20-مايو-2016

يضطر البعض، في ما يعرف بأرذل العمر، إلى البحث عن عمل لضمان لقمة العيش (Getty)

يضطر البعض، في ما يعرف بأرذل العمر، إلى البحث عن عمل أو حرفة من أجل ضمان لقمة العيش، قصص عديدة، في هذا السياق، ترويها الألسن وتمتزج بعذابات أصحابها. يقول العم محمد، 72 سنة، لـ"ألترا صوت" إنه اضطر إلى تنظيف ومسح قاعات التدريس بجامعة الأداب بالعاصمة الجزائرية. العم محمد، رجل انحنى ظهره من فرط التعب وغزا الشعر الأبيض رأسه، لا يرفع عينيه إلا للتحية نادرًا. يضيف: "العمل يكفيني شر الصدقات رغم أني متعب والعمل مضن جدًا، كم أتمنى لو حظيت بإتمام تعليمي".

العمل مهما كان نوعه وسن العامل هو إثبات للذات و ترويح عن الحياة الروتينية

اقرأ/ي أيضًا:  أسواق العصافير في الجزائر.. حكايات محلقة

التعليم بالنسبة لعم محمد "حلم ضاع بين يديه لأسباب كثيرة"، حسب رأيه، وهو القادم منذ سنوات من منطقة "بسكرة"، جنوبي العاصمة الجزائرية، حيث كانت رحلة الغربة داخل الوطن قاسية جدًا عليه، "فبعدما فقد ثلاثة أولاد في حادث سير في يوم مثلج من أيام شهر كانون الثاني/يناير من عام 1998، الألم تضاعف وهو يعيل أسرة مكونة من ولدين وابنة ووالدتهم المريضة"، على حد تعبيره، لذا لم يجد أمامه سوى العمل في تنظيف قاعات التدريس بالجامعة، ورغم التعب البادي عليه إلا أنه يحفظ له الكرامة بالرغم من أن الكثيرين من ذوي القلوب الرحيمة  يقدمون له القليل من المال وبعض المساعدات ويرأفون لحاله، إلا أنه يرفض أن يمد يده أو ينتظر صدقات الغير، على حد قوله.

قصة العم محمد ليست نادرة، هي من بين مئات القصص التي تروي رحلة الكثيرين اليومية من أجل لقمة العيش وهم في سن متقدمة، فالكثير من النساء يضطررن للقيام بأعمال البيوت لدى العائلات أو للعمل كعاملة تنظيف في مدرسة أو مستشفى، حال السيدة ربيعة، 69 سنة، والتي قالت لـ"ألترا صوت" إن "الأهم لديها أن تكسب القليل من المال علاوة على ممارسة مهنة يومية تنسيها همومها بعد أن دخل ولداها إلى السجن في قضية اتجار بالمخدرات"، وهي اليوم تتكفل بإعالة زوج مقعد ومصاب بمرض القلب، كلها ظروف دفعتها للعمل وكسب ما تيسر من المال لإعالة أسرتها وتوفير ما يمكنها لشراء أدوية زوجها.

اقرأ/ي أيضًا: في بيتنا مريض.. قصص التعايش مع المرض

الكثير من النساء في الجزائر وجدن ضالتهن في العمل وخصوصًا في البيوت، والكثيرات منهن فقدن أزواجهن أيضًا أو يساعدن عائلاتهن في مصروف البيت. وتعتبر العديد من اللواتي تحدثن لـ"ألترا صوت" أن "العمل مهما كان نوعه وسن العامل هو إثبات للذات أو ترويح عن الحياة الروتينية"، فالكثيرات يعتقدن أن العمل يحفظ كرامة المرأة من جهة ويعطيها الحرية في التصرف والاستقلال المالي دون انتظار دعم مادي من الزوج أو الأخ أو حتى الابن. في هذا السياق، تقول علجية لـ"ألترا صوت" إنها "لا تحبذ أن تكون عالة على الآخرين، أو تنتظر صدقة من أحد".

الأسباب كثيرة، والظروف في غالب الأحيان تكون قاسية على البعض وهم في سن كبيرة وبأجساد صارت لا تقوى على حمل ثقيل. تقول زكية بوجادي، الأخصائية في علم النفس الأسري بجامعة وهران، لـ"الترا صوت"، "ظروفهم الصعبة تدفعهم إلى البحث عن عمل يكسبون من ورائه ولو القليل من المال،  في المقابل المجتمع لا يرحمهم ولا يبالي بحالتهم بل في غالب الأحيان تجد الأصابع متجهة إليهم بتعليقات قد تؤذيهم". لا أحلام وأماني تدعوهم للعمل، فمعظمهم يصارعون ظروف الحياة وسنهم المتقدمة، لكنهم يكابدون هذه الظروف من أجل الاستمرار في العيش في كنف الكرامة والاحترام، وهم يعدون الأيام المتبقية من سنوات آخر العمر.

اقرأ/ي أيضًا: 

الوشم في ثقافة الأمازيغ.. ذاكرة الجسد

"أنا حلومة".. مسلسل كرتون تونسي بلمسة شابة