26-سبتمبر-2015

مقاتل في الجيش السوري الحرّ (براء الحلبي/أ.ف.ب/Getty)

بعد مضي ما يزيد على أربعة أعوام من عمر الثورة السورية، قامت قوات الأسد والمليشيات الموالية لها بإلحاق الدمار بالعديد من المدن والبلدات، خلال محاولتها قمع الثورة عسكريًا، يبرز التساؤل حول أوضاع الشباب، لا سيما أولئك الذين اندفعوا لحمل السلاح، وهبوا لقتال نظام قمعي يأبى الرحيل قبل أن يحقق شعاره الشهير "الأسد أو نحرق البلد".

حياة العسكر

عبد العزيز إدلبي، مقاتل من حمص في ألوية الحمزة - كتيبة التدخل السريع، يقضي بعض وقته في الكتيبة التي يقاتل في صفوفها في محافظة حلب، في ممارسة الرياضة، وذلك في أوقات الهدوء وتوقف المعارك، في حين لا يعرف الترفيه، نظرًا لعدم توفر الوقت لذلك، ولعدم توفر وسائل الترفيه أيضًا.

ويقضي إدلبي (28 عامًا) أوقاته الأخرى في القراءة يوميًا: "أفضل قراءة القصص أو الكتب المتعلقة بالأمور الدينية أو الثقافية". أما الطعام فهو يقدم بصورة جماعية، إذ يوجد مطبخ رئيسي للكتيبة لطهو الطعام، لكن عبد العزيز يشبه الطعام المقدم لهم بطعام "السجون"، إشارة إلى عدم نضجه جيدًا وإتقان طهوه بما يكفي. فيما ينام في غرفة مساحتها 4 أمتار مربعة، مخصصة لمبيت 6 أشخاص.

أحد المقاتلين يقول إن الزواج يشغلك عن العمل ويأخذ حيزًا كبيرًا من تفرغك للثورة

مقاتل آخر من قرية معرشمارين في منطقة معرة النعمان بمحافظة إدلب، لفت إلى أن الحياة اليومية للمقاتل تتغير كثيرًا. حياة المقاتل في بداية الثورة غير تلك التي يعيشها الآن، والحياة خلال المعركة مختلفة عما يعيشه المقاتل خلال أوقات الهدوء.

ويوضح خالد العوض، البالغ من العمر 27 عامًا، أحد مقاتلي لواء الفرقان، أن الكتائب تجمع مقاتليها عادة في مقرات هي عبارة عن مزارع أو بيوت لأناس إما فروا إلى خارج البلاد تاركين منازلهم، أو لآخرين من "الشبيحة" الذين يقاتلون الثوار إلى جانب قوات النظام.

أما ساري الحسن، المقاتل في فيلق الشام، فقد أوضح جانبًا من التغيير الذي طرأ على الحياة اليومية للثوار السوريين، قائلًا: "في السابق كنا نخوض معارك خاطفة، عندما كنا نشتبك مع الحواجز التي يمتركز فيها جنود النظام، ولم تكن هناك حاجة للمقرات رقم صفر". وأضاف: "مع انحسار تمركز قوات النظام في ثكنات تكون الحاجة لأكثر من نقطة للتمركز حول هذه الثكنات، وهذا يتطلب الجاهزية القصوى مع الاستفار الكامل لجميع عناصر الكتائب والالوية".

الزواج والأهل والأزمة

ساري الحسن، المقاتل، متزوج بالفعل، ولديه خمسة أطفال، ويؤكد أن تواصله مع عائلته يقتصر عملية توصيل المصروف والمأكل والمشرب والعودة لخطوط القتال، بينما الكثير من الشباب المقاتلين انخرطوا في العمل العسكري غير متزوجين، والخطوة تبدو لهم مستحيلة في هذه الظروف.

عبد العزيز إدلبي يؤكد أن ما يمنعه من الإقدام على هذه الخطوة ليس الحالة المادية فحسب، ولكن أيضًا بسبب عدم توفر الاستقرار، "والأهم من ذلك أن الزواج يشغلك عن العمل ويأخذ حيزًا كبيرًا من تفرغك للثورة". يذكر هذا بحديث للزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، الذي قال يومًا: تزوجت القضية.

ولأسباب مماثلة، يمتنع خالد العوض عن الزواج، لكن... "وهل هناك من لا يحب الزواج؟ ولكن القضية تعتمد على وضع الشخص، فأنا مثلًا وضعي لا يسمح لي بذلك".

