيًا لحساب تورنتو ستار، ورزق بعد عامين بابنه الأول جاك، في تلك الفترة ألف روايته الأولى (ثم تشرق الشمس) عام 1927. وفي العام نفسه طلق زوجته الأولى، وتزوج الثانية.
وتتناول الرواية في موضوعها العام حياة المغتربين والتيه الذي وجدوا أنفسهم فيه في عالم ما بعد الحرب العالمية الأولى، وهو لا يعرض الحديث عن الحرب بصراحة بل يعرض أثرها من خلال تفاعل الشخوص، وتصرفاتهم التي تعكس التخبط وغياب الهدف الذي هم فيه، وإنفاق الوقت بالشرب والضجر.
وداعًا للسلاح
الزوجة الثانية هي بولين فايفر، وهي كاتبة أمريكية أيضًا وكان لها أثر في توقيع عقد الرواية الأولى مع دار النشر، وتزوجها بعد شهور من انفصاله وعاش معها فترة في باريس، ثم انتقلا إلى أمريكا وغير عدة مرات مكان عيشه وقتها إلى أن استقر في كي ويست. ورزق منها بابنه باتريك، في عام 1928، وبعد 5 شهور تلقى صدمة بالغة بخبر انتحار والده، وترك هذا الخبر أثرًا شديدًا عليه لقربه من والده، وقد سافر همنغواي إليه فورًا لترتيب جنازته، على خلاف جنازة أمه لاحقًا التي لم يحضرها.
بعد ذلك انشغل همنغواي بروايته وداعًا للسلاح، ونشرها عام 1929، ومثلت الرواية (التي اقتبست للأفلام السينمائية والمسرحيات) تحولًا في مكانة همنغواي بوصفه كاتبًا كبيرًا.
تحكي الرواية قصة ملازم أمريكي مشارك ضمن القوات الإيطالية في الحرب العالمية الأولى، وبعد تعرضه للإصابة يغرم بممرضته، ويعود إلى الحرب ويتعرض للاستجواب، ليهرب برفقة حبيبته -التي تصير زوجته- إلى الجبال، ثم تلقى حتفها أثناء ولادة عسيرة يولد فيها الطفل ميتًا. ليواجه الملازم بؤسه وحده.
تعرّض همنغواي لاحقًا لحادث سيارة سبّب كسرًا شديدًا في يده اليمنى، وألهمته الحادثة كتابة قصة قصيرة بعنوان (المقامر والراهبة والراديو) بعدها سافر برفقة زوجته لخوض رحلة سفاري إلى كينيا، ألهمته كتابة قصتي (ثلوج كليمنجارو) و(تلال أفريقيا الخضراء) في منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي.
بعدها وتحديدًا عام 1937 شارك همنغواي في تغطية الحرب الأهلية في إسبانيا مع مجموعة الصحفيين البريطانيين والأمريكيين، لصالح تحالف صحف أمريكا الشمالية، وساءت علاقته بزوجته في تلك الأثناء، وتبع ذلك طلاقهما عام 1939.
لمن تقرع الأجراس
قبل انفصاله عن بولين كان همنغواي على علاقة بالأديبة والصحفية الشهيرة مارثا غالهورن (عُدت غالهورن من أعظم المراسلين الحربيين في القرن العشرين، والتي أطلق اسمها تكريمًا على اسم جائزة الصحافة المرموقة) وتزوجها وعاش في كوبا بحلول عام 1940، وألهمته كتابة روايته (لمن تقرع الأجراس) وهي الرواية التي لعبت دورًا في ترسيخ مكانة همنغواي الأدبية، ورشحت الرواية لجائزة بوليتزر، وفي سنة 1944 غدت علاقته بمارثا غير مستقرة، فطلبت الطلاق منه، وانفصل الزوجان رسميًا في عام 1945.
وأثناء الحرب العالمية الثانية غادر همنغواي كوبا وشارك في الحرب بوصفه صحفيًاـ إذا انتقل إلى فرنسا وألحق نفسه بفوج المشاة الـ22، ولم يتوان عن تعريض نفسه للخطر أثناء محاولته التقاط صور دقيقة أثناء المعارك، ونال بعد نهاية الحرب بعامين ميدالية النجمة البرونزية.
أما بالعودة إلى الرواية، فهي مستلهمة من معايشته للحرب الأهلية الإسبانية، وتعرض قصة شاب أمريكي ينتمي إلى عصابة الحرب الشيوعية بصفته خبير متفجرات يتولى مهمة تفجير جسر خلال هجوم على مدينة سيغوفيا، وتجسد الرواية الصراع بين الحب الوليد والواجب. ويعدها النقاد من أعظم روايات همنغواي.
الشيخ والبحر
تزوج همنغواي للمرة الرابعة من الصحفية الأمريكية ماري ولش، في نهاية الحرب العالمية الثانية، ثم بدأ كتابة عدة مؤلفات وأبرزها رواية (جنة عدن) التي بلغت 800 صفحة، ورواية عبر النهر وبين الأشجار مستلهمًا إياها من مشاعره الرومانسية العفيفة تجاه صبية تدعى أدريانا إيفانتشك تعرف إليها أثناء إقامته في البندقية. ولاقت الرواية ردود فعل سلبية، فكتب على إثرها روايته الأشهر الشيخ والبحر، التي نشرت في الربع الأخير من عام 1952، وأهلته للفوز بجائزة بوليترز مرة أخرى.
