25-نوفمبر-2017

تعيش الديمقراطية الغربية حالة من الانهيار (iasc culture)

في ظل حالة الفوضى التي يشهدها العالم، وفي القلب منه أوروبا والعالم الغربي المتغني بـ"ديمقراطيته"، وانعكاس تلك الفوضى في ألمانيا حاليًا التي فشلت فيها محادثات إنشاء تحالف حاكم؛ نشر موقع صحيفة "شبيجل" الألمانية مقالًا يُناقش مآل المفاهيم التي عمل الغرب على تصديرها والترويج لها باعتبارها "صورة التاريخ التي تعكس إيجابياته". هل باتت الديمقراطية الغربية فعالة؟ أو هل كانت كذلك أصلًا من قبل؟ التنمية والليبرالية والحريات بالمفهوم الغربي، هل انتصر هذا النموذج الغربي وساد العالم كما توقع مفكرون غربيون مثل فوكوياما؟ أسئلة يناقشها مقال "شبيجل" الذي ترجمناه لكم في السطور التالية.


على الرغم من بُعد انهيار محادثات الائتلاف الحاكم مؤخرًا في ألمانيا، عن الأزمات الوطنية الكبرى؛ إلا أن ثمة أعراض خطيرة بدت من وراء ذلك، فلقد حان الوقت للساسة الألمان أن يدركوا ما هو على المحك بالنسبة لبلادهم ولسائر بلدان العالم الغربي.

يميل الغربيون إلى ترجمة التاريخ وتفسيره بصورة تعكس كثيرًا من "الإيجابيات" عن أنفسهم

إن نسياننا في بعض الأحيان كمواطنين غربيين، لقناعاتنا ونظرتنا للعالم، هو أحد الأشياء الكثيرة الممكنة التي قد ننساها في خضم مستجدات الحياة. كما لا يَلقى فهمنا لحقوق الإنسان أو تشبثنا بمبادئ الديمقراطية الليبرالية قبولًا في كثير من أرجاء العالم. فهل أسلوب الحياة الغربية متفوقًا أخلاقيًا بالفعل؟ وحتى لو كان كذلك، فهل يُعتبر أفضل طريقة ناجحة وبناءة في تنظيم المجتمعات البشرية؟

اقرأ/ي أيضًا: الاستشراق المعكوس

نحن نميل في الغرب أيضًا إلى ترجمة التاريخ بصورة تعكس كثير من الإيجابيات على أنفسنا، فهل كانت القرون العديدة التي لعبت فيها أوروبا والولايات المتحدة دورًا محوريًا في الأحداث العالمية، مبالغ في أهميتها؟ وهل كانت بمنأى عن التنوير والنهضة الذي حملنا لواءها؟ ألم تكن مبنية على قدرتنا الهندسية وبراعتنا التقنية؟ هل كانت أهم الإنجازات العالمية ليس لها علاقة بذكائنا وألمعيتنا حقًا؟

بعد انهيار الشيوعية عام 1989، كتب فرانسيس فوكوياما كتاب "نهاية التاريخ"، وكان يقصد بذلك، انتصار القيم الغربية. مبشرًا بقرب تحول العالم كله إلى الديمقراطية، بعد أن بزغ نجم النظام السياسي المنتصر. كان ذلك في بداية التسعينيات. والآن، بعد نحو ربع قرن آخر، ما هو العبث الذي يعم أرجاء العالم، في 2017؟ 

لقد ارتكب العالم الغربي العديد من الأخطاء منذ أيلول/سبتمبر عام 2001. فقد كان هناك تدخل فوضوي بلا هدف في العراق وأفغانستان وليبيا. كما كانت هناك أزمة اقتصادية ذات أسباب ذاتية عام 2008، والتي لم تكن أزمة عالمية، بل كانت أزمة اقتصادية غربية عبر المحيط الأطلنطي، إذ لم تتأثر بعض الدول مثل الصين وإندونيسيا والهند بهذه الأزمة، بل استمر اقتصاد هذه الدول في النمو.

الآن، لا تفضل أي دولة أن تتخذ من الولايات المتحدة مثالًا يحتذى به (Getty)
الآن، لن تفضل أي دولة أن تتخذ من الولايات المتحدة مثالًا يحتذى به (Getty)

لقد أثبتنا للدول غير الديمقراطية بوضوح، وعلى مدار سنوات طوال، أن الديمقراطية لم تعد موثوقة، فضلًا عن هشاشتها البالغة. فقد أدت هذه الديمقراطية إلى تولي قادة دون المستوى مثل دونالد ترامب للسلطة في الولايات المتحدة، وتسببت في الموافقة الفادحة على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (البريكست). وكان واضحًا منذ زمن بعيد أن الديمقراطية تسير ببطء، إلا أنها أصبحت تقترف الأخطاء الشنيعة حاليًا. فأي دولة في العالم قد تتخذ الولايات المتحدة الأمريكية مثالًا يُحتذى به الآن؟. يقودنا ذلك إلى الحديث عن ألمانيا، مركز الثقل الأوروبي الأكثر استقرارًا من غيره.

يجب أن نشير في البداية إلى أن الأزمة الحكومية التي برزت في محادثات الائتلاف الفاشلة الأخيرة، ليست أزمة دولية، أو على الأقل حتى الآن. فالحكومة الانتقالية لاتزال في السلطة، والرئيس الاتحادي يقوم بمهامه على أكمل وجه، واقتصاد البلاد ثابت وقوي، والنظام يعمل على الوجه الأمثل. بل حتى المستشارة -التي ينحصر دورها في التواصل السياسي في أفضل الأحوال، والتي أدت قيادتها للبلاد على مدار 12 عامًا إلى الوضع الاقتصادي التي تعيشه البلاد هذه الأيام- تواصل دورها بعناية ومسؤولية.