وحول أثر التعليم على اتخاذ مثل هذا القرار المصيري، قال العوض إن "الشباب الذين تركوا تعليمهم منذ بدايه الثورة، وكانت أعمارهم صغيرة، ولم يتوفر لهم من ينصحهم تزوجوا، نظرًا لعدم تقديرهم حجم المسؤولية التي تترتب على الزواج، أما بالنسبة لنا، الذين أنهوا تعليمهم أو قطعوا فيه شوطًا وافرًا، فلا نرى أن الوضع الذي نحن فيه يسمح لنا أن نتزوج حاليًا على الأقل".

ويبدو أن التأخر في الزواج ليست المشكلة الوحيدة التي تواجه الشباب الثائرين، فالكثير منهم يعيش بعيدًا عن أسرته ووالديه، حيث يقاتل بعضهم في محافظة غير تلك التي ينتمي إليها، فيما انضم أهالي البعض الآخر منهم إلى ركب اللاجئين نحو الدول المجاورة، وربما أبعد من ذلك.

عبد العزيز من مدينة حمص وسط البلاد، ويقاتل في محافظة حلب في أقصى الشمال، بينما والدته وأخوه الكبير لاجئون في لبنان، ويوضح أنه من المستحيل بالنسبة له أن يرى أهله أو يزورهم، لكنه في كل أسبوع يمكن يتكلم مع والدته هاتفيًا لأربعة دقائق، مضيفًا: "في الحقيقة لا أستطيع أن أطيل تجنبًا لتكلفة الدقيقة"، وحول سؤالنا له عن عدم استخدامه للأنترنت في التواصل، كونها وسيلة أرخص ويستعملها الكثيرون، قال: "أخي في لبنان ليس لديه جوال صالح لاستخدام الانترنت".

خالد كان يدرس سنته الثانية في كلية الحقوق بجامعة حلب عندما انقطع عن التعليم لظروف الثورة

هل قلت تعليم؟

وتتفاوت نسبة التعليم التي تلقاها الشباب المقاتلون في صفوف المعارضة السورية والجيش الحر، فبعضهم أصبح ملاحقًا منذ اندلاع المظاهرات السلمية التي شارك فيها، وبعضهم كان في المرحلة الجامعية لكنه لم يتمها، فيما القلة القليلة منهم هي من أتمت تعليمها قبل انخراطها في الثورة السورية بمرحلتيها السلمية والمسلحة.

خالد كان يدرس سنته الثانية في كلية الحقوق بجامعة حلب، عندما انقطع عن التعليم في ظروف الثورة، ويقول لـ"ألترا صوت" إن "متابعة الدراسة اليوم أصبحت مستحيلة، لأن عقولنا يصعب عليها أن تستوعب الدراسة مرة أخرى".

أما عبد العزيز فقد ترك الدراسة في وقت مبكر جدًا قبل اندلاع الثورة، وهو اليوم لا يشعر بالحاجة لاستئناف الدراسة، لكنه يتمنى أن لا ينقطع عن القراءة، وأن يحظى بساعتين على الأقل يطالع فيها "رغم قلة توفر الكتب وارتفاع ثمنها بشكل كبير".

السلاح والثورة

ويتفق الثوار على أن الثورة قامت لتحقيق أهداف محددة، وهي الحرية والكرامة، وبالتالي فهم يرون أن غاية القتال هو عدم السماح للنظام السوري بقمع ثورتهم، ومواصلة الجهود للإطاحة بهذا النظام الذي اضطهد الشعب على مدى نصف قرن، ومارس بحقه شتى صنوف الإذلال، لكن تبقى لكل منهم دوافعه المباشرة لحمل السلاح.

فساري الحسن، المقاتل في فيلق الشام، لفت إلى أن عائلته في ريف إدلب، كانت قبل الثورة "من المغضوب عليهم" عند النظام، وقال: "لم يبق منا رجل في الثمانينات لم يدخل سجون النظام، ومنهم من قضى أكثر من 16عامًا، ومنهم من مات داخل السجون، ومن خرج فاقدا عقله من شدة التعذيب"، وهكذا كان انضمام ساري إلى الثورة وحتى بشكلها المسلح نتيجة طبيعية.

أما خالد العوض، فشدد على أن سبب حمله للسلاح هو ذاته سبب خروجه في الثورة، قائلا: "أنا حملت السلاح منذ بداية الثورة، من جمعة العشاير في أكتوبر، وهو الشهر السابع للثورة، والسبب هو نفس السبب الذي حملنا على الخروج في الثورة، وهو الدين والكرامة، لأن ثورتنا ثورة كرامة".

عبد العزيز إدلبي، رغم خروجه في المظاهرات السلمية في المرحلة الأولى من الثورة، إلا أنه كان على قناعة تامة بأن النظام لا يمكن وضع حد لقمعه وتسلطه بمجرد التظاهر: "إن سبب حملي للسلاح هو قناعتي بعدم نجاعة السلمية من البداية، نتيجة تاريخ النظام العريق في الإجرام".