29-فبراير-2020

تحولت أحداث العنف في الهند إلى مجزرة منظمة (Getty)

شهدت مناطق مختلفة في شمال شرق العاصمة الهندية نيودلهي موجةً غير مسبوقة من أحداث العنف، بعدما هاجمت مجموعات منظمة من الهنود الهندوس مساكن سكان الهند المسلمين ما أسفر عن سقوط عشرات القتلى والجرحى، مستغلين استنفار قوات الأمن الهندية لتأمين زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي التقى فيها رئيس الوزراء الهندي ناريندا مودي.

 قانون الجنسية الذي كان شعلة الاحتجاجات بين الطرفين أخذ منحى طائفيًا تمدد إلى شوارع مختلفة من العاصمة الهندية، وأصبح هناك أشخاص يتعرضون للضرب بسبب انتمائهم الديني

احتجاجات على قانون الجنسية تأخذ منحى طائفيًا

كانت الشرارة الأولى لأحداث العنف قد بدأت في ثلاث مناطق ذات أغلبية مسلمة  على مسافة 18 كم من قلب العاصمة يوم الأحد الماضي، عندما كانت مجموعة من المعارضين لقانون الجنسية الذي فرضته الحكومة مؤخرًا تتظاهر احتجاجًا على القانون على مسافة تبعد كيلو متر واحد من تظاهرة ينظمها أنصار الحزب الحاكم بهاراتيا جاناتا دعمًا للقانون، تخللها تراشق الطرفين بالحجارة.

اقرأ/ي أيضًا: نسخة "قوانين نورمبرغ" في الهند.. مودي يتجه لتشكيل دولة للهندوس فقط

لكن قانون الجنسية الذي كان شعلة الاحتجاجات بين الطرفين أخذ منحى طائفيًا تمدد إلى شوارع مختلفة من العاصمة الهندية، وأصبح هناك أشخاص يتعرضون للضرب بسبب انتمائهم الديني، كما أفادت عشرات التقارير الإخبارية، عندما بدأت مجموعات منظمة من الهندوس ذات الغالبية السكانية في البلاد بمهاجمة بيوت ومتاجر وأملاك المسلمين اعتبارًا من صباح الاثنين، تخللتها اشتباكات عنيفة بين المتظاهرين تقاذفوا فيها بالحجارة.

وقالت الشرطة الهندية إن 35 شخصًا قضوا في أحداث العنف الأخيرة التي شهدتها البلاد، وهو ما يتنافى مع وسائل الإعلام المحلية التي تشير نقلًا عن مصادر لم تذكرها إلى أنه من المرجح أن يكون العدد أكثر من 40 شخصًا، وأنباء عن سقوط ما يزيد على مائتي جريح، فضلًا عن اعتقال الشرطة الهندية لأكثر من 500 شخص، فيما لا تزال عمليات البحث جارية في المصارف والمنازل التي احترقت فيها الجثث.

وتواجه الحكومة الهندية انتقادات دولية متزايدة لفشلها في حماية الأقلية المسلمة، بالأخص بعد سنّها قانون الجنسية الجديد الذي ييسر حصول المقيمين غير المسلمين في البلاد من ثلاث دول مجاورة يغلب المسلمون على سكانها على الجنسية الهندية، وعلى الرغم من الاتهامات التي يواجهها الحزب الحاكم بتقويض التقاليد العلمانية للهند بتشريع مثل هذا القانون، فإن الحزب ينفي أي انحياز من جهته ضد الأقلية المسلمة في البلاد.

وينص قانون الجنسية الذي أقرته حكومة مودي في كانون الأول/ديسبمر الماضي، على منح الجنسية للأقليات غير المسلمة مثل الهندوس والسيخ والمسيحيين من أفغانستان وبنجلادش وباكستان، التي يقيم كثير من أفرادها في الهند منذ سنوات دون حقوق، على مسار يفضي تلقائيًا إلى حصولهم على الجنسية الهندية إذا كانوا قد أتوا من هذه الدول الثلاث قبل عام 2015، وشبهت الكاتبة أرونداتي روي قانون الجنسية الجديد "بقوانين نورمبرغ لعام 1935" التي حرمت اليهود من الجنسية الألمانية.