خلال العقدين الماضيين ارتكب العالم الغربي العديد من الأخطاء التي أثبتت للعالم أن الديمقراطية الغربية هشّة وغير موثوقة

وفي غضون ذلك، رفض سياسيو الحزب الديمقراطي الاجتماعي الألماني فكرة الانضمام إلى ائتلاف ميركل مرتين بشكلٍ سريع وطفولي. لذا، لم يعد هناك طريق آمن للعودة. فمن شأن انضمام الحزب إلى ائتلاف كبير أن يهمشه إلى حدٍ بعيد، وخلال السنوات الأربع التالية، قد تنهار شعبية الحزب إلى نسبة لا تزيد عن 15%. وبالتالي، فإن إجراء انتخابات جديدة سريعة، هو الأمر المنطقي الوحيد في خضم كل هذه الأحداث. على أمل أن تأتي هذه الانتخابات بحكومةٍ واضحة، تشعر بمسؤولية أكبر خلال محادثات تكوين الائتلاف القادم.

اقرأ/ي أيضًا: ألمانيا تتجه نحو فوضى سياسية لا مثيل لها

غطرسة الرفاهية

كان أكثر شيء مزعج في حقيقة الأمر، ذلك الرأي الذي تبناه كريستيان ليندر من الحزب الديمقراطي الحر حول هذه المحادثات، والمتعلق باستمرار تبرُم المحافظين البافاريين من التحدث حول التفاصيل طول كل هذه الأسابيع من التفاوض، دون أدنى شعور بالمسؤولية تجاه الأهداف الكبيرة. وهو أمر غاية في الاستهتار. فقد كانت هناك أولوية لتقديم المصالح الفردية على الصالح العام. تلك النرجسية المنفرة، ما هي إلا نتيجة لرفاهيةٍ متغطرسة غير مُكترثة.

في الواقع، فإن الهيمنة على العالم من قِبل أوروبا والولايات المتحدة لم تستمر سوى قرنين من الزمان، وقبل ذلك، كانت الصين بالفعل رائدة من رُواد الاقتصاد. ولا يمكن أن يُعزى تاريخ صعود الغرب حقًا إلى سببٍ واحد فقط. فبينما كان هذا الصعود إلى جانب الإبادة الجماعية والرق؛ سمحت حركة الاستعمار لأوروبا أن تقوم بعملية نهب واستلاب الأفكار. بينما كان الأمر في الصين على خِلاف ذلك فقد كانت تظهر لأول مرة، تقنيات إنتاج الحديد والصلب، واختراع العملة الورقية، وبارود البنادق، والبوصلة.

لا يوجد في التاريخ البشري مثل هذا الصعود السريع على الإطلاق  -إلا على شكل معاودة الصعود-  مثل ما حدث في الصين خلال الثلاثين سنة الماضية. فقد بدأت الصين منذ وقتٍ طويل في تمويل بلدان أخرى، دون الاهتمام بقضايا من قبيل الديمقراطية وحقوق الإنسان. إذ يتم استبدال "الالتفاف حول بكين" حاليًا بـ"الالتفاف حول واشنطن".

ويفتخر النموذج الصيني بأولئك الذين يرحبون بذلك الاستبدال، ويبدو الحزب حازمًا جدًا ومنغلقًا، كما أن المجتمع الصيني يُعد مجتمعًا شابًا، ونابضًا بالحياة، وتواقًا لتدشين الشركات الجديدة. أما في الجهة المقابلة، تعيش المجتمعات الغربية في شيخوخةٍ متفاقمة. إذ يرى كثير من المواطنين أن أجورهم آخذة في الانخفاض، بينما ترتفع تكلفة التعليم والإسكان والرعاية الصحية. وأصبح المفهوم القديم لارتفاع معدلات الناتج القومي الإجمالي الذي كان يُترجم إلى ازدياد النماء والرفاهية، مغلوطًا إلى حد كبير.

تستعيد الصين مكانتها فيما تعيش المجتمعات الغربية شيخوخة متفاقمة (رويترز)
تستعيد الصين مكانتها فيما تعيش المجتمعات الغربية شيخوخة متفاقمة (رويترز)

إن فكرة اعتبار التنمية هي المآل الأخير والنتيجة الحتمية للديمقراطية، هي فكرة مفعمة بجنون العظمة. فطالما كان لدى كل نظام ما يقوم بإعادة توزيعه؛ تُصبح الأمور جيدة. ولكن، خلال الـ11 عامًا الماضية، تراجعت الحرية في جميع أنحاء العالم.

مقابل استعادة الصين لمكانتها، تعيش المجتمعات الغربية شيخوخة متفاقمة يمكن رؤيتها في سياق جنون العظمة وغطرسة الرفاهية غير المكترثة

ومن بين 195 دولة في العالم، لاتزال 87 منها تتمتع بالحرية، بينما تتمتع 59 دولة بحريةٍ جزئية، أما الـ49 دولة الباقية، فلا تتمتع بأي حرية، وذلك حسب منظمة "فريدم هاوس" غير الحكومية. فقد التحقت كل من تركيا وروسيا بركب الدول الديمقراطية، بينما تبدو كل من بولندا والمجر متأخرتان عن هذا الركب. أما الولايات المتحدة الأمريكية، تواجه انهيارًا كبير. ونأمل أن يكون هناك المزيد من الرشد في برلين. ففي نهاية المطاف، هناك الكثير من الأمور على المحك.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"الحل الصيني" يُزاحم أمريكا ببطء على قيادة العالم

الإمبريالية.. تاريخ مظلم ومتجدد