26-مايو-2017

كاريكاتير بعنوان: تحت خط الفقر لـ فلاديمير خاخانوف/ روسيا

مهما كانت التفسيرات التي طالت ثورات "الربيع العربي" إبان 2011، فإنها بالتأكيد كانت في العمق صرخةً ضد مؤسسات تنتج الفقر والفساد عبر نخبة صغيرة متحكمة في مصير شعوب بأكملها، لكن رغم ذلك لم تنجح هذه الثورات في بناء دول مستقرة صاعدة اقتصاديًا، بقدر ما حولت العديد من بلدان المنطقة العربية إلى ساحة للحروب الأهلية.

وبما أن معظم دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا تزال عاجزة عن الخروج من دائرة "الدول الفاشلة"، فإن الحاجة تزداد للكتب الرصينة، المهتمة بجسور التنمية وجذور التخلف، وفي هذا الصدد نقترح في "ألترا صوت" ثلاثة كتب بحثية، تشرح بشكل عميق أسباب فشل البلدان، خاصة وأنها جاءت من خبراء متخصصين.


لماذا تفشل الدول: جذور السلطة والرفاهية والفقر

كتاب صدر سنة 2012، مباشرة عقب موجة "الربيع العربي" التي اجتاحت المنطقة العربية، وهو للمؤلفين الأمريكيين: دارون أسيموغلو من معهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا، وجيمس روبنسون من جامعة هارفارد، وترجم إلى لغات متعددة منها الفرنسية والألمانية والإسبانية، وقال عنه كينيث أرو الحاصل على جائزة نوبل إن "الكتاب مساهمة فعالة في الجدل القائم حول لماذا دول متشابهة تشهد تقدمًا اقتصاديًا وسياسيًا مختلفًا".

أنتج فشل ثورة تموز 1952 في مصر نظام حسني مبارك

يبحث الكتاب عميقًا عن أصول التخلف، وعن سبب تقدم بعض الدول سياسيًا واقتصاديًا ومجتمعيًا فيما تبقى أخرى رازحة تحت أتون التخلف والفقر، ولتوضيح هذه المفارقة يقدم المؤلفان جيمس ودارون نماذج بلدانًا تشترك في الجغرافيا لكن تفصل بينها هوة شاسعة من حيث الازدهار، مثل كوريا الجنوبية الغنية وكوريا الشمالية الفقيرة، وولاية أريزونا الأمريكية المرفهة وولاية سونورا المكسيكية المحاذية لها في الحدود الغارقة في الفقر والجريمة، بالإضافة إلى الشرخ القائم بين دول الشمال والجنوب في منطقة البحر الأبيض المتوسط.

اقرأ/ي أيضًا: الجيش والسياسة – إشكاليات نظرية ونماذج عربية.. كتاب جديد لعزمي بشارة

يُرجع الكتاب سبب تقدم بعض البلدان وتخلف أخرى إلى نوعية المؤسسات والنخب، حيث إن الدول التي استطاعت نخبتها الديموقراطية الوصول إلى السلطة، تمكنت من تطوير المجتمع وبناء مؤسسات متينة تهدف إلى تحقيق الصالح العام، بينما في بعض البلدان استأثرت بها نخب انتهازية. ومن أجل أن تحافظ هذه الأخيرة على امتيازاتها الخاصة، فقد عملت على تهميش إشراك الشعب في السلطة وأضعفت أدوار مؤسسات الدولة، لتتحول الأخيرة إلى آلة ضخمة لإنتاج التخلف.

وينبه الكاتبان أيضًا إلى أن سقوط النخب الانتهازية لا يعني بالضرورة الوصول إلى دمقرطة الدولة، إذ تَخْلفها في كثير من الأحيان نخب أخرى مختلفة أيديولوجيًا، لكنها تملك نفس فكرة الاستئثار بالسلطة والدفاع عن المصالح الخاصة، ويقدمان مثالًا على فشل الدولة والثورة في حالة مصر، عندما قام الضباط الأحرار بقيادة جمال عبد الناصر بثورة ضد الحكم الملكي سنة 1952، إلا أن هذه الثورة فشلت في تمثيل الشعب في السلطة عبر مؤسسات جماعية، وأنتجت في آخر المطاف نموذجًا فاسدًا مثل حسني مبارك.

ومن ثمًّة يؤكد الكتاب على أهمية إصلاح المؤسسات بشكل مستمر وتجديد النخب، وضرورة الدفاع عن حرية التعبير والإعلام، من أجل بلورة رقابة شعبية دائمة تعمل على تحجيم تغول السلطة، وتراقب بشكل مستمر نزاهة مؤسسات الدولة. 

التغلب على الهشاشة في إفريقيا

وهو تقرير بحثي مكون من 148 صفحة، أعده خبراء أوروبيون بمشاركة مجموعة من الباحثين الأفارقة بتمويل من المفوضية الأوروبية. يقدم التقرير تشخيصًا عميقًا لحالة الهشاشة الحادة التي تعاني منها بلدان أفريقيا منذ عقود، وتحاول الوقوف على أسباب فشل الدولة في كثير من بلدان تلك القارة، رغم كل الثروات الطبيعية المتوفرة لديها والمعونات الأجنبية التي تستفيد منها.