وفيما ترى الحكومة الهندية أن القانون تم إبرامه دون أي تحيز ديني، فإن السكان المسلمين الذين يشكلون 14 بالمائة من نسبة سكان الهند، يشعرون بالقلق بشكل خاص لأن القانون الجديد أعقب إلغاء الوضع الخاص لإقليم كشمير الذي تسكنه أغلبية مسلمة، كما جاء بعد حكم محكمة ببناء معبد مكان مسجد هدمه متعصبون هندوس في شمال الهند، ويرون في هاتين الخطوطتين تعزيزًا لبرنامج يقوم على الأولوية للهندوس.

الهندوس كانوا يبحثون عن المسلمين العزل لضربهم

كان محمد زبير عائدًا إلى منزله في شمال شرق نيودلهي عندما تعرض لهجوم من شبان يحملون عصي خشبية وقضبان حديدية انهالوا عليه بالضرب، وتقول وكالة رويترز إن الاعتداء صور بعدسة مراسلها عصر يوم الاثنين الماضي، مشيرةً إلى أنه قرب المنطقة التي حصل فيها الاعتداء كان المحتجون من المسلمين والهندوس يشتبكون مع بعضهم بالحجارة والزجاجات الحارقة بدائية الصنع.

غير أن الحزب الحاكم ينفي على لسان متحدثه تاجندر بال سينغ باجا تأييده لأي نوع من أنوع العنف بما فيها الاعتداء على زبير، ملوحًا لما يعرف بنظرية المؤامرة ولخطة كانت "مدبرة سلفًا"، مرجحًا وجود جهات محلية تقف وراءها لتزامنها مع زيارة الرئيس ترامب، لكن المشهد في شوارع العاصمة كان مناقضًا لتصريحات سينغ باجا، بعد ما نقلت وسائل إعلام عديدة أن "مجموعة من الغوغاء" كانوا يرددون شعارات هندوسية، ويبحثون عن المسلمين العزل في الطرقات لضربهم، بحسب ما نقلت وكالة رويترز على لسان مراسليها.

واعتبر أستاذ العلوم السياسية – الذي يقود حزبًا صغيرًا يعارض سياسات الحزب الحاكم – يوجندرا ياداف أن أحداث العنف التي تشهدها شوارع دلهي أشبه ببدايات أحداث العنف التي استهدفت أقلية السيخ الدينية في البلاد عام 1984، في إشارة لأحداث العنف التي تعرضت لها أقلية السيخ بعد اغتيال أحد أفرادها لرئيسة الوزراء حينها أنديرا غاندي، مما أسفر عن سقوط آلاف الضحايا السيخيين في أحداث وصفها المحققون بأنها "عنف منظم".

ويشعر بعض المسلمين الهنود بالارتياب تجاه سياسات مودي الشعبوية، كما يشعرون بالخوف من موقفه من أسوأ أعمال العنف التي شهدتها الهند منذ استقلالها، عندما قتل ما لا يقل عن 2500 مسلم هندي في ولاية جوجارات وكان مودي رئيسًا لوزارء الولاية في عام 2002، وتفجرت حينها أعمال العنف ردًا على مقتل 59 هنندوسيًا حرقًا بعد اشتعال النيران في قطار كانوا يستقلونه، وأثيرت الشبهات حينها بوقوف الأقلية المسلمة وراء الحريق، وعلى الرغم من إدانة المحققين للعشرات من الطرفين بارتكاب أعمال العنف إلا أنه تمت تبرئة مودي من الأحداث، لكنه بقي ممنوعًا من دخول الأراضي الأمريكية إلى أن أصبح رئيسًا لوزراء الهند في عام  2014.