وفي روايته الفائزة يحكي قصة سانتياغو الشيخ الكوبي ذو الحظ العاثر، الذي يذهب في رحلة صيد، وبعد 80 يومًا يصطاد سمكة ضخمة جدًا، يصارعها عدة أيام وتصارعه وتسحب قاربه عميقًا إلى داخل البحر، حتى إذا ما تمكّن منها وقتلها، اجتذبت دماؤها المنتشرة في الماء أسماك القرش، ليخوض سانتياغو العجوز حربًا أخرى ضد القرش، الذي سينتصر عليه في النهاية ويأكل السمكة ولا يترك منها شيئًا سوى هيكلها المفرغ. يعود سانتياغو بالهيكل "الدليل" على أنه اصطاد سمكة بهذه الضخامة، فينبهر باقي الصيادين، من تمكن شيخ في خريف عمره من اصطياد هذا الصيد، والشعور بالأسى لأنه لم يتمكن من الاحتفاظ به.
كانت تلك السنوات وما لحقها أكثر سنوات حياة إرنست همنغواي إثارة ومخاطرة، فبعد نجاته من الحربين، لم تتوقف سلسلة الحوادث والإصابات التي تعرض لها في حياته وأسفاره ومغامراته، إذ تعرض في أفريقيا 1954 لحادثتي تحطم طائرة في رحلتين. تعرض الكاتب وزوجته خلالهما إلى إصابات خطيرةـ إلى درجة أن الصحفيين تهافتوا على كتابة نعيه قبل أوانه. ليس ذلك فحسب، بل إنه بعدها سافر في رحلة صيد واندلع حريق في الغابة سبب له حروقًا من الدرجة الثانية. مما سبب تدهور حالته الصحية والنفسية والمزاجية.
في العام نفسه فاز بجائزة نوبل للآداب واكتفى بأخذ مستحقات الجائزة المالية فقط ولم يذهب إلى ستوكهولم ليستلمها، وصرح بأن هناك من الكتاب من هم أحق به منها، ولعل الأمر متعلق بشكوكه حول دوافع الأكاديمية لمنحه الجائزة بسبب إشاعات وفاته حسبما يوضح كاتب سيرة همنغواي جيمس ميلو.
انتحار همنغواي.. هروب أم نجاة
لا أظن أن إقدام أي أنسان على الانتحار سيكون أمرًا قابلًا للفهم لمن هم حوله، حتى لو كان السبب أو الأسباب الظاهرية مشخّصة، فأي وضع ذاك الذي يدفع شخصًا لإنهاء حياته؟
لم تكن مراقبة ماري لزوجها عن كثب وهو يحاول الانتحار أمرًا سهلًا، بالطبع سبق محاولاته تلك تدهور وضعه الصحي والذهني والمالي كذلك، ولعل هذا الكاتب -رغم بهرجة حياته وامتلائها بالمغامرة ظاهريًا- كان يخفي في طياتها كل هشاشته. فكأنه حمل تعقيداته وطفولته وخيباته العاطفية وفقدان والده، حمل كل ذلك في قلبه إلى أن فاض فيه. فاضطر إلى دخول مصحة مايو كلينك باسم مستعار وعولج بالصدمات الكهربائية، وذلك ساهم في زيادة حالته سوءًا.
كان همنغواي يعاني جسديًا ونفسيًا بسبب تناوله علاجًا للاكتئاب، وكانت تراوده شكوك بأنه ملاحق من قبل مكتب التحقيقات الفدرالية، لدوره في الحرب العالمية الثانية، ولصلاته ومعارفه في كوبا، بالإضافة إلى أنه ترك مسوّداته في كوبا وكان يخشى فقدانها، كل ذلك زاد الضغط عليه.
في ربيع 1961 شاهدت ماري زوجها يلقّم بندقيته، تلك التي أهداها له والده، فذعرت واتصلت بالطبيب، وأدخل همنغواي على إثر ذلك مجددًا إلى المستشفى وتلقى جلسات الصدمات الكهربائية، وعندما سمح له بالعودة إلى المنزل بعد حوالي 3 شهور، غافل زوجته في صباح أحد الأيام وتناول بندقيته لينهي حياته فعلًا، وذلك في منزله في كيتشوم.
هل ارتاح همنغواي بذلك؟ لا أحد يملك الإجابة. ولكن هناك من يرى تشابهًا بين سلوكه وسلوك والده قبل انتحاره. بإشارة إلى وجود مشكلة وراثية تسبب تدهورًا عقليًا ونفسيًا يؤدي إلى الانتحار، ومما زاد من قوة الفرضية أن شقيقتيه انتحرتا، وحفيدة له انتحرت كذلك.
إن إرنست همنغواي بوصفه كاتبًا صحفيًا وروائيًا، استطاع دق مسمار شهرته في عمق جدارية الكتاب الأمريكيين، ويظل أسلوبه الكتابي وأعماله من أكثر الأعمال نجاحًا وتميزًا. كما ظل بيته في كي ويست مزارًا ومتحفًا، يعرض أعماله ومسودات كتاباته للزوار. ورغم كل ما خاضه في حياته، ونهايتها التي تبدو لنا مأساوية إلا أنه لا يمكن بأي حال إلا الشعور بالثقل الأدبي والقيمة الروائية لأعماله كلها.