09-أبريل-2016

مشهد من فيلم الهرم الرابع

ليس حكمًا بالإعدام أن تقول إن فيلم "الهرم الرابع" مسروق من تيمة مسلسل Mr. Robot، الأفلام العربية كلها إن لم تكن مسروقة فهي مقتبسة من قصص وأفلام أمريكية، والاقتباس سرقة مشروعة يعترف بها صناع الأفلام دلالة على أنهم متابعون لسينمات العالم، وليسوا في حاجة إلى أن يكذبوا، خاصة أنهم يتقرّبون إلى الله بتحويل جنيه من قيمة كل تذكرة لمستشفى “بهية” لعلاج وتشخيص مرضى سرطان الثدي، وهي حركة تسويقية أكثر منها خيرية يمكن أن تعتبرها عنصرًا من عناصر التسويق التي منحت "الهرم الرابع" إيرادات مهولة في أول 48 ساعة من العرض.

ليس حكما بالإعدام أن تقول إن فيلم "الهرم الرابع" مسروق من مسلسل Mr. Robot، أفلام عربية كثيرة إن لم تكن مسروقة فهي مقتبسة من أفلام أمريكية

يقع الفيلم -الذي يلعب دور بطولته أحمد حاتم، وتشاركه تارا عماد- في مساحة محدودة من مساحات أفلام الهاكرز تختلف عن دور أحمد السعدني في فيلم "مقلب حرامية"، الدور النمطي لشاب يرتدي نظارة، وتقويم أسنان، وانطوائي، وشخصية ضعيفة، ومن كثرة اقترابه من أجهزة الكمبيوتر وشرائح اللاب توب لديه كهرباء زائدة في المخ تؤثر على حركته.

اقرأ/ي أيضًا: 8 أفلام تشاهدها مع من تحبه

هذه المرة كان دور "يوسف" مختلفًا.. شاب كأي شاب من زبائن مقاهي وسط البلد، يدرس كمبيوتر بمعهد خاص، يقرر أن ينتقم من العالم، الذي بدا له قذرًا، واستغلاليًا لحظة موت والدته لسبب تافه، وهو أنه لا يملك في جيبه 5 آلاف جنيه، ثمن دخولها غرفة العناية المركزة.

"يوسف" روبن هود مصري، يستدعي الأسطورة البريطانية القديمة، يقرر أن العالم ليس عادلًا، فالأغنياء يزدادون غنى، والفقراء يزدادون فقرًا ويموتون في صالات الانتظار بالمستشفيات، ومن شقته في ميدان عابدين بوسط القاهرة، يتخذ من "الهرم" رمزًا وتميمة حظ، ويخترق شبكات البنوك والوزارات والجمعيات الخيرية، ويحوّل ملايين من حسابات رجال أعمال فاسدين إلى حساب جمعية خيرية تنفق على أطفال الشوارع.

خلال أحداث الفيلم، يقابل "يوسف"، الذي يعمل سائق تاكسي أيضا، صحفية -تجسد دورها يسرا اللوزي- تقول له إن "الهرم" يوزّع "الفلوس الفَكّة فقط" على الفقراء، أمّا الأرصدة الضخمة يحوّلها لحسابه، ويزداد ثراء.

حاول "يوسف" أن يصنع أسطورته الخاصة، وفي لحظة هدمتها صحفية من جريدة صفراء تبحث عن معلومة، وإن لم تجدها تؤلفها وتقول إن خطيبها السابق هو "الهرم"، وفي هذه اللحظة يدرك أن اللعبة أكبر منه، وخروج "روبن هود" من ميدان عابدين كارثة لا تحتملها الحكومة، ولا رجال الأعمال، ولا البنوك.. والعالم كله سيقف ضده.

يعتقد "يوسف" أن العالم تحميه مؤامرة على الفساد، أنا فاسد وأنت فاسد وكلنا فاسدون، ونتستر على بعض، وهي الحقيقة التي صاغها المخرج والسيناريست بيتر ميمي على لسان مهندس الكمبيوتر المسؤول عن ملاحقة يوسف في فضاء الإنترنت، وهو يقول: "ياريت كلنا نبقى زيه، ونوزع ملايين رجال الأعمال الفاسدين على الفقراء".

اقرأ/ي أيضًا: أبرز 9 أفلام رعب في التسعينات

شخصية عبد الله، مهندس الكمبيوتر، تحمل تناقضًا متوفرًا بشدة لدى أغلب ضباط المباحث ربما في الفيلم فقط، أو في الحياة أيضًا، هو مقتنع بما يفعله يوسف، شخص أسطوري يأخذ من الأغنياء ويمنح الفقراء -من وراء شاشة الكمبيوتر- بطريقة قريبة من أداء أحمد السقا في فيلم "حرب أطاليا"، ولكن أكثر عمقًا.

تكشف "ندى" -تارا عماد- في نهاية الفيلم حقيقة شخصية "الهرم" بعدما كشفت أجهزة الأمن أنه "يوسف" سائق التاكسي، واقتحمت وكره بـ"30 ميدان عابدين"، وبدأت البحث عنه لتقديمه للمحاكمة الجنائية على ما سرقه، توجه له رسالة في برنامج تليفزيوني: "أنا بحبك، ومش هسافر، هستناك لأنك أنقى من كل دول وهدفك نبيل".

سنتوقف قليلًا أمام مكالمة "ندى" التي أكملت أسطورة الهرم، فالمصريون لديهم حنين خاص إلى هذا النوع من الشخصيات طبقًا لأصولهم التي تقدّس أعداء السلطة ورجال الأعمال، وتجعلهم أبطال ملاحم شعبية، حتى لو كانوا لعبوا هذا الدور لمصالح شخصية. تقف احترامًا لأدهم الشرقاوي، وتتعاطف مع مجرم الصعيد عزت حنفي؛ لأنه قال: "من النهارده مافيش حكومة.. أنا الحكومة".

هذا الوصف ينطبق على المشهد الأخير، يتخفى "يوسف" وحين يرى الإعجاب به في عيون الناس لحظة مكالمة "ندى" يكشف عن نفسه، يتجمّع أهل الحارة حوله رغم إعلانات التلفزيون التي تطلب تسليمه للأمن، هناك مِن ضحاياه مَن يطارده غير الشرطة، يحاول استهدافه ببندقية قناصة، لكنهم "يغطون عليه"، ويختفي عن عين القناص والشرطة، ويهرب.

يقول "يوسف": "محدش فهم يعني إيه الناس غطوا عليه"، المعنى الأمني للكلمة إنه اختفى من مساحة الرؤية، لكن المعنى الذي قصده "يوسف" إنهم "حموه"، وعلى استعداد لحمايته من المحاكمة لأنه "روبن هود" جديد.

مجرم ونصاب وحرامي كبير، لكن الناس تحبه، وتصنع منه أسطورة "الهرم".. فالأساطير يصنعها المريدون.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

المرأة في السينما..نمذجة التنميط

نقولا فورنوني..أداء المعوقين