أبرز الأسباب التي أججت العنف في شوارع دلهي

تزايدت الأسئلة الموجهة للحكومة الهندية أولًا، وشرطة دلهي ثانيًا، بعد فشل الأخيرة بإخماد أعمال العنف التي أدت لإراقة الدماء في أحياء العاصمة، ووفقًا للإحصائيات فإن الهنود الهندوس يشكلون 80 بالمائة من نسبة سكان البلاد، مقابل 14 بالمائة من المسلمين، على أن أكثر المناطق تضررًا كما أفادت عشرات التقارير الصحفية كانت الأحياء المختطلة دينيًا، وتبعد قرابة نصف ساعة بالسيارة عن مكتب رئيس الوزارء مودي شرقي العاصمة.

من بين القصص التي ينقلها تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية مختصرًا أحداث العنف التي شهدتها شوارع دلهي، كانت قصة عائلة مسلمة هربت من منزلها عندما هاجم بعض الهندوس منازل المسلمين، وعندما عادت أول أمس الخميس لجمع حاجياتها الأساسية تم إعدام جميع أفراد تقريبًا، ولا تزال حتى لحظة إعداد التقرير أعداد القتلى غير معروفة نظرًا لوجود جثث متواجدة في أماكن يتصاعد منها الدخان.

وتشير الصحيفة الأمريكية في تقريرها إلى أن العديد من المجتمعات المحلية التي كانت مندمجة ذات يوم في الهند بدأت تتفكك على أسس طائفية مع ظهور المزيد من الروايات حول الاستهداف الواقع على أسس دينية، ويتساءل الناشط في مجال حقوق الإنسان هارش ماندر عن الأسباب التي دفعت الشرطة لعدم التصرف، رغم أن اللحظات التي استبقت أحداث العنف في شوارع دلهي كانت تؤكد أن "المدينة بأكملها تعلم أن أعمال الشغب وشيكة".

وماندر واحد من النشطاء الذين يضغطون على المحاكم للتحقيق مع زعماء العصابات، واتهم أعضاء من الحزب الحاكم خلال جلسة استماع أمام المحكمة بأنهم متورطون بالتحريض على الكراهية والقتل، قوبل من قبل الحكومة الهندية بطلب المزيد من الوقت للتحقيق، ما اعتبره محللون أنه تكتيك من الحكومة الهندية لحماية نفسها، ومنحت المحكمة الحكومة أربعة أسابيع أخرى لإجراء المزيد من التحقيقات.

وفي الوقت الذي نفى أحد كبار الشرطة الهندية ألوك كومار أي علم بأن تكون زيارة ترامب أثرت على انتشار أفراد الشرطة في شوارع دلهي، فإن اثنين من المسؤولين الحكوميين تحدثوا للصحيفة الأمريكية شريطة عدم الكشف عن هويتهم خوفًا من الانتقام منهم بإقالتهم من منصبهم، قالوا إن شرطة دلهي كانت تواجه نقصًا في عدد الضباط لأن معظمهم كان مكلفًا بحماية ترامب.

وقالت صحيفة ديلي تلغراف البريطانية إن مقاطع الفيديو أظهرت وقوف أفراد الشرطة على الحياد عندما هاجم الغوغاء الهندوس منازل المسلمين، كما أظهر مقطع واحد إجبار ضباط الشرطة مجموعة من الأشخاص كانوا ينزفون بسبب ما تعرضوا له من ضرب على غناء النشيد الوطني لإثبات حجم ولائهم للهند.

أعمال الشغب في دلهي أشبه بـ"مذبحة"

لذا فقد كان لافتًا في أحداث العنف التي اندلعت في شوارع العاصمة الهندية أنها جاءت بموازاة الزيارة التي كان يجريها ترامب للهند لأول مرة منذ وصوله للبيت الأبيض في كانون الثاني/يناير2017، تخللها إلقاء كلمة أمام آلاف الأشخاص في جوجارات مسقط رأس رئيس الوزراء مودي، فقد احتشد ما يزيد عن مائة ألف شخص لاستقباله في الولاية الهندية، غير أن هذا الرقم يناقض الوعود التي أطلقها مودي عندما قال لترامب إنه سيقوم بحشد 10 ملايين شخص لاستقباله.

