24-يوليو-2016

صورة من فيلم Reservoir Dogs للمخرج كونتين تارنتينو انتاج عام 1992

في مَطلع التسعينات، دُعيَ كوينتين تارانتينو إلى حَفلة في هوليوود وهُناك تعَرّف على صديقه المُقرّب ومنتج أفلامه لورنس بيندر، وقد حفّزه الأخير علي كتابة سيناريو مُحكَم ووعده بدَعم مالي، فكان هذا السيناريو لفيلم Reservoir Dogs أحد أفضل السيناريوهات الأصيلة عبر التسعينات. إلا أن لورنس بيندر لم يستطع أن يجمع إلا مليونًا واحدًا ليضعها تحت تصرّف تارنتينو، وقد كانت كافية لسَلب ألباب النُقّاد في العالم، وجعلهم يراقبون هذا الفتى وهو ينقش أحرفًا من ذهب على هرم السينما العَظيم.

يبدأ فيلم Reservoir Dogs بعد العمليّة الفاشلة بعرض أسباب الفشل ومكان التجمُّع بعد إتمام العمليّة التي يدور حولها الفيلم، وهو مستودع قديم تم التخطيط للعمليّة بداخله. مشهد البداية كان بأحد المطاعم قبل الانطلاق إلى المهمّة، بعدها تبدأ أحداث العمليّة الفاشلة من السيد وايت وأورنج، وذهابهم إلى مكان التجمُّع في المستودع ثم يأتي البقيّة تباعًا، وأثناء توضيح ما حدث للبقية يقوم تارنتينو بوضع مشاهد للشخصيات الرئيسية في فيلم Reservoir Dogs: كيف اشتركوا بهذه المهمة وإقناع الزعيم جو لهم. لم نشاهد عملية السطو الفاشلة نفسها وهنا تأتي موهبة تارانتينو عندما يقوم بصنع الأحداث بهذه الطريقة في فيلم Reservoir Dogs، حيث نعرف الحقيقة أثناء سير أحداث الفيلم من خلال حوارات المُجرمين مع بعضهم بالمُستودع، بعد ذلك نشاهدهم يتجمّعون بالمستودَع والذي لم يحضر كان قد قُتل وهم براون وبلو. ومما يزيد من خطورة العمليّة هي عودة بلوندي إلى المستودع: نشاهده وقد قام بخطف أحد رجال الشرطة وقام بتعذيبه وقطع أذنه بشكل سادي، ليحاول بعد ذلك حرقه، فيتدخل أورنج هنا ويقوم بقتله وينقذ زميله الشُرطي، بعد عودة إيدي وكوبت تكثُر الشكوك حول أورنج وبعدها نُشاهد مشهدًا مُميزًا على طريقة أفلام الويسترن، حيث يقتل أورنج إيدي والزعيم ويبقى وايت، وهنا يخرج وايت مسدسه لقتله بينما نسمع صوت اقتحام الشرطة للمستودع.

 

في فيلم Reservoir Dogs نحن أمام شخصيّات حقيقيّة تجتمع معًا كما نرى في المشهد الأوّل، حيث في الافتتاحيّة المُذهلة نراهم يتناولون الطعام ويتبادلون التعليقات الجنسيّة ويخلطون الجد بالهزل، لكن في العُمق نحن أمام واقعيّة نوار جديد و"أفلام النوار" هي أفلام جريمة ظهرت في ثلاثينات القرن الماضي متأثرة بتقاليد مدرسة التعبيريّة الألمانيّة"، لكن هو نوار يتجاوز نطاق الواقع إلى خيال مُستفز، لكن رغم ذلك تبقى مُقيدًا إلى مقعدك حتى نهاية الفيلم. تارنتينو عظيم جدًا في هذه الجُزئية ولا أعلم تحديدًا كيف يُبقينا مشدودين رغم تعدُّد خيوط سرده.

اقرأ/ي أيضًا: 5 أفلام مسليّة مأخوذة عن ألعاب فيديو

تارانتينو في إطار "الخَلْق" لشخصيّاته، في كافّة أفلامه، لا يبحث عن تاريخها وينبش فيه، إلا أنّه يترُك الزر الأعلى من سترتها مفتوحًا كباب موارب يُغريك باختلاس النظر إلى تاريخ تكوين الشخصيّة وأسباب ما استقرّت عليه الآن، تارنتينو في رحلته المحمومة تلك لا يبحث عن تفسيرات بقدر ما يبحثُ عن عواقب.

تتميّز حكايات تارنتينو بالتشابُك وتأثير الشخصيّات الثانويَّة على الأحداث، وتتميّز أيضًا بظهور أكثر من بطل في نفس الحكاية حتى لا تكاد تعرف من هو بطل الفيلم الأصلي من شخصيّاته الثانويّة

شخصيّاته لها حكايات عميقة من الماضي يعرضها تارانتينو في بداية فصوله، يسرد تارانتينو حكاياته بشكل غير خطّي لا على مستوى الزمن والحدث. يستخدم الحوارات الطويلة في أفلامه، ما يسبب سخط الكثيرين منه لأنهم يعتبرون السينما فن بصري. حواراته طويلة، عبثية، ساخرة، تؤدّي لمسار الأحداث الذي يريده.

وهُنا يسرد الأحداث أيضًا دون ترتيب زمني، يبدأ بنهاية السرقة الفاشلة، ويستعيد ما حدث ثم يعود للماضي وينتقل منه للحاضر وصولًا  لذروته، وابتعد أيضًا عن تقليديّة أفلام الجريمة، فلم يصوّر لنا فشل السرقة لكنّه حطم التسلسل الزمني وتناول فقط الأحداث قبل وبعد، وهو في ذلك يستخدم مُثلثه الذي أفضله "الحوار- السخريّة - الكوميديا".

اقرأ/ي أيضًا: "روجير واترز- الجدار".. سيرة معجزة

وهو في باكورة أعماله هُنا يضع حجر الأساس لذلك الثلاثي، حوار تارانتينو هُنا لا يُضيف لروح النص شيء، لكن تارنتينو عبقري وسلس جدًا في هذه الجُزئية، قدرته على قول أشياء مُهمة وسط التفاهات دون الوقوع في المُباشرة والسذاجة والتسطيح برّاقة جدًا. ورغم كثرة الحوار إلا أن تارانتينو يهرب من المسرحيّة بكاميرا لا تتوقف عن الدوران، وعبر انتقاله من المونتاج المفاجئ إلى مشاهد الحركة: مثلاً مُطاردة الشرطة للسيد بينك وقتله لشرطيين ثم هروبه وعودته للمخزن.

في النهاية فإن فيلم Reservoir Dogs يُعتبر البداية الحقيقيّة لأسلوب كوينتين تارانتينو، والبعض يعتبرونه أعظم ما قدّم من أفلام حتى رغم إعجابهم بتحفته الأهم والأعظم من وجهة نظري Pulp Fiction.

اقرأ/ي أيضًا:

Zootopia فيلم عائلي بدون قصة حب

صحراء النفس البشريّة في سينما أنطونيوني