26-يناير-2016

غرافيتي لسامبو في القاهرة

السلطة تحتكر
 
البداية تكون في القمة هناك عند سفح هرم السلطة، تنكمش مقومات السلطة وكل الصلاحيات الممكنة في قبضة مجموعة قليلة من الناس، تستثنى منها جماعة رجال الأعمال والممولين لمخططات السلطة السابقة كما هو الحال في مصر، حيث بدأت السلطة تزاحم رجال الأعمال لتقويض صلاحياتهم واحتكار مساحتهم الخاصة، وللتخلص من سيطرة استثماراتهم على المجال العام، حتى لا تعيد هذه الفئة استخدام نفوذها للانقلاب على حليفتها السابقة. حدث ذلك إبان القبض على رجل الأعمال صلاح دياب مؤسس ومالك جريدة "المصري اليوم" في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي -التي تغني على هوى السلطة في كثير من الأحيان- واتهامه بقضايا فساد لها علاقة باستيلائه على أراضي للدولة بطريقة غير شرعية.

خلق العدو أهم من العدو نفسه، لأن ذلك الشبح يمنح مسحة الشرعية المقدسة لسلطة تعرف جيدًا أنها أتت بطريقة غير شرعية

السلطة الممثلة في الجيش لم يعد يعجبها أن تضغط الجريدة من وقت لآخر، وأن يزاحم رجال الأعمال الجيش على المشروعات الكبرى. بعض رجال الأعمال فهم الدرس جيدًا. وهذه كانت الرسالة. الأمر ليس جديدًا. الدوائر المشتعلة تتم الآن داخل السلطة نفسها وليس خارجها حيث المعاناة اليومية والغضب المكتوم.

في الشارع، تمنع السلطة الهواء والماء إن استطاعت. وتبث الخوف وتحتكر الجمر والنار. الفكرة هي العدو الهلامي الذي تعرف السلطة جيدًا أنها تقاومه كما كانت القوات المتحدة تخلق عدوها في كل مكان لحاجتها للحرب لاستمرار الدعم لمؤسستها العسكرية، خلق العدو غير الموجود أهم من العدو نفسه، لأن ذلك الشبح هو من يمنح مسحة الشرعية المقدسة لسلطة تعرف جيدًا أنها أتت بطريقة غير شرعية.

المؤسسة الدينية تؤدي تحية العلم!

يقول جوستاف لوبون إن الدين والمشاعر من أكثر محركات الجموع. وهو لم يخطىء في ذلك. وفي مجتمعات لا تقرأ، يكون أي تأويل للدين في سياقات سياسية عاملًا محركًا للجموع. لكن دغدغة الوعي الجمعي من خلال ورقة مكتوبة أثناء طقس الصلاة من أهم أدوات السلطة حتى لا تخرج أي شاه عن القطيع. ذات مرة صرح روبسبير في برلمان الثورة الفرنسية قائلًا إن الله أراد لفرنسا أن تكون جمهورية من بدء الخليقة!!

بعد تولي عبد الناصر مقاليد الأمور في مصر إثر انقلاب 52 تموز/يوليو كان من بين الأشياء التي أممها في مصر المؤسسة الدينية، فجعل من إمام الأزهر الإمام الأكبر وأدخل الأزهر إلى لعبة الدين والتجارة والتصريحات الرسمية حتى يضمن تدجينه. كان يعرف جيدًا بحس الزعيم المسيطر أن الدين يمكن أن يقلب الثورة عليه. 

خطة الثورات المضادة

لا خطة محددة في العادة. تقوم الثورات لوجود الإجماع. إجماع ما عند الناس على سوء أحوالهم وترديها، ثم تأتي الشجاعة في المقام الثاني. يتم هدم العاملين السابقين من خلال التقسيم الممنهج للإجماع، ويتم ذلك بطرق تدريجية عدة على طريقة فرق تسد القديمة جدًا التي استخدمها السومريون واليونانيون لتفريق أعدائهم وهي تأتي بعد الغزو المباشر للأرض في العادة. فهناك مجتمعات مستعدة لفكرة العنصرية والتمييز أكثر من غيرها، وهناك مجتمعات تحدث فيها مذابح كانت خلفياتها عرقية أو سياسية أو دينية.

هل الظلم وحده يحرك الجموع، أم ثقة الجموع في قدرتها على الإطاحة بالظلم وممثليه؟ 

في مصر يحدث ذلك على كل المستويات حيث تُطلق اليد السلفية على مسيحي الصعيد، وتنقذهم السلطة، ولكن تظل الكنيسة تدين بولائها للسلطة الحاكمة. وفي الشمال حيث يتدرج المنحدر المدني حتى يصل أقصاه في العاصمة ومدن الساحل، حيث تنعزل قليلًا الطبقة الوسطى، وتبدأ في الانكماش حتى تصل إلى أطراف المدينة، وهم من تعالى عليهم الثوار في مرحلة من المراحل وأسموهم بحزب الكنبة، ثم عاقبتهم تلك الطبقة العريضة مرتين في تصويت عقابي في برلمان 2013 و2012.

هناك نظرية تقول إن الإنسان القادر على الاعتراض ليس جائعًا تمامًا وليس منهكًا تمامًا، وهناك مساحة للحرية مسموح له بها ليتحرك فيها. لكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذه النقطة، هل للثورات علاقة بالوعي فقط؟ أو بالجوع فقط؟ 

هل الثورة فعلًا تحرك جماعي مفعم بالمشاعر الجياشة؟ أم هي أصلًا إرادة فئة صغيرة أطلقت صافرات إنذار لمجتمعات منهكة ومنهوبة وغير قادرة على التحرك؟ هل الظلم وحده يحرك الجموع أو ثقة الجموع في قدرتها على الإطاحة بالظلم وممثليه؟ 

يقتل الثورات من يبدأ في التصرف على أساس أنه محتكرها وممثلها الشرعي الوحيد، وحين يكون خطابها باردًا لا يقرأ الواقع الحقيقي، ولا يبدع في الاعتراض ولا العصيان ويعتمد على الحشد وحده. تعود الثورات إلى الواجهة حين تتحدث باسم الناس، وباسم مطالبهم، وحين لا تتعالى عليهم وحين تذوب الانقسامات بينهم، وحين تختفي العنصرية والطائفية، والاتهامات المتبادلة، ودوائر الانتقامات والقتل على الهوية.

اقرأ/ي أيضًا:

في ذكرى يناير الخامسة.. نداء للاتحاد

غير المغضوب عليهم.. ولا هشام جنينة