20-يناير-2016

إحدى مظاهرات الذكرى الرابعة للثورة المصرية يناير 2015 (Getty)

يناير جديدة، ستحمل ربما جُملة أحداثٍ مُختلفة عن سابقاتها من الأعوام الماضية، يناير هذه، تأتي وقد اتفق الجميع، والجميع هنا، تعني أبناء الثورة، اتفقوا جميعًا على أن هذا النظام، يجب أن يرحل، ويرحل فقط.

يناير الجديدة أيضًا تأتي وأصبح لدينا برلمان، يستحي المنصفون أن يضعوه هو وبرلمان 2010 في سلة واحدة، فهذا ظُلم لبرلمان 2010.

شعارات إرواء شجرة الوطن بالدماء، يجب أن يعلم أصحابها أن الوطن لم يعُد يُخبر بشيء سوى برائحة تعفّن أجساد المعتقلين بالعقرب والعازولي.

لدينا الآن ما يزيد على عشرين ألف سجين رأي سياسي، يقبع داخل السجون، أغلبهم تعرّضوا لتعذيب متوحّش، وأغلبهم أيضًا، يعانون من معاملة غير آدمية، منافية لكُل ما أتت به مواثيق الإنسانية، الحامية لحقوق البشر، آلة القتل لم تتوقف منذ الانقلاب العسكري في يوليو 2013، توّجها النظام بمجازر فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، المجازر الأبشع في التاريخ الحديث -حسب توصيف منظمة هيومان رايتس ووتش-.

وحتى كتابة هذه السطور فإنه لا نية لدى النظام العسكري الآن في مصر، في العدول عن إجراءاته القمعية، التي تتفاقم وتزداد كُل يوم، جرائم القتل داخل مقار الاحتجاز والتصفية المتعمدة والقتل خارج إطار القانون، أصبحت سمةً عامّة للنظام اليوم.

وبناءً على كُل ما سبق فإن ما يمكنني قوله هنا في هذا الصدد، ورفضت أن أقوله في كلمة ضمن إحدى الفاعليات التي دعت لها بعض ما يُعرف بالقوى الثورية في إسطنبول، هو أن الدماء التي ستسيل في الأحداث القادمة، لا قدر الله، للأسف ستشربها الأرض دون هوادة ولا تعب أو أرق، كما شربت قبلُ من دمائنا، في المنصورة، والقائد إبراهيم، ورمسيس والحرس والمنصة ورابعة والنهضة، وقبلهم دماء محمد محمود وماسبيرو، ويناير.

فلأصدقائي أكتب، لا تستمعوا لدعوات أصحاب الشاشات في إسطنبول والدوحة بالنزول، فما لدمائكم النقية الزاكية، عند السلاطين ومفاوضيهم، أي ثمن، يريدون أن يحركوا المياه الراكدة بدمائكم، كما تبيّن بنص لسانهم، أن دماء رابعة كانت لأجل "الضغط السياسي".

نُشرف على السنة الثالثة من الاستمرار في التظاهر، دون أي جديد، سوى دماءَ أكثر واعتقالات أكثر، دون أي جدوى.

كما أن شعارات الحشد الديني يجب أن يعلم مروجوها أنها لم تعُد تُجدي سوى دمًا، وشعارات إرواء شجرة الوطن بالدماء، يجب أن يعلم أصحابها أن الوطن لم يعُد يُخبر بشيء سوى برائحة تعفّن أجساد المعتقلين بالعقرب والعازولي.

ثُم أي وطنٍ هذا الذي لم ترهقه بعد أصوات رصاصات الأنظمة، بل أضحى يستحسن مقطوعتها المتناسقة، حتى صارت سيمفونية القتل، هي أغْرد ما يريده ذاك "الوطن".

ثُم أي ألمٍ ذاك الذي يريد أن يراه ضيوف فنادق إسطنبول؟ لا أحب المزايدة على رأي أحد، ولا على موقف أحد، لكن هُم أنفسهم رواد الفنادق هؤلاء، من أقنعونا يومًا ما، بأنه لا يفتي قاعدٌ لمجاهد. أم مازالو يعتبرون أنفسهم مجاهدين في ساحات رابعة، يحرّضون الناس على الموت الأعزل دون مقاومة، أو حتى رأي سديد؟

دكتور إبراهيم الزعفراني، فك الله أسر نجله، كتب يومًا، أنه بعد الانقلاب، اتصل بعبد المنعم أبو الفتوح، ليجلعه وسيطًا في حل الأزمة بين الجماعة الجنرالات، وليخبر أحد أعضاء المجلس العسكري، أن مصر بهذه الطريقة، ستدخل في حربٍ أهليةٍ لا نهاية لها، فكان رد العسكري على أبو الفتوح، أن الجنرال يعلم ذلك وهو مستعدٌ له، فأخبر الدكتور الزعفراني قيادات الجماعة بذلك، ثم طلب منهم تخفيف الخطاب التعبوي الصادر من منصة الميدان، وأن يخبروا الجموع، بأنه يجب العودة خطوة، بل خطوات للوراء، وأنه يمكنه تحمّل عنهم هذا المغرم الكبير، وأن يواجه الجموع الغاضبة بذلك، حتى وان طاله ما طاله من الطعن فيه، فكان رد القيادات، بالرفض! ثم سالت دماء رابعة.

يكفي دماء دون جدوى، يكفي تضحية دونما انتصار، يكفي مغرم كبير دون مغنم قليل، يكفي ألم.

ولأصدقائي السائلين عن الحل، فلا أرى أنه يجب العمل في غير ميادين المجتمع، المجتمع الذي نسيَنا، ونسيَ ثورتنا التي قامت لأجلنا جميعًا.

ميادين المجتمع هذه، تلك التي أعني بها ميادين الثورة الفكرية، والحقوق الاجتماعية والاقتصادية، التي نسيناها في غِمار حقوقنا السياسية التي تكالبت عليها الثورة المضادة وإعلام النظام وشوهوها.

أخبروا الناس أن ثورتنا قامت لأجل العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، أخبروهم أن ثورتنا أتت لتحاكم الفسدة، لا أن تنصبهم نوابًا عن الشعب، أخبروهم أننا ثُرنا لأجل القمح المسرطن الذي أمرض الملايين، ويريدون الآن معاودة استيراده، أخبروهم أننا ثُرنا ليمتنع أصحاب البزّات العسكرية عن إذلال الشعب في الأقسام، أخبروهم أننا ثُرنا لنعيش في وطن يحترمنا، أخبروهم أننا ثُرنا لأجلنا ولأجلهم.

هنا فقط، سيسمع الناس منّا، ويهتفون بما نهتف به. عيش حرية عدالة اجتماعية.

اقرأ/ي أيضًا: 

مصر..ستنتصر الحياة للمشاغب

مصر الانقلاب..كوكتيل المنع والفقد