وأمام الحشد الذي كان في استقباله أكد ترامب على أن الهند "بلد يحتوي بفخر الحرية وحقوق الفرد وحكم القانون وكرامة كل إنسان"، وعندما وجه إليه في المؤتمر الصحفي سؤال عن قانون الجنسية الذي اقترحه رئيس الوزراء مودي، وكان سببًا بتأجيج الاحتجاجات الشعبية لأنه يمهد لمعاملة المسلمين في الهند على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية، تجنّب ترامب الحديث حول الموضوع مكتفيًا بالقول: "لا أريد مناقشة ذلك.. أود تركه للهند.. وآمل أن يتخذوا القرار الصحيح لصالح الشعب".

وفيما كانت شوارع العاصمة دلهي تغرق بأحداث العنف الطائفية، كان مودي يُكرم ترامب في ملعب للكريكيت في جوجارات بتشغيل أغنية Macho Man للفنان فيلدج بيبيل، فضلًا عن إعداد جولة لزيارة منزل زعيم الاستقلال الهندي مهاتما غاندي، وتقديم التحية لترامب في القصر الرئاسي بـ21 طلقة.

وفي مقابل ذلك كتب ترامب على دفتر الزوار الخاص بمنزل الزعيم الهندي بعد الانتهاء من الزيارة موجهًا الشكر لمودي فقط، وبحسب ما أخبر السياسي الهندي تاباس داي موقع ذا إنترسبت الأمريكي، فقد أكد ترامب أن واشنطن انضمت إلى جانب دلهي في الحرب على "الإرهاب الإسلامي المتطرف".

اقرأ/ي أيضًا: كشمير.. قصة الإقليم الذي يهدد بإشعال حرب نووية

وعلى بعد كيلو مترات من مكان زيارة ترامب، كانت شرطة دلهي تشاهد هجوم الغوغاء من الهندوس المتعصبين على المسلمين بالحجارة وإشعال النار في السيارات، في مشهد بدا كأنه تشجيع من الشرطة للغوغاء على هجومهم، وفقًا لما نقل الموقع الأمريكي على لسان مراسل وكالة رويترز ديفجيوت غوشال، ويضيف الموقع نقلًا عن صحفيين آخرين أن شرطة دلهي رفضت التدخل يوم الثلاثاء 25 شباط/فبراير الجاري، عندما هاجمت عصابات تهتف بشعارات هندوسية واسم مودي بيوت الهنود المسلمين، وظهر في بعض اللقطات اختلاط أفراد من الشرطة مع المهاجمين.

تزايدت الأسئلة الموجهة للحكومة الهندية أولًا، وشرطة دلهي ثانيًا، بعد فشل الأخيرة بإخماد أعمال العنف التي أدت لإراقة الدماء في أحياء العاصمة

وغرّد الخبير في النزاع العرقي في الهند آشوتوش فارشني عبر حسابه الرسمي على تويتر يقول:"بشكل عام، بدأت أعمال الشغب التي وقعت في دلهي هذا الأسبوع في أن تأخذ شكل مذبحة، على طريقة مذبحة ولاية جوجارات عام 2002"، ويضيف موضحًا أن "المذابح المنظمة تشكل فئة خاصة من أعمال الشغب عندما تفعل شرطة الولاية، بدلًا من اتخاذ موقف محايد والتحرك لإنهاء أعمال الشغب، أمرين: (واحد) تقف متفرجة فيما يستمر الغوغاء في عنفهم، أو (اثنان) تساعد هؤلاء الغوغاء العنيفين صراحة"، قبل أن يختم تغريدته بالإشارة لوجود "أدلة كافية على (واحد) من دلهي هذا الأسبوع، وبعض من (اثنان) كذلك".