تتجلى هشاشة الدول في الفشل في بسط السلطة، والفشل في توفير الخدمات، والفشل في الحفاظ على الشرعية

تصف الدراسة مشكلة الهشاشة "كأصعب تحد يواجه التنمية في عصرنا هذا"، لِما لها من تكاليف باهظة تدفع ثمنها بلدان القارة الإفريقية وتمتد لجيرانها، وتنعكس في أزمات الصحة والتعليم والفقر علاوة على التربة الخصبة للتعصب والعنف. وتعرف الدراسة البحثية "هشاشة الدولة" في ثلاثة أبعاد محورية، وهي الفشل في بسط السلطة، والفشل في توفير الخدمات، والفشل في الحفاظ على الشرعية، وهو أمر يحدث على التوالي عندما تعجز الدولة عن حماية مواطنيها من العنف، وعن توفير الخدمات الأساسية لكل المواطنين، وعن الحصول على اعتراف بشرعيتها من مواطنيها.

اقرأ/ي أيضًا: كتاب "أمهات سوريات"..المأساة السورية في حكايا الأمهات

مثلما تبحث الدراسة في جذور الهشاشة بالقارة الأفريقية، وربطت هذه الهشاشة في جانبها التاريخي بترسبات الحقبة الاستعمارية، عندما أسندت القوى الأوروبية المستعمِرة مهمة التسيير اليومي لشؤون الدولة إلى نخبة محلية صغيرة، احتكرت النفوذ والسلطة والمال، وحينما تحررت المستعمرات بقيت هذه المجموعة الصغيرة تحكم الدولة بعد الاستقلال وتتوارث السلطة، وهو ما غرس مع الوقت مجموعة من البنى السلطوية في المجتمع.

لكن يعود التقرير ليؤكد أن البلدان الأفريقية رغم ذلك كانت فاشلة حتى قبل الاستعمار، إذ أن معظم هذه الدول المنهارة في أفريقيا لم تكن في أية مرحلة من مراحل عصر ما قبل الاستعمار أو ما بعده، تشبه من قريب أو بعيد النموذج المثالي للتنظيم السياسي الغربي الحديث، إذ عملت مجموعة من البنى القبلية والدينية على عرقلة بناء "الدولة المحايدة" التي ترعى الجميع، وهي البنى التي استغلتها نخبة قليلة في الاستئثار بالسلطة والمال وانتهاك مصالح الشعب.

ويوصي البحث الاتحاد الأوروبي بمساعدة الإصلاحيين الوطنيين في أفريقيا على بناء مؤسسات فعالة وشرعية ومرنة، وقادرة على التعاطي بشكل مثمر مع شعوبها لتعزيز التنمية، على أساس من المعرفة العميقة بالسياق السياسي والثقافي المحلي، وذلك من خلال دعم الدولة وبناء التماسك الاجتماعي، وتعزيز الرأسمال البشري والاجتماعي، وتقوية الأمن والتنمية في المنطقة.

 

كيف تنجو الدول وتزدهر في عالم في انحدار

كتاب حديث كتبه الصحافي جوناثان تيبرمان، صدر سنة 2016، لقي تفاعلًا إيجابيًا من قبل الصحافة الأمريكية، واعتبرته كتابًا فريدًا جاء في وقته المناسب، لما يتناول من قضايا شائكة تهدد العالم اليوم، تبدأ بالركود الاقتصادي العالمي مرورًا باتساع التفاوتات الاجتماعية إلى الشرق الأوسط المتخم بالأزمات والتعصب العنيف، ما يجعل دول المعمورة بشكل عام تواجه تحديات جمة في الحفاظ على استقرارها ونموها، في عالم يهوي نحو الانحدار.

حاول جوناثان تيبرمان من خلال كتابه معالجة مجموعة من المشكلات المعاصرة، مثل الهجرة المتفاقمة والركود السياسي والفساد، وليس آخرها التطرف الإسلامي، حيث قام بتشخيص هذه الأزمات كل على حدة بأسلوب سلس معتمدًا على شبكة معلوماتية غزيرة، كما قدم حلولًا مقترحة، من شأنها مساعدة ساسة العالم على تقوية مناعة بلدانهم ضد التحديات المتزايدة والتغلب على هذه المشكلات.

يحذر أيضًا جوناثان تيبرمان في نهاية الكتاب من التمسك بالأيديولوجيات التي لم يعد لها مكان اليوم، والتركيز على الحلول الواقعية لحل المشاكل الأساسية، والتحلي بالشجاعة الكافية لتنفيذ القرارات الضرورية، من أجل جعل عالم القرن الواحد والعشرين أكثر أمنًا وتعايشًا، دون مراعاة حجم المقاومة لتلك القرارات.

 

اقرأ/ي أيضًا:

بحثًا عن جذور الجهاد في الغرب

هايدغر في الفكر العربي